الملحمة هي قصة بطولية، وتحتوي على حوادث خارقة
للعادة، ولم تزدهر الملحمة إلا في عهد الشعوب الفطرية حين كان الناس يخلطون بين
الخيال والحقيقة، وبين الحكاية والتاريخ، وفي الشعر الملحمي قد تتغنى الملحمة
ببطولة أسطورية، وقد يتغنى بمعجزات تتصل بعقيدة الشعب.
ولم يعرف الأدب العربي الملاحم بالمستوى الذي عرفه
اليونان والرومان، لكننا نجد في قصائد عربية النفس الملحمي مثل بعض قصائد عمرو بن
كلثوم وأبي تمام والمتنبي، وقد تأخر الشعر الملحمي عند العرب لأسباب منها:
إن العرب في الجاهلية لم تجمعهم وحدة قومية ولا
نزعة وطنية أما بعد ظهور الإسلام فإنه يمنعهم من الإيمان بالأساطير والخرافات التي
لا تتفق مع عقيدتهم الإسلامية، كما كانوا يعتزون بما لديهم من شعر غنائي إذ
يعتبرونه ديوان العرب وهو بذلك يغنيهم عن أي شعر آخر.
والمعروف أن الشعر الملحمي يتناول بطولة أمة فيروي
أخبارها ويصف معاركها ويعدد خوارقها ومعجزاتها.
وتأتي الملحمة في قالب شعري موزون مصفى يقدم قصة
متكاملة الأجزاء متناسقة العناصر تتوافر فيها العناصر الفنية الأساسية للفن القصصي
عن أحداث وأشخاص وأزمان ومكان وسرد ووصف وحوار. فالسرد يشتمل على تقديم أحداث
القصة، والوصف يحتوي على رسم سمات أشخاص القصة وبيئتهم، والحوار هو ما يجري على
ألسنة الأشخاص من حديث ويمكن رصد خصائص الشعر الملحمي من خلال نمطين:
1) الملاحم
اليونانية والغربية: وفيما تمتزج الأسطورة بالحقيقة، والخيال بالواقع، خرافيون يتصفون
بصفات لا تتوفر عند البشر، وبأمزجة بدائية سريعة التحول والتلون، وأحسن شاهد على
الشعر الملحمي الإلياذة والأوديسيا للشاعر اليوناني هوميروس الذي يعد أب الملاحم،
وقد عاش في القرن العاشر قبل الميلاد. وسار على خطاه الشاعر الروماني فرجيل صاحب
الإلياذة الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، ويغلب على الملاحم الغربية الطابع
الوثني، كما يغلب عليها الطابع الموضوعي بحيث لا تكاد تحس بشخصية الشاعر فيها، ثم
ظهرت الملحمة الدينية على يد دانتي 1265 والإيطالي صاحب الكوميديا الإلهية عام
1331. وفي العصر الحديث حالت إلى الواقعية والرمز ففقدت بذلك كثيرًا من عناصرها
الأصلية.
2) الملاحم
العربية: تناولت صفحات مشرقة في تاريخ الأمة العربية أو جوانب من حوادث شعوبها،
وتلتزم بالأحداث التاريخية وتقتصر على الشخصيات المؤثرة في الأحداث، كما يطغى
عليها الطابع الغنائي، إذ أننا ونحن نقرأ الملحمة نحس الشاعر هو الذي يعبر عن
إحساسه وآرائه. ومن الملاحم العربية في العصر الحديث قصيدة مطولة بعنوان كبار
الحوادث في وادي النيل، نظمها أحمد شوقي، الإلياذة الإسلامية لأحمد محرم، المعلقة
الإسلامية لمحمد توفيق، ملحمة عبقر للشفيق معلون، على بساط الريح لفوزي معلون،
إلياذة الجزائر لمفدي زكريا تناول فيها تاريخ الجزائر بذكر أمجادها قبل الفتح
الإسلامي إلى اليوم.
وعلى الرغم من عدم رواج فن الملاحم في العصر الحديث
لأن عهد الملاحم بمعابيرها الفنية قد ولى، إلا أن تأثير الملاحم مازال واضحًا في
العصر الحديث. فمن المسرحيات والقصص ما تعتبر موضوعاتها من أساطير هوميروس، وغيره
من الأقدمين، لكن المؤلفين المحدثين يتصرفون في الأسطورة حتى تصير رمزية بحيث لا
يبقى للرمز سوى أنه قالب إيحائي عام، وقد لخص أحد النقاد هذا التأثير بقوله: إن
الرواية الحديثة هي ملحمة العصر الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق