الأربعاء، 8 مارس 2023

• اعرض وجهة نظرك بدل الجدال في شرحها


عَلَّمَتني الحياة

في عالم السطوة عليك أن تتعلم التأثير طويل الأمد لأفعالك على الآخرين. المشكلة في محاولة إثبات وجهة نظرك أو تحقيق نصر بالجدال أنك لا تعرف في النهاية تأثير ذلك على من تجادل:

فقد يتفقون معك تأدباً ولكن يستاءون منك في داخلهم، وربما تكون قد قلتَ شيئاً يجرحهم دون قصد. فالكلمات لها قدرة ماكرة على جعل الناس يفسرونها حسب أهوائهم ونقاط ضعفهم، وحتى أفضل البراهين لا تكون مؤثرة لأننا جميعا لا نثق بالطبيعة المراوغة للكلمات. كما أننا حتى لو اتفقنا مع شخص في رأيه فإننا نعود بعدها بأيام لآرائنا القديمة ليس لشيء إلا لأننا اعتدنا عليها.

ولتفهم أن الكلمات لا قيمة لها في ذاتها، فكلنا نعرف أننا في حِدِّةِ الجدال نقول أي شيء يدعم رأينا، كأن نستشهد بالكتب المقدسة أو بإحصاءات غير مؤكدة، فمن قد يقتنع بمثل هذا التحايل؟ الأفعال والعروض تكون أقوى في تأثيرها ومغزاها، فهي تحدث أمامنا ونراها، حينها يمكننا أن نقول كما قال سوديريني «نعم رأس التمثال الآن منكفئة» دون كلمات جارحة أو سوء تفسير، فلا أحد يجادل في عرض واقعي. وكما قال بالتـار جراتسيان «الحقيقة في عمومها تُرى ولا تُسمع».

كان السير كريستوفر رين هو النموذج الإنجليزي من رجال عصر النهضة الموسوعيين، فكان يُتقن الرياضيات والفلك والفيزياء والفزيولوجيا، ومع ذلك كان كثيراً ما يَطلب منه رُعاته طوال تاريخه المهني إجراء تعديلات غير عملية في تصمياته، ولم يجادل مرة أو يهاجمهم بل كان دوماً يجد طرقاً أخرى لإثبات وجهة نظره.

في عام 1688 صَمَّمَ رين بهواً رائعاً في مدينة ويست منستر، لكن عُمدة المدينة انزعج وأخبر رين بمخاوفه من أن الطابق الثاني ليس آمنا وأنه قد ينهار فوق مكتبه بالطابق الأول، وطلب من رين أن يقيم عمودين كدعم إضافي. كان رين المهندس الخبير يعلم أن لا فائدة من العمودين، وأن مخاوف العُمدة ليس لها ما يبررها، ولكنه بناهما فعلاً وأرضى العمدة.

ولم يعرف أحد إلا بعدها بسنوات، وحين كان بعض العمال يستخدمون سقالة عالية أن هذين العمودين لا يصلان إلى السقف. كان العمودان زائفين، لكن حقق كل من الرجلين ما يريده: استطاع العمدة أن يهدأ وأثبت رين للأجيال التالية أن تصميمه الأصلي كان سليماً وأنه لم تكن هناك ضرورة للعمودين .

سَطْوَةُ العرض الواقعي تأتي من أنها لا تضع خصمك في موقف الدفاع ويصبح أكثر تقبلاً للاقتناع، فأن تجعلهم يرون ما تقصده بأعينهم أفضل كثيراً من أن تجادلهم.

أراد احراج خروتشوف بعلاقته بستالين لكن الرد كان صادماً...

قاطع أحد الحاضرين نيكيتا خروتشوف بينما كان يلقي خطابا يتبرأ فيه من جرائم ستالين، وسأله "لقد كنت زميلا لستالين، فلماذا لم توقفه حينها؟" فتظاهر خروتشوف بأنه لم يرَ المتكلم وصاح عالياً وبقسوة «من قال هذا؟ » فلم يُجِب أحد، بعدها بثوان من الصمت الكثيف قال خروتشوف بصوت هادئ «الآن تعرف لماذا لم أوقفه».

فبدلاً من الجدال بأن الجميع كانوا يشعرون بالخوف أمام ستالين، لأن ظهور أي علامة على التمرد عليه كانت تعني الموت المحقق، بَيَّنَ خروتشوف للسائل كيف كانت مواجهة ستالين- ذلك الشعور بالريبة والخوف من التكلم والهلع عند مواجهة القائد والذي كان هذه المرة خروتشوف نفسه.... كان هذا العرض محركا للنفس ولم تكن هناك حاجة بعده لأي جدال.

أقوى إقناع هو ما يتجاوز الأفعال إلى الرموز، فقوة الرموز مثل الرواية أو القصص الديني أو التمثال الذي يُمَجِّدُ ذكرى مشحونة بالعواطف ـ تجعل الجميع يفهمك دون أن تقول شيئاً.

المصدر: THE 48 RULES OF POWER, ROBERT GREEN

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق