الخميس، 26 مارس 2020

• العسل المؤثر في القوة والمعالج للأمراض


لعب العسل أخطر الأدوار في حياتي، دعك من حياة باقي البشر الآن، فعندما حملوني هزيلا أصفر العيون إلى طبيب البندر، أشار الطبيب- بعد الكشف والتمحيص والتقليب وفتح الفم، وبعد أن أمرني مراراً باستنشاق عميق للهواء- إلى أن يهتموا بتغذيتي، وبصفة أولية، لابد من مراعاة تزويدي بالعسل قبل الأكل.

وكان العلاج- كما ترون- ميسوراً، وهو ما ارتاحت إلية أمي، ثم هو ما أدى بي إلى التفكير في الانتحار بعد ذلك بأسبوعين، عسل قبل الأكل وبعده وخلاله، وبين الوجبات- إن كان ثمة انضباط وجبات عندنا، فازدادت حالتي سوءاً، وبيتنا مفعم بالعسل، في "البلاص" الراسخ دائما في الحقول، ثم إن العسل- مع اللفت، والجبن الممصوص الخالص من أي دسم عناصر أساسية في الوجبات الريفية- في تلك الأيام وانتهى أمر هذه المرحلة المرتبطة بالعسل- أي بعد أن ساءت صحتي من جديد- وبعد أن أشار المختصون في القرية أنني بالتأكيد ممسوس بشيطان- أعوذ بالله_ قد يحتاج إخراجه من جسدي إلى عدة جولات دق الزار، كان جسدي قد ازداد نحولا وهزالاً، وعيوني اتسعت في صفراوية شريرة تؤكد ذلك، مما جعل الطبيب يعود لتقليب جسمي بين يديه، ويحاور أمي، ثم يصرخ: عسل أسود؟
كل الشريحة التي ننتمي إليها في صعيد مصر لم تكن تعرف من أنواع العسل سوى الأسود، وهو المستخرج من قصب السكر، حتى عندما طالعنا النص الكريم: "فيه شفاء للناس"، ثم قراءنا في المدرسة أن ثمة حشرات " يطلق عليها النحل" تنتج عسلاً، لم يطرأ في بال واحد منا أن ذلك ينسحب على عسل آخر غير عسل القصب، إذ إن منطقتنا كانت تخلو من النحل والعسل وعلومه ووسائل استخدامه، أما الآن فقد استعادت قريتنا توازنها وعرفت هذا النوع من العسل الأبيض، الذي يختفي باستعماله المرضى والراغبون في زيادة القوة البدنية، أو قوة التركيز في التفكير أو أي قوة مأمولة اخرى، ولذا فلم استغرب حين عرفت أن معجم السب بالألفاظ النابية قد احتوى على مصطلح جديد هو التشبيه بالشمع الأصفر، والذي يحمي العسل_ عسل النحل- كما يفعل الخفراء والخدم إزاء السادة وأصحاب السطوة.
ومع طرد هيمنة العسل الأسود على عقل الشريحة التي أنتمى إليها، بدأ عسل النحل يغزو حياتنا، ولا سيما بعد أن لجأنا إلى المدن، وإلى ثقافة المدن، مع أن بلادنا- في الصعيد- مركز الحضارات القديمة، والتي عرفت عسل النحل مبكرا (عندما بكى الإله رع، وسقطت الدموع من عيونه على الأرض فتحولت إلى نحلة، وصنعت النحلة قرص العسل لتشغل نفسها بأزهار كل نبات، وهكذا صنع الشمع)_ بالنص من معجم الحضارة المصرية القديمة الذي قام به عدد من علماء أوروبا، وترجمة المرحوم أمين سلامة- أما خارج هذا المعجم فإن العسل مع قطرات الليمون يساعد على الهضم ومعالجة الإمساك، ومع قليل من المستكة يطهر الجهاز الهضمي من أي اضطرابات، فإذا أضفت للعسل مسحوق الحشيش- بغية الوصول إلى أوج المتعة- فمن المحتمل أن تلقى بعد ذلك بساعات حتفك بشكل أكثر احتفالية من المتعة السابقة، فإذا كنت ذكياً فعليك استخدام العسل صافيا في بواكير قطفه- وهو ما يعرف بأول قطفه، ويكون أكثر صفاء من القطفة الثانية التي تميل إلى الاصفرار، أي دون أن تضيف إليه أي إضافات ، وعلى الريق صباحاً، حيث يقلل من الكوليسترول ويساعد على تنقية الدم، وينظم السيولة داخل جسدك، ويخفف من ضغط الدم، ويقلل من الإحساس بالإجهاد، كما أن العسل مع حبوب الحلبة سليمة أو مسحوقة- علاج معروف لاستكمال أو استعادة اللياقة الصحية للوالدات حديثاً، أما إذا كنت تود الانتقام من أعدائك فعليك أن تتذكر أن العسل أدى المهام القاسية في هذا الشأن- مع إضافة قليل من الزرنيخ، هي مسألة معروفة جيداً لدى النساء مهضومات الحق إزاء الرجال، وهناك احتمال أن يكون عدد من العشاق لاقى مصيراً مروعاً فور التفكير- في الخيانة- أو التحرر من حالة العشق ذاتها.
أما العسل الأسود، أي عسل القصب أو البنجر، فأمره يختلف تماماً، لقابليته السريعة في التحول إلى كحول، كما أن قدراته الغذائي- والعلاجية- تتوقف عند ارتفاع نسبة الحديد في جزيئاته، لكنه يظل بعيداً عن مجالات التأثير الخاصة بعسل النحل، والذي أدى اختلاطهما عندي- في سنوات عمري المبكر- إلى وقوعي في المأزق الذي كاد يودي بي، والذي لا يزال يطاردني كلما رأيت حقولاً للقصب، أو رسماً لنحلة قريبة من خلية يحميها الشمع.
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق