الثقافة العامة: • ضغط الأقران كيف نحوله من خطر إلى فرصة

الاثنين، 21 أبريل 2025

• ضغط الأقران كيف نحوله من خطر إلى فرصة

ضغط الأقران: كيف يؤثر على حياة الأطفال والمراهقين

يُولد الإنسان بطبيعته كائنًا اجتماعيًا، يتأثر بمن حوله منذ لحظة ولادته. فالسلوك الإنساني لا يتكوّن في فراغ، بل يتشكل من خلال تفاعلات متعددة داخل بيئات اجتماعية تبدأ بالأسرة وتمتد إلى الأصدقاء، المدرسة، والحيّ.

من بين هذه المؤثرات، يبرز دور "مجتمع الأقران" بوصفه عنصرًا حاسمًا في تشكيل السلوك والقيم والانفعالات، وخصوصًا في مرحلتي الطفولة والمراهقة. في هذه الفترات الحساسة من النمو، يتحول الأقران إلى مرآة يرى الفرد من خلالها ذاته، وإلى منبر يعبّر فيه عن مشاعره ويختبر فيه قوته أو ضعفه. وقد يكون هذا المجتمع محفزًا للنمو المعرفي والاجتماعي والانفعالي، وقد يشكّل في حالات أخرى بوابة للانحراف والتمرد على القيم الأسرية والمجتمعية.

مصطلح ضغط الأقران يُشير إلى التأثير الذي تمارسه مجموعة من الأفراد المتقاربين في العمر أو الاهتمامات على أحد أفرادها بهدف دفعه إلى تبني سلوك معين أو اتخاذ قرار ما. هذا الضغط قد يكون إيجابيًا، كأن يشجع الأقران أحدهم على الدراسة أو التفوق، أو سلبيًا، كأن يحفزوه على تجربة سلوك خاطئ كالتدخين أو التنمر. في بعض الأحيان يكون هذا الضغط مباشرًا وصريحًا، وفي أحيان أخرى يكون ضمنيًا، إذ يشعر الفرد بالحاجة إلى التماهي مع الجماعة لكسب رضاها وعدم نبذه.

من المهم التفريق بين "التأثير" و"الضغط"، فبينما يُعد التأثير طبيعيًا وقد يحدث بشكل عفوي نتيجة التفاعل المستمر، فإن الضغط يتضمن عادة نوعًا من الإلحاح أو الإجبار غير المعلن، ويضع الفرد في موقف صعب يجبره أحيانًا على اتخاذ قرارات تتعارض مع قناعاته الشخصية.

منذ سنّ الثالثة تقريبًا يبدأ الطفل بالانخراط في علاقات اجتماعية تُعرف بـ"جماعة اللعب"، وهي جماعات تركز على المرح والتجربة، وتُعد الأساس لتعلم التفاعل والمشاركة. ومع تقدم الطفل في العمر، تنتقل هذه العلاقات إلى مرحلة "جماعة اللعبة" التي تتسم بتنظيم أكبر وبداية تشكل الأدوار الاجتماعية. لاحقًا، وفي مرحلة ما بعد سن الثانية عشرة، تتكوّن "الشلة" أو مجموعة الأصدقاء المقربين، وهنا يبدأ تأثير الأقران في الازدياد، إذ يشعر المراهق بانجذاب قوي نحو جماعته ويسعى لنيل القبول والاعتراف منها. في بعض الحالات، قد تتطور هذه الجماعات إلى ما يُعرف بـ"العصابات"، وهي جماعات ذات تنظيم داخلي وقواعد صارمة وقد تحمل سلوكيات منحرفة، بينما في مراحل لاحقة أكثر نضجًا، ينخرط الفرد في "جماعة النادي" التي تتيح له بيئة آمنة لتفريغ طاقاته وتطوير مهاراته بشكل بنّاء.

عند الحديث عن التأثيرات الإيجابية لمجتمع الأقران، نجد أنه إذا تم توجيه هذه الجماعة بشكل سليم، فإن لها القدرة على تعزيز النمو في عدة مجالات. من الناحية المعرفية، يساهم الأقران في تبادل المعرفة وتحفيز دافعية التعلم من خلال المنافسة المشروعة، كما يتعلم الفرد من خلال القدوة والملاحظة. اجتماعيًا، يتطور لدى الفرد الإحساس بالمسؤولية والتعاون، وتُعزّز لديه مهارات مثل تقبّل الآخر، الحوار، وحل النزاعات. أما على المستوى الانفعالي، فإن وجود أصدقاء موثوقين يُعد عامل أمان نفسي، إذ يساعد على التنفيس عن المشاعر، وتقديم الدعم في الأوقات الصعبة.

لكن التأثير لا يكون دائمًا إيجابيًا. فبعض الأفراد قد ينخرطون في سلوكيات خاطئة نتيجة ضغط أقرانهم، مثل التدخين أو الغش أو تقليد أنماط حياة منحرفة. كما أن الانتماء القوي للجماعة قد يدفع البعض إلى الانسلاخ عن منظومة القيم التي تربوا عليها، في سبيل الحصول على القبول داخل المجموعة. وتزداد خطورة هذا التأثير السلبي إذا ما ترافقت مع عوامل مثل ضعف الثقة بالنفس، غياب الرقابة الأبوية، وجود مشكلات أسرية، أو امتلاك الطفل قدرات اجتماعية ضعيفة لا تمكنه من اختيار أصدقائه بحكمة أو مقاومة التأثيرات السلبية.

مرحلة المراهقة تُعد الأرض الخصبة لتشكل ضغط الأقران. فالمراهق في هذه المرحلة يعيش صراعًا داخليًا بين رغبته في الاستقلال عن الأسرة، وسعيه لتحديد هويته والانتماء لمجموعة تمنحه الشعور بالأهمية. كما أن الفجوة التي قد تنشأ بينه وبين والديه تفتح المجال أمام الأقران ليملؤوا هذا الفراغ النفسي والعاطفي. لهذا السبب، نجد أن كثيرًا من المراهقين يبدؤون في تقليد أصدقائهم في اللباس، أسلوب الحديث، وحتى في المواقف الأخلاقية والقيم.

لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من اعتماد استراتيجيات وقائية وعلاجية على مستويين: الأسرة والمدرسة. على مستوى الأسرة، يجب تعزيز التواصل الفعّال مع الأبناء من خلال الحوار المفتوح غير القائم على التهديد أو الرفض. من المهم أن يتعرّف الأهل على أصدقاء أبنائهم، ليس بنية المراقبة، بل لبناء الثقة والتوجيه غير المباشر. كما أن النقد البنّاء والتقبّل غير المشروط يساعدان الأبناء على بناء مناعة نفسية ضد ضغط الجماعة، خاصة إذا ترافقت مع تعزيز الثقة بالنفس وتوفير بيئة آمنة عاطفيًا يشعر فيها الطفل أو المراهق بالقبول والحب.

أما على مستوى المدرسة، فيمكن من خلال برامج الإرشاد الجمعي توعية الطلبة بمخاطر ضغط الأقران، وتعليمهم كيفية اتخاذ قرارات مستقلة قائمة على القناعة لا على الرغبة في إرضاء الآخرين. كما أن تعزيز العمل التعاوني والأنشطة اللاصفية يتيح للطلبة فرصًا لبناء علاقات صحية ضمن بيئة منظمة. من الضروري أيضًا إشراك أولياء الأمور في هذه العملية من خلال ورشات تدريبية تساعدهم على فهم خصائص أبنائهم وكيفية التعامل معهم في هذه المرحلة الحساسة. والأهم من ذلك، أن تعتمد المدرسة فلسفة تربية واقعية تقوم على أن التعليم ليس فقط لنقل المعرفة، بل هو وسيلة لبناء الإنسان المتوازن نفسيًا واجتماعيًا.

في النهاية، يمكن القول إن ضغط الأقران ليس شرًا محضًا ولا خيرًا مطلقًا، بل هو ظاهرة طبيعية في سياق النمو الاجتماعي، تتوقف نتائجها على مدى وعي الفرد ودعم الأسرة وتوجيه المؤسسة التربوية. فإذا أحسنا التعامل مع هذه الظاهرة، يمكن أن نحولها من تهديد إلى فرصة، ومن عامل ضغط إلى دافع بناء يسهم في صناعة أجيال أكثر وعيًا وقدرة على اتخاذ قراراتهم باستقلالية وثقة.

المراجع

1. زهران، ح. ع. س. (2005). علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة (ط. 8). القاهرة: عالم الكتب.

2. نجاتي، م. ع. (2000). سيكولوجية الجماعة. القاهرة: دار الشروق.

3. حسن، ع. م. (1998). التنشئة الاجتماعية. القاهرة: دار الفكر العربي.

4. العيسوي، ع. ر. (2004). علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.

5. عبد الفادي، ع. ع. (2018). التعامل مع ضغط الأقران. القاهرة: CICc للنشر والتوزيع.