الاثنين، 16 يوليو 2012

حسّان بن ثابت المؤيد بروح القدس

حسّان بن ثابت المؤيد بروح القدس
          «مؤيد بروح القدس ما ذببت عنا».. جملة قالها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مخاطبًا بها حسّان بن ثابت، فمضى هذا الشاعر مؤيَّدًا بروح القدس، التي سرت بين أوزانه وقوافيه وفقًا للدعاء النبوي المشروط بالتزام وظيفة الذب عن العقيدة ورسولها.
          إنه أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري. شاعر مخضرم عاش زمني الجاهلية والإسلام، حيث ولد عام 60 قبل الهجرة وتوفي عام 54هـ، وأبدع في كلا العصرين حتى ذاع صيته وانتشر قـصيده على كل لسان كنموذج تطبيقي لآراء تقول بوظيفة محددة للشعر وللشاعر، في بيئة عربية تؤمن بقدرة الشاعر على اجتراح المعجزات على صعيد الإخبار والإعلام والدعوة تحديدًا.
          قال حسّان الشعر منذ ريعان شبابه، وعندما استمرأ الناس شعره صار يتكسب من خلاله، ويتخذه صنعة له على عادة الشعراء في زمنه، فكان يسافر من مدينة إلى أخرى، ومن قصر إلى آخر مادحًا علية القوم ما بين الحيرة ودمشق، وكان على وجه الخصوص معجبًا بجبلة بن الأيهم، آخر ملوك الغساسنة، ولأنه ترك أثرًا رائعًا لدى الكثير من ممدوحيه في الجاهلية، فإن هؤلاء لم ينسوا صنيعه الذي خلد أسماءهم شعرًا، فاستمر الكثيرون منهم في وصله بالرغم من أنه كان قد توقف عن مديحهم وفقا لتعاليم الدين الجديد الذي سمع به، وتيقن من دعوته عبر سماعه لآيات بينات من القرآن الكريم سحرت لبه وأخذت بيده إلى الإيمان العميق بالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا وهاديًا ومرشدًا. ولذلك سرعان ما تحولت بوصلة الشعر لديه إلى مديح الدين الجديد، وهجاء معارضيه ممن فضلوا البقاء على عقائدهم الموروثة.
          وكان للرسول - صلى الله عليه وسلم - الدور الكبير في تهذيب شعر حسّان، حيث كان يوجهه نحو النقي من الكلم الطيب، والرزين من المعاني الخالدة، والعذب من الألفاظ المنتقاة بعيدًا عما كان يعج به شعره، مما يمكن وصفه بالبذيء من القول وخصوصا في باب الهجاء.
          ولأن رسول الله كان يعلم أن الحرب أولها كلام كما تقول العرب، فقد أدرك أثر الشعر في نفوس العرب ومدى تأثرهم به، ولهذا فقد اتخذ من الشعر قوة في حربه ضد أعداء دولته الجديدة، وتدليلا على ذلك كان يخاطب حسّان بن ثابت مشجعًا إياه على المزيد من الشعر قائلا: «شن الغطاريف على عبد مناف، فوالله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غلس الظلام»، وكان حسّان يقول عندها أقوى الكلام وأشده حماسة وجرأة ، ولكن ربما ليس أكثره شعرية ولا أفضله فنيًا، ميزان الشعر الخالص بعيدًا عن مدرسة المعاني «الملقاة في الطريق» وفقا لتعبير الجاحظ. فبالرغم من أن شعر حسان بن ثابت قد تميز بالرزانة والرصانة سواء أكان هذا الشعر جاهليًا أم كان إسلاميًا إلا أن النقاد يميزون بين شعره في المرحلتين ،ففي المرحلة الأولى كان الشاعر يهيم في أودية الشعر مستكشفًا طرقها الوعرة ومستلذًا بدهشاتها المتناسلة سحرًا خياليًا موهومًا في كثير من الأحيان والقوافي، وكان لسانه السليط سلاحه الأول قدحا وهجاء، لكن المرحلة الثانية ألزمته بأخلاقياتها المترفعة عن كل هذا، فأخذ يكرس قصيده بأكمله لنصرة النظام الجديد وتمجيد رموزه بألفاظ كان يجهد نفسه وشعريته المتقدة لأن تتوافق مع التعاليم الأخلاقية الدقيقة للدين الإسلامي .
          ولأنه استشعر ما لحق بشعره من هنات فقد حاول حسّان وضع ميزان جديد للنقد وتعريف الشعر قائلا في إحدى محاولاته التبريرية:
وإنما الشعر لب المرء يعرضه
على المجالس إن كيّسًا وإن حمقًا
وإن أشعر بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنشدته صدقًا..

          بالرغم من أن حسّان بن ثابت لم يكن الشاعر الوحيد الذي أحاط بالدعوة الإسلامية ونبيها، فإنه كان الأثير بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان يأنس بشعره ويجيب بعض أبياته بالاستحسان ويعقب عليه بالدعاء، مما خلق بين الاثنين عاطفة إنسانية لا تتكرر كثيرًا بين الشاعر وممدوحه، وقد تجلت تلك العاطفة بعد أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى حيث شاعت بين قصائد الشاعر تلك الرنة الحزينة المغلفة بالوحشة والجزع.
          وبالرغم من أنه بلغ من العمر عتيا حتى أنه عاصر خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ورثاهم واحدًا بعد الآخر، فإن مرثياته في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظلت هي الأكثر والأقوى والأشد حزنًا ولوعة.
          ورحل شاعر الإسلام ورسول الإسلام والمسلمين حسّان بن ثابت في خلافة معاوية بن أبي سفيان بعد أن بلغ من العمر مائة وعشرين عامًا قضى نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام ، مدافعًا عنه، منافحًا عن رسوله، مهاجمًا لأعدائه، وراثيا لشهدائه.
 تابعونا على الفيس بوك

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا:
إبراهيم طوقان.. شاعر له عينا زرقاء اليمامة
ديكِ الجن.. ديك الشعر الفصيح
مالك بن الرَّيـْب.. يرثي نفسه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق