السبت، 13 يونيو 2020

• تجارة الأطفال أكبر خطر في العالم


إنها تجارة مُحرّمة تنتشر في العالم بصورة شرهة، وتعادل تجارة المخدرات من حيث النمو والازدياد وشمولها جميع أرجاء المعمورة.
ظاهرة تجارة الأطفال من أخطر الظواهر التي انتشرت بشكل مخيف على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة، وخاصة مع انتشار الفقر والجوع والكوارث الطبيعية.

فقد أكدت دراسة قامت بها جمعية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة أنه تم بيع نحو 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الأخيرة ليعيشوا طفولتهم في ذل وهوان، وفي ظروف معيشية صعبة لا يرضاها متحضر.
ولأن هذه التجارة المحرمة تنتشر الآن في العالم بصورة شرهة تحت مسمى "التبنّي" وتعادل تجارة المخدرات من حيث النمو والازدياد، فإن تقديرات منظمة "اليونيسيف" العالمية تشير إلى أنه يوجد في المناطق الغنية في العالم ما يزيد على خمسة ملايين أسرة ترغب في تبنّي الأطفال، وفي الوقت نفسه، يوجد في الأجزاء الفقيرة - مثل أمريكا اللاتينية والشرق الأقصى وإفريقيا المبتلاة بالجوع - حوالي 100 مليون طفل يجوبون الشوارع بحثاً عن الطعام أو الكسب الزهيد، وهذا الأمر يشكّل إغراء كبيراً لعديمي الضمير من تجّار الأطفال.
وحسب تقديرات "اليونسيف" أيضاً، فإنه يتم تصدير حوالي 90 ألف طفل سنوياً من أمريكا اللاتينية وآسيا وشرق أوربا إلى البلدان الغنية، وأكبر مستورد لهؤلاء الأطفال هو الولايات المتحدة الأمريكية، تليها فرنسا ثم ألمانيا ثم البلدان الاسكندنافية ثم هولندا والنمسا.
وتؤكد "اليونيسيف" أن الادعاء بحماية الأطفال عن طريق إرسالهم إلى حياة أفضل هو أكثر الوسائل التي تثير الجدل في هذا المضمار، والرابحون الوحيدون هم أصحاب الوكالات التجارية التي تمنح لهم الرخص للتجارة بالأطفال في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، حيث يسيطر هؤلاء على السوق العالمي لبيع الأطفال.
كما تؤكد المنظمة الدولية أن الدول الصناعية وحدها تستورد سنوياً خمسة ملايين طفل للتبني، معظمهم يأتي من دول إفريقيا وأوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية، حيث تضم هذه المناطق ما يزيد على 100 مليون طفل مشرد.
وليست مراكز التبني التي تنشئها الدول بهدف مكافحة الظاهرة إلا خطوة أولى نحو تقنين هذه التجارة البشعة وخلق عصابات منظمة للسيطرة عليها، بل إنه في دول أخرى كالصين وفيتنام أصبحت تجارة بيع الأطفال جزءاً من تجارة الدولة، حيث تتغلب الصين بذلك على سياسة خفض التعداد السكاني، بينما أدى انفتاح فيتنام على اقتصاد السوق إلى أن يجوبها عشرات السماسرة بحثاً عن الأطفال.
تجارة منتعشة
وإذا حاولنا رصد الظاهرة على المستوى العالمي، نجد أن تجارة الأطفال تشهد انتعاشاً ظاهراً في ألمانيا بسبب اتساع عمق الفجوة بين شعوب الشمال الغني والجنوب الفقير، فقد ذكرت المنظمة الإنسانية الألمانية في تقريرها السنوي عام 1997 أن حالات التبنّي القانوني للأطفال الأجانب عبر المنظمات الإنسانية لا تشكّل سوى 25% من مجموع 1100 طفل أجنبي تم تبنّيهم في عام 1996، أما الجزء الأكبر من هؤلاء الأطفال، فقد تم تبنّيهم عبر وسطاء مشبوهين، يستهدفون ترويج تجارتهم غير المشروعة من خلال عمليات التهريب وتزوير الوثائق.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية وجود حوالي 120 آلاف أسرة مسجلة لدى الدوائر الرسمية للحصول على أطفال بالتبني بالطرق الشرعية، وهناك أعداد مضاعفة من هذه الأسر لا ترد أسماؤها في السجلات الرسمية لعدم توافر الشروط المطلوبة، فتلجأ إلى أساليب ملتوية للحصول على الأطفال.
ويؤكد "رولف باخ" - مدير مراكز التبني الرسمية في شمال ألمانيا - أنه "كلما كان الطفل الرضيع أصغر سنّاً وأكثر بياضاً زاد سعره وغلا ثمنه".
وتقوم عصابات تجارة الأطفال في ألمانيا بنصح الراغبات في الإجهاض بأن يلدن أطفالهن في المستشفيات الألمانية، حيث يضعن أطفالهن هناك مجاناً حسب القوانين الصحية، ثم يتركن أولئك الأطفال هناك ويعدن إلى بلادهن.
وتنطبق قوانين العرض والطلب على تجارة الأطفال في ألمانيا مثلها مثل أي تجارة، وقد فاقم من هذا الوضع سقوط نظم الحكم الاشتراكي في شرقي أوربا، وتردي الوضع المعيشي هناك، وتفشي الحروب، وهو ما جعل عصابات تجارة الأطفال تحبّذ التعامل مع أوربا الشرقية بسبب قربها من ألمانيا، وانخفاض شروط التبني هناك، ويشكل الأطفال القادمون من أوربا الشرقية نسبة 40% من الأطفال الذين يجري تبنّيهم في ألمانيا سنوياً ولاسيما القادمين من البوسنة والهرسك وكوسوفا، وإزاء هذا الوضع، تعالت المطالبات من قبل جماعات حقوق الإنسان من أجل تطبيق بنود اتفاقية حماية حقوق الطفل الدولية في ألمانيا، وبالتفرقة بين تبني الأطفال بشكل قانوني، وشراء الأطفال المخطوفين أو المباعين.
سياحة وتبن!
وفي أمريكا اللاتينية، تشكلت سوق دولية واسعة لبيع الأطفال، وأهم المشترين الدول المتقدمة التي تنتهج سياسات تنظيم النسل والتحكم في الزيادة السكانية، وقد اعتادت في حالة شراء الأطفال أن تتوجه إلى الأسواق الدولية لبيع الأطفال.
وتعتبر البرازيل مركزاً رائجاً لتجارة الأطفال في أمريكا اللاتينية، ففيها يتم ولادة 3.5 مليون طفل سنوياً، ويعيش 44 مليونا - ضمن 63 مليون قاصر - في هذه البلاد في أسر يقل دخلها الشهري عن الحد الأدنى للأجور، وفي ظل الفساد المستشري في الدوائر الرسمية وبين الموظفين الحكوميين، نشطت مافيا تجارة الأطفال التي تمارس نشاطها تحت مسمى "التبني".
وخلال 1995م تم اكتشاف خلية من تجار الأطفال في البرازيل، وكانت خطتها تتمثل في خطف أولاد وبنات من منطقة "ريودي جانيرو"، حيث تقوم بعد ذلك بعرض هؤلاء الأطفال على السياح بهدف التبني في ولاية "يارا"، وكان الاتفاق على تلك الصفقات يتم عادة أثناء رحلات نهرية في منطقة الأمازون.
جسور غير إنسانية
وتأتي دولة بيرو في مقدمة بلدان العالم الثالث التي تروج فيها تجارة الأطفال، حيث تنظمها وكالات سرية تفوق في دقة أنشطتها عصابات تهريب المخدرات.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم تجارة الأطفال في بيرو يصل إلى بيع عشرة آلاف طفل كل عام إلى وكالات تسويق الأطفال، والتي تبيعهم للأسر الغربية المحرومة من الإنجاب على أمل أن تؤمن لهم حياة كريمة، ولكنها في النهاية غريبة عن انتماءات الأطفال الحضارية والنفسية.
وفي محاولة للقفز فوق القيود والقوانين المفروضة على شرعية التبني، تلجأ المستشفيات العامة ومراكز إيواء الأطفال حديثي الولادة إلى نشر الإعلانات المزيّفة في الصحف المحلية في بيرو تطالب بالبحث عن الأسر القادرة على تبني الأطفال، وعبر هذه الأساليب الوهمية تمتد الجسور الجوية بين "ليما" و "نيويورك" و "لندن" و "بون" وغيرها من مدن الغرب الأوربي تحمل عشرات الآلاف من الأطفال القادمين من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
أسعار منافسة!
وفي دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق نجد أنه بعد انهيار الأنظمة الشيوعية أصبحت تجارة الأطفال منتشرة وبأسعار منافسة.
ففي عام 1995م كان حوالي 38% من الأطفال المستوردين إلى ألمانيا من شرق وجنوب شرق أوربا، وخاصة من بولندا ورومانيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل كبير.
ففي عام 1998 كان ثلثا الأطفال المعدّين للشحن من بولندا إلى الخارج - وعددهم 3 آلاف طفل - قد تم الحصول عليهم من المستشفيات وبيوت الأيتام ومجمعات منازل الفتيات العازبات، وكانت هذه العمليات عبارة عن تجارة أطفال منظمة تماماً.
وقد أكدت المنظمات الدولية أن تجارة الأطفال في بولندا أصبحت من اختصاص شبكات المافيا بسبب أرباحها الكبيرة، وتقوم هذه الشبكات بنقل السيدات البولنديات لوضع أطفالهن بالسويد، ثم يتركن أطفالهن هناك مقابل مبلغ من المال.
وكذلك في روسيا، التي أشير إلى وجود ثماني مؤسسات أمريكية تحتكر سوق تجارة الأطفال العالمية فيها مقابل أسعار ما بين عشرة آلاف وخمسين ألف دولار للطفل الواحد.
وتعتبر رومانيا من الدول التي انتشرت فيها ظاهرة تجارة الأطفال، خاصة بعد سقوط نظام "شاوشيسكو"، وتحاول السلطات الرومانية والمؤسسات الخيرية وضع نهاية لهذه التجارة بمساعدة الأسر الفقيرة مالياً حتى لا تتخلى عن أطفالها، وينشأ الطفل وسط أسرته الطبيعية.
ويحاول النظام هناك تحسين حالة عشرات الآلاف من الصغار الذين هجرهم ذووهم، مع العمل على تدعيم برامج تهدف إلى جمع شمل الأطفال بأسرهم الطبيعية. كما تبنّت بعض المؤسسات الخيرية برامج لتشجيع قيام الرومانيين بتبني هؤلاء الصغار، وتحسنت حالة الملاجئ بشكل جذري والتي تضم أكثر من مائة ألف طفل.
ولكن رغم هذه الجهود، تؤكد الدلائل أن هناك عصابات رومانية وأجنبية تشترك في ازدهار سوق تجارة الأطفال وتصديرهم إلى العواصم الغربية الكبرى، تحت شعارات وأوراق رسمية تمنح هذه "السلع البشرية" صفة "المتبني".
ويدخل في جيوب السماسرة والوسطاء والموظفين البيروقراطيين في الدوائر الصحية والشئون الاجتماعية والقضائية وأقسام منح تأشيرات الخروج من وزارة الداخلية الرومانية مئات الآلاف من الدولارات لتسهيل هذه التجارة.
البيع بالجملة
وقد أكد رئيس اللجنة الرومانية المختصة بمتابعة الظاهرة الجديدة أنه تم تسجيل نحو 2000 حالة تبن عالمية، وأن هناك ما بين 18 إلى 22 ألف طفل تم تبنيهم بطريق البيع من عائلات غربية، ويشكّل الأطفال الرومانيون ما يقارب ثلث عدد هذه الحالات.
وقد أعلنت المنظمة الدولية للدفاع عن الطفل وكذلك منظمة الخدمات الاجتماعية الدولية حالة الطوارئ، وأرسلتا لجنة من الخبراء إلى رومانيا لبحث الوضع على الطبيعة، وجاءت التقارير لتؤكد أنه كان يتم التقرّب إلى الأمهات الرومانيات وإقناعهن بتقديم أطفالهن للبيع بمبالغ تتراوح ما بين 200 و 250 دولاراً للطفل الواحد، في حين يبيعه الوسيط في الولايات المتحدة مقابل عشرة آلاف دولار.
وقد توسع السماسرة في أساليب البيع التي بدأوا يتبعونها ببيع أكثر من طفل لأسرة غربية واحدة، فقد قامت إحدى الأمهات الأمريكيات بشراء سبعة عشر طفلاً وطفلة رومانيين دفعة واحدة في سوق حديثة للجملة، واستخرجت لهم جميعاً تأشيرات الخروج الرسمية من بوخارست وعادت بهم إلى أمريكا.
عصابات الأطباء
وفي عام 1995 كشفت الأحداث في أوكرانيا عن رواج تجارة الأطفال، وأن عصابات هذه التجارة يدخل فيها الأطباء أنفسهم الذين يتولون عملية توليد النساء، ففي بعض الأحيان يخبرون الأم أن وليدها قد مات، ويتم بعد ذلك تسجيل المولود في مستشفى آخر، وإعلان صلاحيته للتبني لأن أمه هجرته. وقد تتكرر هذه المأساة عشرات المرات في أوكرانيا، وفي بعض الأحيان يحاولون إقناع الأم بطريقة غير مباشرة أن الأفضل لها أن تترك طفلها ليجد فرصته في التبني لدى عائلة ميسورة الحال توفر له ما لا تستطيعه الأم، وإذا رفضت الأم يتحايلون عليها لأخذ الوليد عنوة، حتى بلغت حوادث سرقة الأطفال المواليد هناك بالمئات، وتتراوح أسعار الطفل في هذه التجارة المحرّمة ما بين 175إلى 250 ألف فرنك.
وفي كوريا، ذكر تقرير نشرته الصحف الأمريكية أن كوريا صدرت منذ عام 1954 - بعد انتهاء الحرب الكورية - حوالي 280 ألف طفل للتبني في الخارج، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن القوانين الكورية تشددت أخيراً في هذا المجال، الأمر الذي أزاح كوريا عن مركز الصدارة في تصدير الأطفال، وجعل أوربا الشرقية تحل محلها، ثم بدأت روسيا ذاتها في المنافسة على مركز الصدارة لهذه التجارة المخزية.
بيع مليون طفل في تايلاند
وفي تايلاند، يؤكد مدير مركز "بانكوك" لحماية حقوق الطفل أن هناك أكثر من مليون طفل تم بيعهم لأصحاب الأعمال والمصانع الذين يقومون بغلق أبواب مصانعهم على هؤلاء الأطفال كل مساء، حيث ينامون إلى جوار الآلات والماكينات التي يعملون بها.
وقد تمكن رجال الشرطة التايلانديون من إنقاذ 64 طفلاً كانوا يستغلون أسوأ استغلال في صناعة المفروشات، وكانوا يعملون من السادسة صباحاً وحتى منتصف الليل دون مقابل، ودون فترة راحة طوال اليوم، ودون راحة أسبوعية.
وفي الهند - وعلى حد قول "آن تيكر" المتحدثة باسم جمعية "مقاومة الرق" في لندن - يبيع الآباء أطفالهم بأبخس الأثمان في بعض الأقاليم بسبب الفقر، ويتحول هؤلاء الأبناء إلى "رقيق أبيض" ويفقدون البهجة والسعادة والبراءة، ليواجهوا البؤس والظلم والشقاء، ويستغلهم المستفيدون أسوأ استغلال، فالفتيات يعملن لحسابهم في البيوت سيئة السمعة، أما الذكور، فيعملون في الصناعات المختلفة دون مقابل.
وفي عام 1994 اكتشفت الشرطة الهندية في ولاية "أوتار براديش" خلية كبيرة من مافيا الأطفال الرضع، كانت تضم أطباء وممرضات تخصصوا في سرقة الأطفال حديثي الولادة من أمهاتهم، وكانوا يوهمون والدة الطفل بأنه مات، بينما كان هذا الرضيع يتم بيعه إلى والدين أجنبيين بثمن مرتفع.
رضاؤكم مضمون!
وفي الصين، تقوم عصابات تجارة الأطفال باختطاف الصبية من شوارع المدن، وينقلونهم بعيداً إلى المناطق الريفية الشاسعة لبيعهم لأزواج لا ينجبون، ويبعن الفتيات الصغيرات كزوجات للمزارعين، أو لتجارة الجنس المزدهرة في الصين، وقد ضبطت السلطات 130 ألفا من تجار الرقيق بين عامي 1991 و 1996م، وأنقذت ما يزيد على 70 ألف سيدة وطفل كانوا قد بيعوا ولم يعد من المستهجن اليوم في الصين أن تقوم مكاتب بيع الأطفال بترويج بضاعتها للأجانب فترفع شعار: "إذا لم يعجبكم الطفل فإنه يمكن إعادته إلينا واستعادة الثمن".
اختفاء الأطفال في باكستان
وعلى مستوى المنطقة العربية والإسلامية، تنتشر ظاهرة بيع الأطفال على استحياء في بعض الدول نتيجة للقيود الدينية التي تحرّم الرقيق وتحظر الاتجار بالبشر، ولكن النفوس الضعيفة وراغبي الثراء السريع يمارسون تجارة الأطفال في الخفاء.
ففي باكستان، تشير الإحصاءات إلى أن هناك 8 آلاف طفل مفقود سنوياً، علماً بأن كثيراً من العائلات لا تعلن عن فقدانها أولادها، مما يعني خضوعهم لهذه التجارة المشبوهة.
وفي مصر، أبلغت عاملة بمستشفى خاص بالقاهرة منذ سنوات أن طبيباً يدير المستشفى لتوليد السيدات الساقطات، يقوم ببيع أطفالهن غير الشرعيين للسيدات اللاتي لا ينجبن مقابل مبالغ مالية كبيرة، ويشاركه طبيب آخر بالمستشفى وممرضة يقومان باستخراج شهادات تفيد ولادة هؤلاء الأطفال بالمستشفى، لتسهيل استخراج شهادات ميلاد لهم بأسماء آبائهم الجدد.
وفي الأردن، كانت جريمة بيع الأطفال حديث الشارع الأردني عام 1996م، عندما قبضت الشرطة الأردنية على القنصل الفخري لسريلانكا، والذي كان يدير عملية تجارة الأطفال في الأردن وخارجها، حيث كان يسافر إلى سريلانكا ويجلب الخادمات ويستخدمهن في الدعارة، ومن تحمل منهن يتم توليدها واستغلال المواليد في التجارة، وكانت سكرتيرته تساعده في ذلك، فتسافر بصفة دورية لحصر احتياجات الأسر ونوعية الطفل المطلوب - ذكراً أم أنثى - وكان القنصل الفخري! يستغل حجرة بجوار مكتبه بالقنصلية لعمليات الولادة، وقد اتسعت تجارته اللاإنسانية واستشرى سعار المال لديه، فبدأ تصدير الأطفال لبيع أجزاء من أجسامهم بحجة إنقاذ المرضى المحتاجين للحياة.
سقوط كارلوس
ولم يكن هذا القنصل الفخري! أول من وقع تحت طائلة القانون متهما بتجارة الأطفال، فقبله بسنوات عدة، سقط المحامي البرازيلي "كارلوس" الذي يعد أحد أباطرة تجارة الأطفال، حيث بدأ نشاطه عام 1982، وترك المحاماة واتجه إلى هذه التجارة المربحة، واستطاع خلال عامين بيع 150 طفلاً حديث الولادة إلى مشترين من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وبلغ سعر الطفل الواحد 8 آلاف دولار أمريكي، وقد يزيد الثمن أو ينقص تبعاً لسن الطفل وصحته والغرض الذي يوجه إليه، ونوعية الجهة الراغبة في شرائه، وهل هو للتصدير إلى الخارج أو للاستهلاك المحلي!
وعندما قبض على كارلوس، وقف يدافع عن نفسه قائلاً: "إنني أشعر بالفخر، وأود أن أبيع مليون طفل يحلمون بطعام وبأسرّة ومأوى وسيارة، ولا يجدون كل ذلك في البرازيل التي يوجد بها سبعة ملايين طفل مشرّد يهيمون في الشوارع شبه عرايا، يفترشون أرصفتها في الليل على الرغم من أن آباءهم وأمهاتهم مازالوا أحياء، لكنهم لا يستطيعون إطعامهم أو رعايتهم".
ولكن هل يكفي القبض على كارلوس أو غيره للحد من هذه الظاهرة؟ إن مافيا تجارة الأطفال تضم الآلاف ممن يستحلون تجارة البشر وأكل لحومهم.
بيوت التسمين
والمثير - كما تقول المنظمات الدولية العاملة في مجال الطفولة - هو وجود العديد من الطرق الملتوية والمظلمة التي يسّرت للوسطاء استغلال مآسي هؤلاء الأطفال، وكذلك أمنيات العائلات التي لم تتمكن من التبني، بالإضافة إلى حصول بعض الحكومات الشيوعية على تسهيلات مالية ورشاوى مقابل التغاضي عن هذه التجارة والتنازل عن الأطفال للأجانب الأثرياء، ومن خلال بيوت أطلق عليها "بيوت التسمين" يحتفظ فيها بالطفل لإكسابه نضارة الوجه تمهيداً لعملية بيعه. كما كان يحدث في رومانيا بعد قيام ثورة 1989م.
وهناك نسبة كبيرة من الأطفال الذين يخضعون للبيع والشراء يتم تلقينهم فنون النشل والسرقة والسطو على المنازل. والذي يتفوّق في هذه الدراسات غير السوية، يباع للعصابات الدولية مقالب ستة آلاف دولار للطفل. وقد أكّدت إحصاءات جمعية مقاومة الرق بلندن أنه تم بيع عشرة آلاف طفل لهذه العصابات خلال عقد الثمانينيات.
وإذا بحثنا عن المصادر التي تعتمد عليها شبكات الرقيق لجلب الأطفال، نجدها متعددة ومنها:
1)    إقامة مزارع لبيع الأطفال يعمل فيها فريق من المربيات.
2)    حجز الأطفال قبل ولادتهم من غير المرغوب فيهم خاصة غير الشرعيين.
3)    إيواء المراهقات وبائعات الهوى والحوامل في أماكن سريّة أعدت لذلك حتى يقمن بمهمة إنتاج الأطفال وتفريخهم.
4)    سرقة الأطفال حديثي الولادة من مستشفيات التوليد.
5)    استغلال الفقر في بعض البلاد وقيام هذه الشبكات بشراء الأطفال من أهليهم الذين يعجزون عن إطعامهم وتربيتهم.
وبعد...
فإننا بعد رصد ظاهرة تجارة الأطفال على المستوى العالمي، واستعراض حجمها وأرقامها المخيفة وشبكاتها ومصادرها، نجد أنفسنا أمام كارثة عالمية منظمة تعيد البشرية إلى عصور الرق والعبودية، ومَن هم الضحايا؟ إنهم أطفال العالم الذين صاروا سلعة رخيصة تباع وتشترى بواسطة شبكات ومنظمات وتجار يلهثون وراء المادة والثراء الفاحش والسريع.
فأين الضمير العالمي من هذه الكارثة؟ وأين منظمات حقوق الإنسان؟ وأين منظمات الطفولة العالمية؟ وأين الميثاق العالمي لحقوق الطفل؟
إن بيع الأطفال والاتجار فيهم جريمة دولية كبرى يجب أن يتصدى لها المجتمع العالمي بأسره، ويتعقب شبكاتها وتجّارها ويعتبرهم أخطر من مجرمي الحرب، فأطفال العالم جميعاً في خطر مادامت هذه التجارة الملعونة تجد رواجاً في أي بقعة من العالم.
المصدر: 1

إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق