الأحد، 24 مايو 2020

• الرياضة والصحة وتحية لطبق القش


قش، الألياف التي تكوّن النسيج البنائي لما نلتهمه من خضراوات وفواكه وبذور وبقول هي في جوهرها قش، فالسيللوز المكوّن الأساس فيها هو ذاته المكوّن الأساس في كل أنواع القش. وعلى هامش هذا السيللوز نجد الليجنين الذي يظاهر ويدعم تكوين السيللوز. أما البكتين فهو العنصر الثالث من عناصر الألياف النباتية ونجده في الفواكه الطازجة.

فإذا نحينا جانباً المواد الغذائية والفيتامينات والمعادن التي تغتني بها الخضراوات والفواكه، يتبقى لدينا هذا القش، وهو بذاته أعجوبة خلق، وكنز صحي ندوس عليه ونحن نمشي كالعميان باتجاه العادات الغذائية العولمية في مطاعم (التيك أواي)، أو وراء صرعات الاكتفاء بالعصائر وحدها من كل تكوين الفواكه والخضراوات تحت الشعار الهستيري (جوس. جوس)!
ومن العجيب أن البشر المعاصرين، والعصريين للغاية، لا يقدّرون عظمة هذا الكنز الصحي، بينما تقدّره - بفطرتها - الخيول والطيور والغزلان والأرانب، البرية خاصة، لهذا تعيش بصحة - هذه التي نسمّيها عجماوات وسوائم - كامل معدلات أعمارها المقدورة، بينما يتخبّط البشر المعاصرون، والعصريون للغاية، في أنصاف وأرباع معدلات أعمارهم، ملبكين معوياً، ومثقلين بالشحم، أو مكتظين بالسكر، ثم يموتون ميتات عاصفة من جرّاء مضاعفات هذه الرزايا.
ليس افتئاتاً أن ابتعاد البشر عن عاداتهم الغذائية الفطرية والتي تثبت صحتها يوماً بعد يوم، قد تأتي بزيادة تأثير ما يسمّى بالثورة الصناعية، وخاصة بعد عمليات تقنين الطعام الذي كان من عواقب الحربين العالميتين الأولى ثم الثانية، فصارت الأولوية للخبز الأبيض الذي انتزعت منه ألياف النخالة، وابتعد الناس عن الخضراوات والفواكه، مع كثرة اللجوء إلى الأطعمة الدسمة وكثيرة السكر كالبسكويت والكيك والوجبات السريعة. ويعتقد كثير من المختصين أن ذلك سبّب زيادة الإصابة بأمراض الأمعاء وأمراض القلب في العصر الحديث، وصارت ملحوظة معاناة الإمساك والبواسير والسرطان، خاصة في الأجزاء العليا والسفلى من الأمعاء. وصار الناس أكثر سمنة، وارتفع لديهم السكّر وضغط الدم، وزادت الأعباء - القاتلة - على القلب.
الألياف... الألياف
أمام جوائح الأطعمة العصرية صار كثير من المتخصصين والمهتمين بالصحة - سواء كانوا أطباء عصريين أو معالجين تقليديين - يعتقدون أن العودة إلى وجبات غنية بالألياف يمكنها أن تكافح هجوم كثير من العلل الصحية المعاصرة.
والألياف هي أجزاء من الأطعمة النباتية (لا توجد في الأطعمة ذات المنشأ الحيواني)، تمر في أجسامنا دون أن تهضم أو تمتص وهي مكوّنة من جدر خلايا الفواكه والخضار والحبوب والبذور. وقد أضيفت إلى الألياف أنواع من السكريات العديدة اللانشوية والتي تتشابه مع الألياف في عملها، لكننا نفضّل العودة إلى التقسيم المستقر للألياف كنوعين: ألياف منحلة وألياف غير منحلة، مع الإشارة إلى أنه برغم غلبة أيّ من النوعين على النوع الآخر في أحد الأطعمة، يظل وجود خليط من النوعين هو الأرجح في كل الأطعمة النباتية.
الألياف غير المنحلة
وهي لا تنحل مع الماء داخل القناة الهضمية، لكنها تمتص منه كميات كبيرة وتحبسه داخلها فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ عليها ليّنة مما يسّهل ويسرّع حركة هذه الكتلة عبر القولون. ويعمل النوع القاسي من الألياف غير المنحلة على التنشيط المباشر للحركة الدودية أو الحويّة للأمعاء مما يدعم عملية التخلص من الفضلات.وتوجد الألياف غير المنحلة بكثرة في الحبوب الكاملة (غير المقشورة) والنخالة ويسود في تكوينها (السيللوز)، ومن ثم نعثر عليها في الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة، وحبوب الافطار، والأرز الأسمر، كما أنها توجد بنسب متفاوتة في الخضراوات والفواكه.
الألياف المنحلة
وهي - بما تحتوي عليه من صموغ (بكتينات) - تنحل مع الماء، فتكوّن هلامات لزجة تبطئ امتصاص المواد المغذية في الأطعمة، فتنظم انسياب هذه المواد في الدم وعلى رأسها السكريات. ومن ثم يعتقد أنها تساعد المرضى الذين يعانون من ارتفاع السكر في دمهم، حتى ليقال إن بعض مرضى السكر الذين يزيدون من نسبة الألياف - خاصة المنحلة - في طعامهم يمكنهم أن يقللوا من جرعة الأنسولين اليومية التي يتعاطونها.
والألياف المنحلة تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة فتساعد على خفض نسبته في الدم.
كما أن هلامات الألياف المنحلة تتخمّر بدرجات متفاوتة بواسطة بكتيريا القولون، مما يزيد من كتلة الفضلات، فيزيد تنشيط الأمعاء الغليظة، مما يدعم تسهيل وتسريع التخلص من الفضلات.
وتكثر الألياف المنحلة في الفواكه والبازلاء والعدس (غير المقشور) والفاصولياء.
كيف تفعل ذلك كله؟
ثمة تفسيران للعمل الكبير الذي تقوم به الألياف الموجودة فيما نتناوله من أطعمة نباتية، التفسير الأول يعزو هذا العمل للألياف بذاتها، والتفسير الثاني يضيف إلى ذلك الفيتامينات والمعادن وقلة السعرات الحرارية في هذه الأطعمة، ولو انتبهنا إلى التفسير الأول لوجدناه بالغ الأهمية إزاء معظم المشاكل الصحية المرصود تأثرها بهذه الأطعمة، على النحو التالي:
1)    القناة الهضمية:
يرجع الدور الوقائي للألياف ضد الإمساك وتهيج الأمعاء إلى فعلها في زيادة كتلة الفضلات وليونتها ومن ثم تسهيل وتسريع مرورها والتخلص منها. وهذا الفعل ذاته يقدم تفسيراً لتقليل احتمالات الإصابة بسرطان القولون، حيث استقر الرأي على أنه كلما قل بقاء المواد المسرطنة الموجودة ضمن الفضلات في الأمعاء قلت احتمالات الإصابة بالأورام السرطانية. ويدعم هذا التأثير عمليات تخمير بكتريا القولون للألياف المنحلة، ووجود مضادات الأكسدة التي تكثر في الفواكه خاصة الحمضيات وعلى رأسها البرتقال.
2)    الشرايين والقلب:
نحن نعرف أن الأحماض الصفراوية التي تضخها المرارة في الأمعاء عبر القناة الصفراوية للمشاركة في عملية الهضم تعتمد - هذه الأحماض - في تكوينها على كوليسترول الدم.
ووجود هلام الألياف المنحلة في الأمعاء يجتذب هذه الأحماض لتتحد معه ويمررها في كتلة الفضلات الملفوظة، ومن ثم لا يعاد امتصاص هذه الأحماض الصفراوية، فيزداد بذلك السحب من كوليسترول الدم ولا ينفلت ارتفاعه. كما أن تخمّر الألياف المنحلة في القولون ينتج عنه أحماض دسمة تمتص من القولون وتتداخل مع استقلاب الكوليسترول فتعيق ارتفاع نسبته في الدم.
أما عن عموم الأطعمة الغنية بالألياف - منحلة وغير منحلة - فهي فقيرة الدسم وقليلة السعرات الحرارية في معظمها، بينما لها تأثير مالئ، فتقلل من اندفاعنا لتناول الأطعمة الدسمة، على هذا النحو المزدوج الذي يأخذ من كوليسترول الدم ولا يعطيه زيادة. تمنع الأطعمة الغنية بالألياف ارتفاع الكوليسترول الضار في الدم، فتحمي الشرايين من التصلب - خاصة شرايين القلب التاجية - فتقي من التعرّض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية واحتشاء عضلة القلب. أما المصابون فعلياً بهذه الآفات الوعائية والقلبية، فإن الأغذية النباتية الغنية بالألياف تقلل من تفاقم حالاتهم المرضية.
3)    سُكّر الدم:
تقوم الهلامات اللزجة المتكوّنة من الألياف المنحلة، مع الماء بإبطاء عمليتي الهضم والامتصاص، خاصة للسكريات، مما ينظم انسياب السكر في الدم ويمنع ارتفاعه المفاجئ عن طريق الغذاء. ويعضد هذا التأثير المالئ للأغذية الغنية بالألياف عموماً، مما يقلل النهم للأطعمة الدسمة والنشويات الغنية بالسعرات الحرارية.
ولأن المصابين بالداء السكري هم أكثر عرضة لتفاقم مرض القلب الإكليلي، فإن الأطعمة الغنية بالألياف تقدم لهم وقاية مزودجة لمنع تفاقم داء السكري من ناحية، والحئول دون مضاعفاته الوعائية والقلبية من الناحية الأخرى.
هل نتناول ما يكفي؟
تختلف الأرقام عند النصح بالحصول على الكمية الكافية من الألياف في طعامنا، لكن يمكن اعتبار أن 03 جراماً هي الكمية المطلوبة للشخص البالغ يومياً، تقل قليلاً أو تكثر قليلاً تبعاً للفروق بين البشر، وهو ما لا تحسمه إلا التجربة الشخصية والمتاح من الأطعمة النباتية الغنية بالألياف في محيط الإنسان، وتقدم (موسوعة الأسرة للطب البديل) المنشورة في بريطانيا مخططاً لتغطية احتياجات شخص بالغ من الألياف يومياً على النحو التالي:
·       حصة من حبوب الصباح غير المقشورة (3.5جم)، شريحة من خبز التوست المصنوع من القمح الكامل (2.5جم)، (ساندوتش) من عجين القمح الكامل (2.5جم)، حبة فاكهة أو حفنة من المكسرات أو الزبيب (2جم)، حصة من العدس أو البقول (7جم)، حصة من الخضراوات (4جم)، كأس من سلطة الفاكهة الطازجة (4 جم).
ويلاحظ أن هذه اللائحة وقفت عند حدود 28جم يومياً، إضافة لطابعها الغربي، وقد أوردت مجلة (برفنشن) ملاحظة تقول إن معدل ما يتناوله الإنسان الأمريكي من الألياف يتراوح بين 11-13 جم يومياً، وأوردت جدولاً معقّداً لحساب الكمية الكافية من الألياف لا يمكن تطبيقه إلا إذا تعقّب الإنسان طعامه بالآلة الحاسبة والورقة والقلم، وهذا أمر ممجوج وغير عملي، ومن الأفضل استلهام النمط الغذائي لآبائنا وأجدادنا والذي كان - بالتجربة وسلامة الفطرة - يصل إلى كمية الألياف النموذجية المطلوبة دون حسابات ولا أرقام، ولنتأمل طعام يوم معتاد من ذلك، مبينين بالجرام محتواه التقريبي من الألياف.
·       في الإفطار: حصة فول (أو مسبحة أو باجيلا) (5جم)، رغيف من الخبز الأسمر (5 جم)، حصة قمح (بليلة) بالحليب (3.5جم)، حبة فاكهة متوسطة (2جم).
·       في الغداء: إضافة للمتغير كان هناك دائماً طبق السلطة (4 جم)، وفاكهة ما بعد الغداء - حبتان (4 جم).
·       في العشاء: حبة فاكهة (2جم).
نتبين من اللائحة السابقة أن برامج طعام أهلنا التقليدية كانت تتضمن حجما ثابتاً من الألياف يصل إلى (25.5 جم)، وهو ما يقترب كثيراً من الرقم النموذجي المطلوب، ويشكّل الضعف لما يتناوله المواطن الأمريكي، وتصرخ بالشكاية منه مجلة (برفنشن) الصحية.
ومن اللافت للنظر أن طبقاً من أطباق الإفطار التقليدية لدينا، وهو حبوب القمح الكاملة المسلوقة أو المنبتة والتي كان يضاف إليها الحليب، قد اختفى تقريباً من حياتنا، بينما ظهر بشكل (حداثي) على موائد الإفطار (الكونتيننتال) في الغرب! وهو وحده يقدم ما يقارب (5جم) من الألياف، وكان (تحلية) الإفطار - خاصة للصغار - بين أفراد الأسرة.
شيء آخر جدير بالانتباه هو أن الكمية الأساسية والأكبر من الألياف (حوالي 23جم) كانت تقدم في الإفطار والغداء، وهو ما يناسب تماماً فترة (استيقاظ) و (نشاط) الأمعاء خلال النهار، كما كشفت عنها الدراسات الطبية الحديثة، ويناسب مواجهة الآثار السلبية في ثقل وجبة الغداء المعتادة.
فأي حكمة هجرناها، وأي حماقة نجري وراءها في طوابير (التيك أواي)!!
أرقام ومحاذير
مرّة أخرى نجد أنفسنا عائدين إلى القديم ونحن نتدارك الجديد. فالنصائح الصحية الحديثة توصي بالإكثار من الفاصولياء والبازلاء والعدس غير المقشور، ولو بإضافتها إلى أطباق الحساء، وتوصي بالحصول على ما يقارب 5 حصص يومياً من الخضار والفواكه، حيث كل حصة تتكون من بضع ملاعق خضار أو حبة فاكهة كاملة. ولو عدنا إلى لائحة طعام آبائنا وأجدادنا - سابقة الذكر - لوجدناها تفي بذلك، وتزيد لو أكملنا متغيراتها من أطباق: الكشري بجبة، والمجدرة، والأرز بفول، والخضار المطبوخ تبعاً للموسم. وكلها أطباق بسيطة وبريئة، شرط أن نخفف دسمها ونجدد الحرص عليها.
ولعله يكون مناسباً لبعض (الحساب)، أن نورد المحتويات التقريبية للألياف بالجرام في بعض الأطعمة لعلها تفيد:
·       حصة بازلاء (7جم)، حصة عدس غير مقشور (6جم)، حصة سبانخ (2جم)، حبة تفاح متوسطة (2جم)، حبة برتقال متوسطة (3جم)، حبة بطاطا (1.5جم).
وبتبسيط غير مخل، يمكننا القول - من كل ما سلف - إن الحصول على المطلوب من الألياف يتطلب الحرص على وجود الخضراوات والفاكهة في وجباتنا الثلاث كلما أمكن. ويستحسن أن تكون طازجة وغير مفرطة في الطهو.
وثمة إضافة لازمة لعمل الألياف هي شرب ما يكفي من الماء، ويقدر بنحو 8 أكواب يومياً، لأن تناول مزيد من الألياف مع نقص السوائل يمكن أن يؤدي إلى الإمساك.
في النهاية، لابد أن نحذّر من شيئين أولهما عدم الاعتماد على النخالة سبيلاً وحيداً لتعويض نقص الألياف في غذائنا، لأن ذلك يشكـّل خطورة على المصابين بترقق العظام والمعرّضين له - خاصة النساء بعد سن اليأس - بسبب اجتذاب ألياف النخالة للكالسيوم وإعاقة امتصاصه واستفادة الجسم منه.
أما التحذير الثاني، فهو عدم المبالغة في تناول الأغذية الغنية بالألياف، فهذه - خاصة الألياف المنحلة - يمكن أن تسبب انتفاخ البطن.
ويبقى أن نشير إلى المليّنات الليفية المصنّعة صيدلياً، وهي بالنتيجة تعالج الإمساك وتفيد في علاج بعض الاضطرابات المعوية، لكن لا ينبغي الاعتماد عليها بديلاً للأطعمة النباتية الطازجة الغنية بالألياف، لأن معظمها مُصنّع من عناصر منفردة كالنخالة أو قشر التفاح، وهي بالتالي خارج إطار التوازن الطبيعي لتناول حبوب القمح الكاملة أو ثمار التفاح الكاملة. كما يستحسن أن يصف الأطباء هذه الأشكال الصيدلية من الألياف، وفي أطر علاجية.
التهمها تتنفس بعمق
- ثبت أن الاعتماد على وجبات غنية بالفواكه والخضراوات يمكن أن يحمي من ضيق التنفس ووذمات الرئة والالتهاب الشعبي المزمن. هذا ما تقول به دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة (برفنشن). وقد تمت الدراسة على 18 ألف بالغ، وتبين فيها أن الفارق في أداء وظائف الرئتين بين المغتنية وجباتهم بالخضر والفـواكه، وبين غيرهم ممن يهملونها في وجباتهم، يماثل الفارق في أداء هذه الوظائف بين غير المدخنين ومَن يدخنون علبة يومياً لمدة عـشر سنوات. هذا الفارق الهائل بين التنفس بارتياح والتقاط الأنفاس بصعـوبة يعزوه البحث إلى حصول المكثرين من الخضر والفواكه على كمية أكبر من مضادات الأكسدة في هذه الأغذية.
·       الألياف تجعلنا نمضغ طعامنا مدة أطول وتعطي امتلاء أكثر لمعدنا، ومن ثم تجعل وجباتنا أكثر إشباعاً وتمنعنا من الإفراط في الطعام.
·       قشر البطاطا غني كثيراً بالألياف لكنه يحتوي على (السولانين) وهو مبيد حشري طبيعي المنشأ يستحسن تحاشيه.
·       الخضراوات والفواكه ليست مجرد مصدر للفيتامينات والمعادن والألياف، فالنباتيون يحصلون منها على ما يكفيهم من النشويات والبروتينات والدهون. وفي كل موسم توجد طائفة منوّعة يمكن أن نخـتار منها ما يجعلنا نتحاشى المعلبات والمجمّدات. وتناولها طازجة - أو طهوها لأقل وقت ممكن - يجعلها تعطينا فائدتها القصوى.
المصدر: 1

إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق