نتج من رصد السيارات
الفلكية أنها لا تتباعد كثيرًا في حركاتها عن منطقة سماوية قليلة العرض تسمى منطقة
فلك البروج وهي عند المصريين واليونان محل السير الظاهري للشمس وللسيارات الأصلية
على القبة السماوية.
وقد علم قدماء الفلكيين
بالضبط الصور التي تقطعها الشمس في حركاتها السنوية لأنهم قسموا الدائرة الكسوفية
ومنطقة فلك البروج إلى اثني عشر جزءًا متساوية سميت بأسماء الصور المطابقة لها في
ذلك الوقت، أما ترتيبها الذي كانت قد وجدت فيه حينما تتبع حركة الشمس الخصوصية
بالابتداء من نقطة الاعتدال الربيعي، فهو حمل وثور وجوزاء وسرطان وأسد وسنبلة
وميزان وعقرب وقوس وجدي ودلو وحوت، لكن من ألفي سنة تغير منظر السماء بسبب تقهقر
الاعتدالين، فصارت لا توجد الآن في بروج واحدة،ومع ذلك فقد حفظت للاثني عشر جزءًا
المذكورة أسماؤها الأولى.
الواجب معرفته أن هذه
الأجزاء والعلامات التي سعة كل منها 30 درجة إنما تبين الأوضاع المتتالية التي
تشغلها الشمس في مدة سنة، أما في حالة غضب الشمس بتغير حركتها الخصوصية فإن
الاعتدالين ينفجران دمارا.
يقول «ماسبرو»: «إن من بين قدماء المصريين من
رصد بعض النجوم في جداولهم فاستدل منها على أنهم كانوا يطيلون الرصد مع المثابرة
حتى اهتدوا إلى معرفة تلك النجوم، لأن طوائف الكهنة تكفلت من قديم الزمان بإنشاء
المدارس لمزاولة الفلك وغيره. فأسسوا مراصد كثيرة منها مرصد في مدينة الشمس، ومرصد
في منف, وآخر في طيبة وغيره في دندرة، ورصدوا فيها النجوم التي أمكن رؤيتها عيانًا
مثل الشعرى اليمانية والدب الأكبر والثريا، وهي الكواكب السبعة المعروفة، وكانت
هذه المراصد تصدر كل سنة تقاويم دالة على ظهور هذه الكواكب وأفولها، وقد وصل إلينا
بعضها مما نراه منقوشًا في مقبرة رمسيس الرابع ورمسيس التاسع بطيبة، فنقلها
«شامبليون» في الجزء الثاني من كتابه المسمى «آثار مصر والنوبة» في الصفحات من 547
إلى 568، ثم طبعها بعده «لبسيوس» في صفحتي 227 و228 من الدنكميلر ثم درسها «ده
روجه» و«بيوت» وغيرهما. وقال «استرابون»: «وكان مرصد هليوبوليس الذي زاول فيه
إدوكس حركات الأجسام السماوية موجودًا في عصره خارج السور حذاء مدينة «سيرزورا»
الموضوعة على الشاطئ الغربي من النيل، وكان فيها أيضًا مرصد يرقب حركات الأفلاك
كما كان أمام مدينة كنيد مرصد في قسم ليتوبوليت». وقال «ماسبرو» في تاريخه الآنف
الذكر: إن أول المراصد بديار مصر محاريب الشمس، وإن رؤساء الكهنة لقبوا بالفلكيين
(واروماوو) بمعنى حداد الأبصار. ومنهم من لقب برئيس راصدي الشمس، واصفًا نفسه
بالوحيد الذى ينظرها وجها بوجه. ومنهم من لقب بالقارئ الذي يعرف صورة السماء ووصف
نفسه بحاد البصر في قصر أمير أرمنت (راجع صحيفة 320 من كتاب «بروكش» المسمى
بالآثار المصرية).
مما تقدم نعلم أن رؤساء
كهنة الشمس كانوا أول الفلكيين في العالم وأول من اشتغل برصد النجوم وتحروا عن
هيئة السماء ورسموا خرائطها، وبذلك أصبحت المعابد بوادي النيل في العصر التاريخي
لا تخلو من الفلكيين ويسمونهم على الآثار بما معناه (مراقبو الليالي) لأنهم كانوا
يصعدون ليلًا فوق المواضع العالية كسقف النواويس أو المصاريع، وهي الأبراج التي
تشيد أمام المعابد، ويبحثون دائمًا بنظرهم في جو السماء متتبعين سير النجوم
وحركاتها وكاتبين لكل حركة ظهرت لهم. وقد وصل إلينا من أعمالهم العلمية خريطة
فلكية تدل على مكانة أهل طيبة في علم الفلك بين القرنين الثامن عشر والثاني عشر
قبل التاريخ الميلادي فرسم النقاشون خلاصتها على سقف المعابد وخصوصًا في المقابر
الملكية، فمنها ما هو مرسوم في الرمسيوم بطيبة الغربية، وقد درسها (بيوت
وتومالينسون لبسيوس وبروكش)، ومنها ما هو مرسوم على سقف في معبد دندرة وهي
المنقولة في الخطط الفرنساوية ودرسها بروكش ومنها ما هو مرسوم في مقبرة سيتي الأول
وقد نقلها (بلزوني وروزلليني ولبسيوس ولفبير وبروكش).
سوهو.. الصمت
المفاجئ
قبل فترة قصيرة واجهت علماء
الفلك والفضاء مشكلة معقدة.. عندما أصيبت مركبة فضاء اسمها سوهو، بصمت مفاجئ..
توقفت عن إرسال المعلومات والصور للشمس التي تدور حولها. وعجز العلماء عن تحديد
موقعها.. الأمر الذي أصابهم بالحزن وما يشبه الإحباط.
فقد كانت هذه المركبة منذ
عام 1996، تقوم بوظيفتها بنشاط. وهي دراسة جميع الظواهر والعواصف والاضطرابات
الشمسية، وبفضلها حصل العلماء على معلومات ثمينة. وبعد سنتين من إطلاقها ونشاطها،
جاء الصمت الرهيب.. ليشعر العلماء بفقدان هذه المركبة، التي تكلفت أكثر من مليار
دولار. وخلال الفترة من يونيو وحتى سبتمبر، لم تتوقف جهود العلماء في البحث عنها،
وهي على بعد مليون و600 ألف كلم من الأرض.
لكن لماذا يهتم العلماء
بدراسة الشمس عن قرب، إلى حد الاستعانة بالأقمار والمركبات الفضائية؟ الإجابة
تتركز في الآتي: للشمس دورات من النشاط الرهيب، المصحوب بالانفجارات وانتشار البقع
الشمسية، تتكرر كل 11 سنة تقريبًا.. آخر دورة حدثت منذ عامين، حيث ظهرت مساحة من
البقع، تستطيع احتواء سبعين كوكبًا بحجم كوكبنا، تنتج عن المجالات المغناطيسية
الشديدة. ومعها انفجارات تقذف بملايين الأطنان من المواد إلى الفضاء، هذه الثورات
أو الدورات تغضب الشمس، فتثير أسئلة حائرة، من بينها: ما العوامل الداخلية التي
تتحكم بالدورة الشمسية؟ وهل الشمس في طريقها لأن تصبح أقل أم أكثر حرارة؟ إذ إن
تأثير هذه الدورات يمتد إلى جوانب عديدة.. فالبث الإذاعي على الموجة القصيرة،
ينقطع أحيانًا لفترة تصل إلى 24 ساعة.. والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، تتأثر
وقد تتوقف.. بسبب ظهور مجالات مغناطيسية قوية في الطبقات العليا للجو، وتكوين
تيارات تؤثر في خطوط النقل والتوصيلات الكهربائية، بل حدث انقطاع للتيار الكهربائي
في بعض مدن كندا وامتد لتسع ساعات، أثناء الدورة الأخيرة للنشاط الشمسي.
وجد العلماء الحل في
الأقمار الاصطناعية المستخدمة في الاتصالات التي يمكن توظيفها بحيث تمنع العواصف
الشمسية من ضرب شبكات الكهرباء والكابلات الأرضية والتأثير في الطيران ورحلات
الفضاء، فقد اهتدى العلماء إلى وسيلة فذة هي الاستعانة بتلسكوب راديوى عملاق
وإرسال نبضات لاسلكية في الأماكن التي يمكن أن توجد فيها، ويتحقق في النهاية
هدفهم، في تحديد مكانها، ثم قيام فريق الفنيين الشبيه بالأطباء، بمعرفة أسباب
الخلل، وعلاجه، ويتجدد ما عرف عن أن الشمس مصدر الدفء والنور والحياة ولكنها عندما
تغضب وتثور تنفث انفعالاتها على كوكب الأرض.. فالعواطف العنيفة التي تضرب سطح
الشمس تؤثر بشكل عجيب في حالة الجو الأرضية وتشل مصادر الطاقة فتحدث ارتباكًا في
شبكات الكهرباء والاتصالات. ففي عام 1989 تسبب سقوط ذرات مشحونة ناتجة عن عاصفة
شمسية على الأرض في ضرب شبكة كهرباء الضغط العالي في مدينة «كويبك» بكندا، تاركًا
ملايين المنازل في ظلام دامس. وفي عام 1998 أحدثت عاصفة شمسية عطلًا بقمر اصطناعي
يخدم التليفونات المحمولة وأجهزة الإرسال «بيجر» ليتوقف عمل آلاف الأجهزة في
أمريكا.
المقصود بالعاصفة الشمسية
ليس الحالة الجوية التقليدية من سحب وثلوج ورياح، ولكن جو الفضاء الذي يحدث خللًا
في المجال المغناطيسي لكوكب الأرض، ويبدو لنا في صورة أشعة مضيئة بألوان مختلفة في
السماء. هذا الجو الفضائى يؤثر سلبيًا في العديد من الأجهزة الإلكترونية التي
أصبحنا نعتمد عليها في حياتنا اليومية.
لأول مرة نجح الباحثون في
تعقُّب هذه العواصف المدمرة، بحيث يكون هناك إنذار مبكر لاحتمالات الخلل المتوقعة
وترسم خريطة لتدفق الطاقة في الغلاف الجوي، مما يمنح مولدات الكهرباء مهلة من
الوقت لتأمين خطوط الكهرباء ومنع حالات الإظلام الشديد.
وكان الحل في الحصول على
معلومات كافية من «إيريديوم» وهو عبارة عن 66 قمرًا اصطناعيًا للاتصالات مهمتها
تأمين خدمة التليفون المحمول في أي مكان على كوكب الأرض وهي تستطيع «جس نبض»
المجالات المغناطيسية للأرض.
ولكن إلى أي مدى تسافر
موجات الطاقة.. إلى واشنطن أم إلى لندن أم إلى مصر؟! وما حجمها؟!.. هذه الأسئلة
يمكن لشبكة «أيريديوم» للاتصالات أن تجيب عنها. ويوضح كولين وترز خبير المناخ
الفضائي بجامعة نيوكاسل بأستراليا أن العواصف الشمسية تضرب كوكبنا من خلال زيادة
شدة الرياح الشمسية (التيار المستمر من الذرات المشحونة التي تنفصل بعيدًا عن
الشمس) وهذه الذرات تحدث تغييرًا في موضع المجالات المغناطيسية، فتسبب تيارات
كهربائية في الغلاف الجوي للأرض. وهي عادة ما تبدأ في المناطق القطبية ثم تنتقل
تدريجيًا للعناصر الأكثر توصيلًا للكهرباء على الأرض في اتجاه خط الاستواء.
والتيار الكهربائي يتبع الطريق الأقل مقاومة له وإذا صادف في طريقه سككًا حديدية
أو شبكة من الأسلاك أو خطوط الكهرباء أو أي منشأة تنقل التيار الكهربائي فإنه
وبسهولة يصيبها بالخلل.
عودة سوهو..
الأمل المرتقب
كان هناك عدد محدود من
الأقمار الاصطناعية التي ترصد الفضاء الجوي وتستطيع إرسال إشارات عن «الدُش»
الشمسي الذي يهدد الأرض من خلال تحديد حجم وكثافة وسرعة ذرات الشمس المنطلقة، ولكن
خبراء الأرصاد الجوية يجدون صعوبة في التنبؤ بمكان سقوطها أو مدى قوتها. ولذا فإن
المعلومات التي يمكن الحصول عليها من شبكة «أيريديوم» لأقمار الاتصالات تكفي لحل
هذه الأزمة.
يقول خبير تكنولوجيا
الأقمار الاصطناعية إن كل قمر في هذه الشبكة التي تحتوي على 66 قمرًا، يحمل
«ماجنتومتر» أو بوصلة إلكترونية تستطيع كشف أي انحراف في المجال المغناطيسي للأرض
الناتج عن العواصف الشمسية وكل قمر من هؤلاء يسير بسرعة 2000 ميل في الساعة ويعطي
معلومات عن حالة الفضاء كل ثلاث أو أربع دقائق، وبذلك ترسم الأقمار معًا صورة
متكاملة يمكن معها التنبؤ باحتمالات الخطر. ويمكن لشبكة «أيريديوم» أيضًا أن ترصد
حركة العواصف على مساحات واسعة، مع تحديد المناطق التي ستتلقى الشحنة الأكبر.
من هنا يمكن التنبؤ بخطورة
العواصف والتخطيط لإغلاق أو تحويل مولدات الكهرباء الرئيسية. والمفارقة العجيبة أن
شبكة «أيريديوم» التي تكلف إنشاؤها 3.5 مليارات جنيه إسترليني كانت على وشك
الانهيار في العام الماضي، لولا المالك الجديد الذي قرر استثمار دورها الجديد
لخدمة كوكب الأرض وحمايته من غضب الشمس. إن الاهتمام بدراسة الشمس عن طريق الأقمار
والمركبات الفضائية، بدأ منذ عقود.. ففي عام 1990، أطلق قمر اصطناعي اسمه سولار
ماكس.. لمراقبة الشمس، ودراسة دورة نشاطها، لكن قوة الإشعاعات وألسنة اللهب
الممتدة مئات الأميال أثناء دورة النشاط الشمسي عام 1999، أثرت في أجهزته، ولم
يستطع المقاومة طويلًا، فأخذ في الهبوط تدريجيًا، إلى أن اصطدم بالغلاف الجوي
للأرض، واحترق.
في عام 2000، اشتركت وكالة
الفضاء الأوربية ووكالة الفضاء الأمريكية، في إطلاق مركبة فضاء نحو الشمس، اسمها
«أوليس» قدمت للعلماء ثروة من المعلومات الجديدة حول الشمس، وغلافها الخارجي
الشفاف الذي يسمى إكليل الشمس، ورياحها، وحقولها المغناطيسية، والعديد من الجوانب
الأخرى. واستطاعت أوليس القيام بدورة كاملة حول قطبي الشمس، وذلك خلال عام
2004-2005.
من هنا يبرز اهتمام العلماء
بالمركبة الجديدة سوهو، لتكون مع شقيقتها أوليس، بمنزلة عيون وآذان قوية، ترى
وتسمع وتسجل جميع ما يجري في سطح الشمس وجوفها وإكليلها، خصوصًا الدورة القادمة
لغضب الشمس. فأثناء الدورات الماضية، كانت الحافة العليا للغلاف الجوى تتمدد،
بتأثير حرارة الانفجارات والإشعاعات الشمسية، مما تسبب في إبطاء الأقمار
الاصطناعية الدائرة في مدارات منخفضة.. ومع زيادة الانخفاض لبعض الأقمار، سقط
أحدها، وكان قمرًا اصطناعيًا أمريكيًا لأغراض التجسس الفضائي!
لذا فالآمال المعلقة على
«سوهو» كبيرة.. عندما تستعيد نشاطها الكامل، والصمود في وجه العواصف الشمسية
العاتية.. ومساعدة العلماء على فهم أسرار الدورات الشمسية، والتحذير مقدمًا، مما
قد تحدثه الدورة القادمة من آثار، يصعب التكهن بأبعادها الآن.. خصوصًا عند وصول
هذه الدورة إلى ذروتها عام 2020! العلماء الآن يتركز جل اهتمامهم في عودة النشاط إلى
هذه المركبة المتخصصة في دراسة الشمس.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق