الثلاثاء، 28 أبريل 2020

• الكتاب الإلكتروني يغيّر وجه القراءة


الكتاب الإلكتروني هل أصبح يشكّل تهديداً للكلمة المطبوعة؟، وهل يمكن أن يقضي عليها؟
الثورة التي أحدثها جوتنبرج في مجال الكلمة المطبوعة باختراعه للحروف المعدنية المنفصلة كانت النواة والركيزة الأساسية لتطور عملية الطباعة وتقدمها فيما بعد حتى وقتنا هذا.

 والآن ونحن على مشارف الألفية الثالثة، تفاجئنا التكنولوجيا بمنتج جديد وإن بدا في أولى مراحله، إلا أنه يمثل تحديّاً قوياً للكلمة المطبوعة ألا وهـو الكتـاب الإلكتروني - هذا المنتج صغير الحجـم سيغـير بلا أدنى شـك وجه القراءة، وإن تباينت حوله الآراء في الوقت الحالي.
سبق أن أطلق البعض على وسائل التكنولوجيا الحديثة وما تنطوي عليه من إمكانات هائلة تستطيع من نفسها تغيير خارطة العالم، إنها النمل الأبيض الذي يلتهم هويتنا، ولكن كما هو الحال في عملية العولمة بسلبياتها وإيجابياتها، كذلك هو الحال في استخدام التكنولوجيا، فالأمر في الثانية يعتمد ببساطة شديدة على ركيزتين أساسيتين، الأولى تعزيز وترسيخ القيم والمبادئ الدينية بداخلنا، أما الأمر الثاني فهو خلق وتنمية الوعي الذاتي لدى الفرد لكي يتغير الاتجاه الذي يريد الإبحار فيه.
سهولة الاتصال
لن أوغل في التحدث عن فوائد وأضرار الإنترنت، فلقد تناولها الكثيرون بالنقد والتحليل، فكل ما أود الحديث عنه في مقالي عن الكتاب الإلكتروني والوثائق الرقمية كما يسمّيها البعض التي تشهد إقبالاً واضحاً ومتزايداً من الشركات والأفراد على حد السواء لما لها من خصائص وميزات عدة، فهي سهلة الانتقال، إذ بوسعك أن تنقل المعلومات فورياً، وأن تسترجعها في دقائق أو ثوان محدودة، هذا إضافة لكونها تتيح لك تغيير أي جملة أو عبارة لا تريدها دون الحاجة لتغيير الصفحة كما هو الحال في الوثائق الورقية، ومن ثم فإن إعادة بناء الصفحة يتم بسهولة بالغة، فالوثائق الرقمية بشكل عام أصبحت غير مكلفة وغير مقيّدة، ونقلها إلى أي مكان يتم بسهولة وبسرعة على العكس من الورق تماماً.
منذ سنوات ليست بعيدة، هاجم الكثيرون وسائل التكنولوجيا مثل الفاكس والبريد الإلكتروني بحجة أنها أداة باردة لتوصيل المشاعر والأحاسيس، فهم يفضّلون تسلم رسالة مكتوبة بخط اليد عن رسالة بالفاكس، لأن ذلك يفقدها دفئها وحميميتها، وللتغلب على مثل هذه المبررات، قام العلماء بتوفير البريد الإلكتروني الصوتي الذي يستطيع المرسل من خلاله إرسال رسالة بصوته، كما يستطيع رؤيته من خلال كاميرا الكمبيوتر. وأذكر أني قرأت منذ سنتين مقالاً عن شخص حبس نفسه داخل غرفة ومعه ما يكفيه من طعام وشراب لمدة ثلاثة أيام، وانقطع عن العالم الخارجي تماماً وبصحبته جهاز الكمبيوتر الخاص به والمتصل بشبكة الإنترنت، وخرج من غرفته بعد الموعد المحدد ليجتمع مع أهله وأصدقائه ويناقشهم في أهم الأحداث التي جرت في العالم وكأنه كان معهم مثبتاً لهم أن الإنترنت بساط سحري يحملك إلى العالم، ويأتي به بين يديك في أقل من دقائق، هذا ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد اشترك في عدة نقاشات ومؤتمرات، وتحدث مع أصدقائه عبر برامج الشات (المحادثة).
في حقيقة الأمر، شئنا أم أبينا، الطريق المعلوماتي طريق سريع جداً، ولن نستطيع تجاهله ولا الوقوف أمامه، ومن ثم يجب التعامل معه بمنظور واقعي ومستقبلي، فلو أخذنا الكتب الإلكترونية على سبيل المثال، لوجدناها مقارنة بالكتب المطبوعة سهلة الحمل، وأصبحت كالتليفونات المتنقلة صغيرة الحجم، سهلة الاستخدام، تناسب فئات العمر المختلفة، الأمر الذي جعلها تمثّل تحدّياً لا يُستهان به على الإطلاق لشكل الكتاب المتعارف عليه منذ زمن بعيد، ولأكثر من 1500 سنة، ولكن السؤال اللحوح هنا - ما هي آليات عمل مثل هذه الكتب وأسعارها، وهل هي متوافرة بشكل واسع في السوق أم لا؟
أنواع إلكترونية
لقد تم طرح أنواع معدودة من الكتب الإلكترونية في السوق مثل rocket e-book  وهو بحجم الكتاب ذي الغلاف الورقي الصغير ويبلغ ثمنه 500 دولار، وتبلغ سعته التخزينية 4000 صفحة من الكلمات أو الصور، وهذا الكم يعادل 10 روايات، ويزن 22 أوقية تحمله أينما تذهب في الطائرة أو على الشاطئ أو في السيارة، وهناك أيضاً soft e-book الذي تبلغ سعته التخزينية ما يعادل ستة روايات، بالإضافة للتقرير السنوي للشركة التي تعمل بها، ويبلغ ثمنه 300 دولار بالإضافة إلى مبلغ 10 دولارات نظير تقديم بعض الخدمات الأخرى.
إذا قمت بشراء أي من هذه الكتب الإلكترونية، فالخطوة التالية هي تحميل الكتب المرادة من على موقع أي من الشركات المهتمة مثل شركة بارنز - الأمازون - الروكيت بوك، تتم عملية التحميل بسرعة كبيرة تصل إلى 100 ورقة في الدقيقة الواحدة وبأسعار تتراوح ما بين خمسة وخمسة وعشرين دولاراً للكتاب، وإن كانت الشركات تتنافس في خفض أسعارها رغبة في ازدياد الإقبال عليها - وفور أن تتم عملية التحميل، يستطيع الشخص تصفّح الكتاب وفهرسته واسترجاعه بالاستعراض، كما يمكنه تقليب الصفحات إما بإصبعه أو بأوامر صوتية، ومن ثم يصبح تحميل أي وثيقة على الشبكة متاحاً عن طريق هذا الجهاز - وشهدت السنة الماضية اتفاقيات عدة بين الشركات المختصة لتوفير أكبر عدد ممكن من النصوص والكتب على الشبكة.
ولأن هذه التقنية مازالت في أول عهدها، فهناك بعض المآخذ عليه، فيرى مستخدمو الـ Soft e-book أنه خلال عملية القراءة تستطيع رؤية ظلال وجهك خصوصاً أثناء قراءته في ضوء الشمس، كما أن الكتاب يعكس خيالات الصفحة السابقة، هذا بالنسبة إلى السوفت بوك، أما الـ rocket e-book فيستخدم تقنية الـ Transactive screen للتغلب على هذه المشكلة - كما أن البطارية يجب أن يعاد شحنها في كتاب السوفت بوك بعد 5 ساعات من الاستخدام، أما في الروكيت بوك، فيعاد شحنها كل 20 ساعة، هذا بالإضافة إلى أنه يمكن التحكم في حجم المادة المعروضة على الشاشة وبعضها مزوّد بوحدات فلورسنت للمساعدة على القراءة ليلاً. هذا وتعد كل من الشركات المختصة بتوفير العديد من الكتب والقصص والمجلات والدوريات المتخصصة للقرّاء، ولكن لم تستطع أي منها تقديم قائمة محددة بما ستقدمه، وتجدر الإشارة إلى أن كل ما قدمته هذه الشركات لايزال محدوداً جداً، وكلها نتاج فكري حديث، فمعظم الكتب القديمة غير متوافرة، لذا فإن أيّ باحث راغب في الاطلاع على كتب التراث أو ما شابه، لن تمثل له الكتب الإلكترونية أيّ عون، كما أن معظم الكتب التي تعرض على الإنترنت هي كتب انتهت حقوق طباعتها.
هذا بالنسبة لسلبيات الكتاب الإلكتروني - والآن دعونا نستعرض إيجابيات هذا المنتج التقني الجديد، إضافة إلى ما يتمتع به من مزايا من خفة وسهولة تنقله وتخزين العديد من المؤلفات واستعراضها كما سبق وقلنا، فإن الكتاب الإلكتروني يوفر عليك عناء البحث في المكتبات عمّا تريده، ويضمن عدم نفاد الكتب كما هو الحال في المكتبات ودور النشر، فهي موجودة دائماً تحت الطلب على الإنترنت، ويستطيع الفرد تحصيله في أي وقت، وفي القريب العاجل ستعمل الشركات جاهدة لتوفير الكتب الجامعية الإلكترونية خلال السنوات الثلاث القادمة، وعندئذ سيقبل الطلاب على شرائها لأنهم بذلك يستطيعون الحصول على كتب الفصل الدراسي كاملة وبسهولة، وفي الوقت نفسه ستتاح لهم فرصة البحث والاطلاع على الموضوعات التي تهمهم، وعندما يتحقق ذلك، فإن نظم المعلومات ستحقق كسباً قوياً.
ومن المتوقع أن تهز الكتب الإلكترونية وبعنف قيمة الكتاب المطبوع، وتغير من طرق الطباعة ووسائل البيع، وستخلق أسواقاً جديدة في مختلف المجالات، كما أنها ستغير من مفهوم الكتاب ذاته، لأن نسخة واحدة من الكتاب كافية للوصول إلى الملايين، ولا حاجة لنسخها مثلما هو الحال في شرائط الفيديو، وستكون للوثائق الأكثر شعبية نسخ موجودة على الموادم من أجل التحديث الدائم، وبسعر زهيد، مقارنة بأي كتاب ورقي تستطيع شراءه خصوصاً أنك عندما تقوم بشراء كتاب ورقي فإن نسبة غير قليلة من الثمن تئول مقابل إنتاج الكتاب وتوزيعه، وليس مقابل جهد المؤلف.
وفي النهاية، هل ستستطيع الكتب الإلكترونية تغيير عادات الناس الذين اعتادوا على قراءة المواد المطبوعة؟ بالنسبة لكبار السن، فقد أكّدوا أن ذلك مستحيل، ولسوف تظل مكتباتهم وما تحويه من روائع مصدر فخر واعتزاز لهم في الوقت الذي يحمل فيه شاب كتاباً إلكترونياً واحداً يحوي أكثر مما تحمله أرفف كاملة في مكتبة أي شخص آخر.
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق