الاثنين، 10 ديسمبر 2012

• أبو نواس... شاعر الخمر والحانات



وهذا النؤاسي.. الشاعر الذي أخرج القصيدة العربية من بيئتها الجاهلية وأسكنها في الحانات من دون أن يؤذي مشاعرها أو يخل ببنيتها، وإن آذى مشاعر متذوقي الشعر العربي كثيرًا بمجونه الذي اشتهر به ليس على صعيد سيرته الشعرية وحسب بل أيضا في حياته العامة. وهكذا كانت سيرته المغلفة بأطياف الشعوبية سببًا للوم الذي وجهه له الجميع تقريبًا، حتى صار اللوم سيرته وصورته لدى العامة.
          لقد عاف أبو نواس الأطلال التي وقف عليها الشعراء العرب قبله كثيرًا في الحقيقة وفي المجاز، وتغنى بمفرداته الحضرية غير آبه بكل ما قيل عنه. وكانت موهبته الشعرية الرفيعة هي وسيلته الوحيدة لحصد إعجاب العربي المشوب بالحذر الشديد والمتكئ على الاتهامات الكثيرة التي حاولت النيل من إخلاص هذا الشاعر للدولة العربية في عصر الشعوبية.
          وفي كثير من الروايات التي تناولت حياته من مبدئها الى منتهاها، نجد أن بعض المؤرخين يضعون له نهاية إيمانية على طريق التوبة لتجب ما قبلها من حكايات غارقة في أدران التهتك والمجون بين غانيات العصر وغلمانه أيضًا. على أن كل ما قيل من سوء في حق هذا الشاعر المتفرد لم يمس شعريته الأكثر تفردًا في موضوعاتها الكثيرة.
          ولد أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس في الأهواز من بلاد خوزستان في العام 164 هـ (763م)، من أب عربي وأم فارسية، سرعان ما انتقلت به بعد وفاة والده وهو في السادسة من عمره الى البصرة فنشأ فيها، وبدأ رحلته مع العمل ومع التعليم أيضًا، فعمل في محلات العطارة منذ صباه، وكان يستغل ما يبقى له من الوقت ليتعلم على يد شيوخ البلاغة والنحو في مدارس البصرة ومساجدها، حتى بلغ من العلم مبلغا مشهودًا، فقد كان شغوفًا باللغة والأدب، فنهل من المعارف التي تتعلق بهما الكثير، ثم أنه درس الفقه والحديث وأحكام القرآن الكريم. وهكذا تفتحت شعريته الفذة في أجواء عابقة بالعلوم المختلفة فجاءت أبياته محكمة الصنعة تجري في ماء الموهبة بعفوية وأناة.
          وما كاد أبو نواس يبلغ الثلاثين من عمره كما يقول مؤرخو سيرته حتى تاقت روحه الى بغداد عاصمة كل شيء في ذلك الوقت، فقصدها متسلحًا بقصيده وبشخصيته الظريفة، والتي قادته لاحقًا لقصور الخلافة فأصبح نديمًا للأمين في ليالي الترف والمجون. والتي اتسعت لترسم شخصيته في كل بغداد وخصوصًا بعد أن انتشرت غزلياته في الغلمان والخمر. وعلى الرغم من براعته في تلك الموضوعات الشعرية التي تفوق فيها على كل من سبقه من شعراء كانوا يطرقونها على استحياء إلا أن ذلك لم يشفع له لدى العامة الذين اتخذوا من تلك الغزليات الشاذة ومن الخمريات الماجنة دليلاً على سوء سلوكه، وهو ما يجعل من منادمته لأمير المؤمنين مما يشين بيت الخلافة بأسره. واستجابة للضغوط الشعبية التي غذتها روح شعوبية كانت تسري بين أعطاف قصائده المنحازة لعرقه الفارسي، اضطر الأمين لوضعه في السجن أكثر من مرة.. وفي كل مرة كان يخرج فيها يعود لسيرته الأولى في الشعر وفي السلوك. إنه على أية حال شاعر حقيقي، ولم يكن مستعدًا ليتخلى عن تلك الشعرية تحت ضغط السجن ولا لوم اللائمين، فلم يأبه لهم حتى وهو يعترف بأن داءه هو دواؤه في نفس الوقت. لكنه مصر على الداء استجلابًا لمغريات الدواء.
          وعلى الرغم من أن أبا نواس المختلف عليه من قبل المؤرخين والعامة، والمتفق عليه من قبل النقاد ظل دائمًا شخصية إشكالية في تاريخ الشعر العربي ككل، إلا أنه على أية حال حجز مكانته الخالدة في ديوان الشعر بتميز لافت، وخصوصًا على صعيد تلك القصائد التي كانت وبالاً على سيرته الذاتية، ونعني بها خمرياته التي صدمت الذوق الإسلامي الشائع في مجتمعه والمجتمعات اللاحقة، وأيضًا طردياته أو القصائد التي تصف رحلات الصيد التي كانت هواية من هوايات علية القوم ومن نادمهم من الشعراء والأتباع أيضًا. وهذه الطرديات كانت أحد عناوينه الشعرية المتفردة، والتي خلدت اسمه كأحد أهم شعراء العصر الذهبي للقصيدة العربية. وعندما رحل عن الحياة في العام 199هـ (813م) كانت وفاته حكاية أخرى من حكايات الغموض في سيرته، فقيل إنه مات مسجونا، وقيل بل مسمومًا، واستشهد محبوه ببعض قصائده في الزهد والإيمان ليقولوا إنه مات عابدًا زاهدًا نادمًا على كل ما فات..
لكن هل يندم الشاعر فعلاً؟
          سؤال ليس من المهم أن نعرف إجابته ونحن في حضرة الشعر والشعراء.

تابعونا على الفيس بوك

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا:
إبراهيم طوقان.. شاعر له عينا زرقاء اليمامة
ديكِ الجن.. ديك الشعر الفصيح
مالك بن الرَّيـْب.. يرثي نفسه

هناك تعليق واحد:

  1. الا يوجد شيء آخر نمدحه سوى الخمرة؟

    ردحذف