السبت، 14 ديسمبر 2013

• بناء الأهرامات.. الأسطورة والواقع



ما إن تذكر الأهرامات حتى يقفز إلى الذهن تساؤل محير، وهو كيف تم بناء مثل هذه الأبنية الضخمة؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍! وبقدر ما يثير هذا التساؤل من حيرة الشخص العادي، فإنه يثير كذلك حيرة المهندسين وعلماء الآثار، إذ إن طريقة بناء الأهرامات المصرية تنطوي على كثير من المسائل الخلافية.

 ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه توصل إلى معرفة طريقة بنائها بالتحديد، ووصلت درجة غموض بناء هذه الأهرامات إلى القول بأننا لو طلبنا من أعظم المهندسين المعماريين في عصرنا الحالي أن يشيدوا هرماً واحداً مثل أهرامات مصر القديمة فمن المرجح أنهم سوف يترددون ويحجمون عن ذلك، رغم ما يتيسر لهم من أدوات العلم الحديث، بالإضافة إلى خبرة تجارب القرون السابقة كلها. لم تصل أهرامات الجيزة الثلاثة إلى الكمال المعماري والإنشائي فجأة، بل كانت هناك تجارب لسنوات طويلة بدأت بالمصطبة ثم الهرم المدرج لـ «زوسر» في سقارة، ثم أهرامات دهشور وأبرزها هرم سنفرو إلى أن نصل إلى أعظم هرم، هرم الفرعون خوفو. ويتراجع بنيان الأهرامات بعد ذلك في عصر الدولة الوسطى، ويذكرنا تطور بنيان الأهرامات ومراحل نموه ثم تراجعه بأطوار الدول لدى ابن خلدون.
من الأسباب التي أدت إلى جهلنا بطريقة بناء الأهرامات، أن الوثائق المصرية القديمة سواء النقوش الجدارية أو البردي التي عثر عليها، لا تذكر أي شيء عن طريقة بناء الأهرامات. إلا أننا لو أمعنا النظر وأعملنا العقل لاستطعنا أن نتوقع ما كانوا يفعلون لبناء هذه الأبنية الضخمة، وبمساعدة الدراسات الحديثة الدقيقة لطرق البناء، نرى أن تشييد مجموعة هرمية كان يمر بعدة مراحل متتابعة وهي كما يلي:
المرحلة الأولى:
تقتصر هذه المرحلة على اختيار موقع الهرم المراد بناؤه، ولم يكن بالمسألة السهلة، حيث يجب مراعاة عدة اعتبارات في المكان المختار، فيفضل أن يكون على الضفة الغربية للنيل، حيث تغرب الشمس، وحيث توجد مملكة الموتى، كذلك يجب أن يكون هذا المكان مرتفعاً عن مستوى مياه النيل، وأن يكون قريباً من الضفة الغربية للنيل، وذلك لأن الكثير من الأحجار كانت تأتي من المحاجر بواسطة السفن، ولهذا يجب مراعاة سهولة نقلها بعد ذلك من على ظهر هذه السفن الراسية على ضفة النيل إلى موقع البناء، من الأمور المهمة كذلك في اختيار مكان بناء هرم أن تخلو الأرض الصخرية من أي عيب أو احتمال للتصدع، وأن يكون المكان مسطحاً يسهل البناء فوقه.
وكذلك يجب أن يكون الموقع المختار ذا مساحة كبيرة حتى تستوعب الهرم والمباني الملحقة به، وحتى يتسع كذلك لمقابر أفراد الأسرة المالكة ولأي توسعات لاحقة، ويعتقد البعض أنه يجب أن يكون الموقع قريباً من القصر الملكي، حتى يتسنى للملك الإشراف على أعمال البناء.
وعند نجاح مهندسي الملك في اختيار موقع تتوافر فيه كل الشروط السابقة، تنتهي هذه المرحلة وتبدأ مرحلة جديدة.
المرحلة الثانية: تنظيف موقع البناء
وفيها يتم تنظيف الموقع الذي تم اختياره، وذلك برفع كل الرمال والحصى حتى تظهر الأرضية الصخرية، والتي ستكون أساس الهرم، بعد أن تسوى هي نفسها من النتوءات الصخرية الموجودة بها، ولم يكن من السهل تسوية سطح الموقع كله، ولذلك كان من الممكن أن يتركوا بعض النتوءات الصخرية لتصبح جزءاً من البناء نفسه.
المرحلة الثالثة: تحديد القاعدة
وفيها يتم تحديد المربع الذي سيصبح قاعدة للهرم، ويجب مراعاة أن تكون الأضلاع الأربعة للمربع مواجهة للجهات الأربع الأصلية، ولإنجاز مثل هذا العمل كان عليهم أولاً تحديد اتجاه الشمال بدقة شديدة، وحتى يمكن ضبط اتجاهات الهرم الأربعة، كان يشيّد حائط دائري في وسط الموقع، وتسطح قمة الحائط بشكل مستوٍ، مما يصنع خط أفق صحيحا، وذات مساء يقف راهب في مركز هذه الدائرة قبل ظهور أول نجم في الشرق، ويرسم خطاً مستقيماً من هذه النقطة إلى مركز الدائرة، ثم يراقب الكاهن القوس الذي يرسمه هذا النجم في حركته في السماء، وفي اللحظة التي يختفي فيها النجم خلف الحائط في الغرب، يحدد موقعه الجديد، ويرسم خطاً ثانياً من هذه النقطة إلى مركز الدائرة، ومن حيث إن النجوم تبدو كأنها تدور حول القطب الشمالي، فإن الكهنة كانوا يعرفون أن خطاً ثالثاً يبدأ من مركز الدائرة ويقع على مسافة متساوية من الخطين السابقين سيحدد الشمال بدقة، ويقوم المتخصصون في المساحة بعد ذلك بتحديد موقع مربع قاعدة الهرم بدقة، وأثناء ذلك تقدم القرابين للمعبودات، لكي تبارك بناء المجموعة الهرمية، ويجري تحديد لزوايا الهرم الأربع، وبانتهاء هذا العمل تنتهي المرحلة الثالثة، وهي آخر المراحل التمهيدية لبناء المجموعة الهرمية.
المرحلة الرابعة: ممرات حجرات الدفن
وهي أولى المراحل العملية لبناء الهرم، وفيها يجري العمل لإنجاز الممر المؤدي إلى حجرة الدفن، وذلك بقطع الجزء الموجود تحت مستوى سطح الأرض من الهرم، حيث يقوم عدد من العمال بحفر ممر في الصخر مستخدمين كرات من حجر الديوريت الصلب لكسر الصخر، ويتبعهم عمال مهرة يستخدمون الأزاميل لتسوية الجدران الأربعة لهذا الممر الذي يهبط بانحدار خفيف، وعندما يصل هذا الممر إلى عمق معين يستمر أفقياً، وفي نهايته يجري قطع حجرة في الصخر التي ستصبح حجرة الدفن حيث يوضع فيها التابوت الذي سيحفظ جسد الفرعون، وكان العمل في قطع هذه الحجرة يبدأ من أعلاها، وفي ما بعد كانت تغطى بسقف من كتل الجرانيت الصلب، ولكن كان من الضروري وضع التابوت داخل حجرة الدفن قبل بناء سقفها، حيث إن التابوت كان أكبر من أن يمر في ممر الدخول، وفي جدار هذا الممر كان يجري إعداد تجويفات كبيرة لكي تستقبل أبواباً سميكة ولاصقة من الجرانيت لكي تغلق حجرة الدفن إغلاقاً محكماً بعد دفن الملك.
وأثناء عمليات حفر الممر وحجرة الدفن، كانت هناك مجموعات متفرقة من العمال تقوم بأعمال أخرى مختلفة، فهناك مجموعة من الكتبة يعدون قائمة الأحجار اللازمة للعمل، محددين عددها والمقاس المطلوب لكل واحد منها وترسل نسخ من هذه القائمة إلى المحاجر، ويصدر الأمر ببدء العمل.
وهناك عمال المحاجر ومهمتهم قطع الأحجار اللازمة لبناء أجزاء المجموعة الهرمية المختلفة، وكان الحجر الجيري هو المادة المستخدمة بشكل رئيسي في بناء الهرم، وكان هذا الحجر يتم استخراجه من بعض المحاجر المحلية الموجودة قرب موقع بناء الهرم، أما الحجر الجيري الجيد والأكثر نعومة، والذي كان يستخدم في عمل الكسوة الخارجية للبناء، فكان يقطع من محاجر طرة في جبل المقطم على الجانب الآخر من النهر، وأثناء الفيضان كان اتساع النهر يسمح بنقل الكتل الحجرية الثقيلة بالمراكب على طول المسافة تقريباً.
هذا بالنسبة للحجر الجيري، ولكن هناك كذلك مجموعة أخرى من الأحجار كانت تستخدم داخل المجموعة الهرمية ولها محاجرها الخاصة وعمالها المدربون على هذه النوعية من الأحجار، مثال ذلك أحجار الديوريت، وكانت محاجرها عند منف على الضفة الغربية من النيل، أحجار الجرانيت ومحاجرها عند أسوان، أحجار البازلت ومحاجرها في منف وكذلك في أسوان، أحجار الألباستر ومحاجرها عند طرة وفي منطقة حتنوب في مصر الوسطى على الضفة الشرقية للنيل.
وهناك مجموعة أخرى من الأحجار من المحاجر المليئة بالعمال المستعدين لقطع كل ما يطلب منهم من أحجار أياً كان نوعها، وإرسالها عبر النهر في موسم الفيضان، وذلك باستخدام السفن الكبيرة المعدة خصيصاً لمثل هذه الأعمال الشاقة، ثم بعد ذلك تخزن هذه الأحجار على الشاطئ في أقرب مكان من موقع البناء، ثم يعهد بها بعد ذلك إلى فريق من العمال مهمتهم نقلها، فيقوم هؤلاء العمال بدحرجتها مستعينين بالحبال وبعروق خشبية كروافع حتى يصلوا بها إلى هذه الزلاقة التي تنزلق فوق مجموعة من الإسطوانات الخشبية المتراصة بشكل متوازٍ، ثم تشد هذه الزلاقة بواسطة مجموعة من الرجال الأقوياء حتى مكان البناء، وكان كل حجر يحمل علامة باسم الفريق المكلف بنقله، وعندما يصل إلى مكانه في موقع البناء يشطب من القائمة وأثناء هذه الأعمال كانت تقدم القرابين، وتحرق البخور رغبة في إرضاء المعبودات، عسى أن تكلل أعمالهم بالنجاح.
المرحلة الخامسة: بناء الجزء العلوي من الهرم
انتهينا في المرحلة السابقة عند حفر الجزء السفلي من الهرم ووصول الأحجار من محاجرها إلى موقع العمل، وهنا تبدأ المرحلة الجديدة، وهي بناء الجزء العلوي من الهرم نفسه، وهنا كانت جوانب كل كتلة حجرية تسوى بالأزاميل، ويوضع على كل حجر رقم حسب الترتيب الذي سيوضع فيه في ما بعد، ذلك أن كل حجر يشد لكي ينزلق فوق عروق خشب أسطوانية حتى يصل إلى موقع البناء، وعلى قاعدة كل كتلة حجرية وعلى أطرافها كانت توضع طبقة خفيفة من الملاط، وبعد ذلك يسحب العمال العروق الأسطوانية ويدفعون الحجر لكي ينزلق فوق الملاط الرطب إلى مكانه بالضبط، ثم يوضع صف من الحجارة الجيرية المقطوعة والمشذبة بعناية حول المسطح الذي سيوضع فيه أساس الهرم، ويلي هذا وضع كتل الكسوة الخارجية للمدماك الأول في مكانه، وكان العمل في المدماك الأول سهلاً، ولكن بناء باقي المداميك والتي قد يصل عددها إلى 120 مدماكاً ليس بالأمر الهين، وهنا وقف المتخصصون في علم الآثار وقفة الحائر المفكر في كيفية بناء الأجزاء المرتفعة من الهرم، وظهرت تبعاً لذلك مجموعة اقتراحات وآراء منها ما يقبله العقل ومنها ما يرفضه، ولكن أهم ما قيل من نظريات حول طريقة بناء الأهرامات، هو ما ذكره هيرودوت في كتابه عن مصر، وقد استقى هيرودوت معلوماته من أحد الكهنة المصريين، ويعتبر كلام هيرودوت عن بناء الهرم أقدم ما قيل عن هذا الموضوع، ومما قاله عن طريقة بناء الهرم – الهرم الأكبر خصيصاً – ما يلي:
«وهكذا أنشأ الهرم نفسه على أسلوب المدرجات التي يسميها البعض نمط الحوائط، ويسميها آخرون نمط المذابح.
إذ كانوا بعد أن يشيد بهذا الأسلوب يرفعون بقية الحجارة بآلات مصنوعة من قطع قصيرة من خشب، فيرفعون كلاً منها أولاً من الأرض إلى المدماك الأول من المدرجات، فإذا بلغ الحجر ذلك وضع على آلة ثابتة تستقر على المدماك الأول، وهكذا إلى آلة أخرى.
إذ كان هناك من الآلات بمقدار ما هناك من صفوف المدرجات، وكانوا يرفعون الحجارة بأنفسهم من درجة إلى درجة إذا لم تسعفهم الآلات الرافعة، إذ يجب أن أسرد كلاً من الروايتين ما دامتا قد رويتا، ومهما يكن من شيء فقد كانت الأجزاء العليا تستكمل أولاً ثم يكملون الأجزاء التالية لتلك، في النهاية، ثم يكملون آخر الأمر الأجزاء القريبة من الأرض وأوطأها جميعاً».
نظريات وتوضيحات
ويتشكك الكثير من علماء الآثار في مدى مصداقية هذه النظرية، إذ يرون أن افتراض صحة هذه النظرية يتطلب وقتاً كبيراً جداً، إذا كان المستخدم آلة خشبية واحدة، أو يتطلب كمية خشب عظيمة جداً لصنع عدد ضخم من الآلات الخشبية تكفي لتشييد مساحة من خمسة أفدنة، هي المساحة على كل واجهة من واجهات الهرم الأكبر مثلاً وإلى ارتفاع 140م، وذلك يتجاوز حدود العقل، ورغم ذلك فإن بعض العلماء المحدثين ومنهم المهندس الأمريكي أولاف تيليفسن، ينظرون إلى هذا التفسير نظرة جدية، وحاولوا أن يضعوا إيضاحات عن نوع الآلة ومقاييسها، وكيفية استخدامها.
ومن النظريات المهمة التي توضح كيفية بناء الأهرامات، تلك النظرية التي ذكرها المؤرخ القديم ديودور الصقلي، وهي طريقة الجسور أو الطرق الصاعدة، ويرى كثير من علماء الآثار المحدثين أن هذه الطريقة هي أقرب الطرق للعقل ومنهم إدوارد I.E.S edwards، د.أحمد فخري، سومرز كلاركSomers Clarke، ر. إنجلباخ R.Engelbach د.زاهي حواس.
وتشرح هذه النظرية طريقة البناء موضحة أن المصريين القدماء كانوا يبنون طريقاً متدرج الارتفاع مستخدمين الحصى المخلوط بالطين، وكان لهذا الجسر الصاعد جدران من اللبن حتى يثبت هذا الحصى المخلوط في مكانه، ويتصاعد هذا الطريق مع ارتفاع الهرم حتى يصل ارتفاعه في النهاية إلى مستوى قمة الهرم نفسها، ويلزم في نفس الوقت أن يمتد هذا الطريق من حيث الطول حتى تظل زاوية انحداره واحدة، وكان يعزز هذا الممر الصاعد بعروق من الخشب تقلل من احتكاك وضجيج قوائم النقالة الخشبية، التي تستخدم في نقل كتل الأحجار، وبعد انتهاء بناء الهرم يزيلون هذا الطريق.
وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن طريقة البناء بالطرق الصاعدة، كانت مستخدمة بالفعل في مصر القديمة، وأكد ذلك وجود مثال لهذا الطريق ملاصق للصرح الأول، الذي لم يكتمل بناؤه في معبد الكرنك، ومثال آخر واضح تماماً هو هرم الملك «سخم - خت» خليفة زوسر في سقارة، حيث ثبت أن هذا الهرم بني بواسطة الطرق الصاعدة، والتي مازالت باقية حتى الآن، حيث إن العمل أوقف في هذا الهرم قبل أن يتم نقل الأحجار.
وبناء على هذا نستطيع أن نسلّم بأنه لم يبق أي هرم من الأهرامات المصرية من غير إقامة الطرق الصاعدة.
ولكن، كيف كان بناة الأهرامات يرتبون وينظمون هذه الطرق الصاعدة؟
وهل كان هناك طريق صاعد واحد أم أكثر من طريق صاعد؟
وقد اجتهد كثير من المشتغلين بالآثار من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، وظهرت لذلك مجموعة آراء حول عدد وتنظيم هذه الطرق، ومنها رأي يقول إن المصريين القدماء كانوا يبنون جسراً رئيسياً واحداً بعرض واجهة واحدة من الهرم، وهذا الجسر أو الطريق الصاعد كانوا ينقلون عليه الأحجار الثقيلة، أما الجوانب الثلاثة الأخرى فكانت لها جسور أكثر ضيقاً وانحداراً، وكانت مخصصة لتنقل العمال والمؤن ومواد البناء الخفيفة.
وهناك رأي آخر يرى أنه كانت هناك مجموعة كبيرة من الطرق الصاعدة، قد تصل إلى 16 طريقاً أو 4 طرق على كل واجهة من واجهات الهرم الأربع.
ورأي ثالث يرى أصحابه أنه كان هناك طريق واحد صاعد، يبدأ عند إحدى زوايا الهرم، ثم يأخذ بالدوران حول واجهات الهرم الأربع، ومع كل دورة يرتفع إلى مستوى جديد في البناء.
وهناك آراء أخرى حول هذه النقطة، ولكن على كل حال تبقى نظرية الطرق الصاعدة هي أقرب نظريات بناء الهرم للعقل والواقع.
المرحلة السادسة: إزالة السقالات الحجرية
وهي آخر مراحل بناء الهرم، وفيها يتم إزالة الطرق الصاعدة التي استخدمت في نقل الأحجار أثناء عملية البناء، وفي الوقت نفسه يقوم مجموعة من العمال بصقل أحجار الكساء الخارجي والتي وضعت في أماكنها عند إقامتهم البناء، ولكنهم الآن يقومون فقط بصقل سطحها صقلاً دقيقاً باستخدام السقالات التي ترتكز على هذه الطرق الصاعدة.
وربما كانت أحجار الكساء الخارجي تطلى بلون معين أو تزخرف بنقوش وكتابات هيروغليفية، وربما كانت تحلى في بعض أجزائها بقطع من الذهب والأحجار الكريمة، وذلك حتى يبدو الهرم في النهاية وكأنه قطعة فنية هائلة الحجم تناسب عصر كل ملك وقدرته على البناء.
بُناة الأهرامات
أثارت الأهرامات المصرية اللغز والحيرة عبر التاريخ، كيف بنيت هذه الأهرامات؟ إنها الأعجوبة الوحيدة الباقية من عجائب العالم القديم السبع.
ولذلك ظهرت نظريات عديدة حول الأهرامات، إحداها تدّعي فضل بناء هذه الأهرامات إلى اليهود، وأخرى تقول إن هناك صلة بين قارة أطلنطس المفقودة وبين الأهرامات، وثالثة تذهب إلى السماء، وتقول إن بناة الأهرامات قوم أتوا من الفضاء الخارجي، وكأن كل العالم يريد أن ينزع ملكية الأهرامات عن المصريين سواء المصريين القدماء أو المصريين المحدثين.
ولكن لسوء حظ هؤلاء المدعين، فقد أظهرت أعمال الحفائر والكشوف الحديثة بمنطقة الجيزة ما يؤكد وبلا شك أو جدال، أن المصري القديم هو صاحب هذا الإبداع المعماري العظيم، وأنه هو المهندس، وهو المشيد، وهو العامل الذي أبدع الأهرامات المصرية.
ولكن قبل هذه الكشوف، دارت في عقول علماء الآثار مجموعة من الأسئلة حول الأهرامات، حيث إن المؤرخ الإغريقي هيرودوت عندما قام بزيارة مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، أخبره الكهنة المصريون حسب قوله إن 100.000 عامل قد كدحوا لمدة 20 عاماً لبناء الهرم الأكبر «هرم خوفو»، ولكن التقديرات الحديثة، ترجح رقم 20.000 عامل فقط هم الذين شاركوا في بناء هرم خوفو، وهذا العدد يقترب من عدد سكان كبرى المدن في الشرق الأدنى خلال عصر الملك خوفو.
ولذلك فلابد أنه كانت هناك بالجيزة ترتيبات هائلة لمدة لا تقل عن 67 عاماً، وهي مجموع الحد الأدنى لطول كل من فترة حكم «خوفو وخفرع ومنكاورع»، ونظام كهذا كان سيتطلب الإمدادات الغذائية والإنتاجية وخامات البناء، مثل الأحجار والأخشاب والمعادن وترتيبات أخرى لتخزين الطعام والوقود والإمدادات الأخرى.
وكذلك تسكين العمال وعائلاتهم والكهنة المسئولين عن الخدمة في المعابد التي استمرت مستخدمة حتى بعد انتهاء مرحلة البناء، وكذلك جبانة للعمال الذين يموتون أثناء العمل في بناء المجموعة الهرمية، ولذلك فقد تساءل العلماء عن أن هذه المجاميع من المشاركين في بناء الأهرامات، لا يمكن أن يكونوا قد اختفوا دون أن يتركوا أي أثر.
وقد أكدت النقوش التي عثر عليها في منطقة الأهرامات، أن البناة المشاركين في بناء الهرم، ربما كانوا يعملون على مدار العام في موقع بناء الهرم، وقد كان المزارعون القادمون من القرى يتناوبون على القوة العاملة الأساسية، وذلك على شكل جماعات لها أسماء خاصة بها، مثل جماعة «أصدقاء خوفو»، أو جماعة «ندماء منكاورع»، وقد قسمت كل جماعة إلى مجموعات ذات أسماء مختلفة، كل ذلك يؤكد أن بناء الأهرامات كان يعتبر مشروعاً اجتماعياً كبيراً في مصر القديمة، ولكن أين ذهبت آثار هذا المشروع الضخم، وخاصة آثار المشاركين فيه من العمال والحرفيين المهرة ؟
يعود السبب في اختفاء آثار العمال المشاركين في بناء الأهرامات، إلى أنها لم تحظ باهتمام علماء الآثار وبعثات الحفائر، حيث انصب اهتمامهم كله على الأهرامات نفسها، وظلت المناطق السكنية ومقابر العمال من أقل المجالات عرضة للبحث في دراسة مصر القديمة.
وأدى التأخير في الكشف عن هذه الآثار المهمة إلى ظهور النظريات المختلفة حول بناء الأهرامات، ولكن بالعثور على كشفين مهمين في منطقة الأهرامات، تغيرت طريقة دراسة الأهرامات المصرية، حيث أصبح يدرس معها مساكن العمال الذين بنوها، وكذلك الجبانة الخاصة بهؤلاء العمال الذين اجتهدوا في بناء بيت الآخرة لمليكهم المقدس.

تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمعلمين والأهالي
حكايات معبرة وقصص للأطفال


 للمزيد
أيضًا وأيضًا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق