الاثنين، 18 أبريل 2022

• الجَمَل العربي هودجُ البهجة


الجمل

إنه هودجُ البهجة الذي حمل تاريخ الحضارة العربية، أرسى القرى وأنشأ المدن، إنه الرسول الأمين والتّاجر الناصح والفارس الشجاع والفنان العاشق، رمز للشجاعة والقدرة على الهجوم المباغت أو الدخول الحكيم للمدن، قائد قوافل الحج والهجرة، ومساعد أساسي في استقرار الإنسان العربي ونمائه ووضع أسس حضارته، يتنسّم الهواء ورياح السموم، ويخبره عن مواطن الراحة وآبار المياه وأماكن الخطر في كل تلك الصحراوات المترامية.

رافق الجمل الإنسان العربي في تجواله وحركته التاريخية على أديم الأرض، فأخذ منه النصائح: اما اسْتَتَرَ من قادَ الجَمَلب، ويضرب لمن يأْتي أَمْراً لا يمكنُ إِخفاؤُه، وفي الأمثال الشعبية اقالوا الجمل طلع النخلة... قلنا آدي الجمل وآدي الجمّالب، وهو للجدال وفك الاشتباك ويُضرب في حالة الاختلاف على أمر ما، فيؤتى بعناصره كلّها حتى لا تترك فرصة للجدال وسوء الفهم والتقدير أو التضليل، وقالوا أيضًا االجمل طلع النخلة... قلنا آدي الجمل وآدي النخلةب، وهو يضرب إذا ادّعى شخص شيئًا لا يُعقل أنه يستطيع القيام به، فيطلب منه تكراره لإثبات صدقه أو كذبه وفضيحته، وفي الشموخ والكبرياء يقال االلي عايز يربّي جمل، يعلّي باب دارهب، وهو مثل شعبي شامي، يُضرب في مَن يجب أن يعدّ العدة لأي أمر يُقدم عليه، لأن لكل شيء لوازمه.

والجمل منقوش في الذاكرة الإنسانية العربية، ولهذا لجأ إليه الإنسان لإثبات وجوده، كما بالرسومات الصخرية في كهوف الإنسان الأول في اطاسيلي ناجّرب بالجزائر، أو كهوف السعودية والأردن، وصولًا إلى رسم الجمل بطرق مختلفة على جدران المنازل والبيوت، خاصة في الريف المصري، كأحد أهم الوسائل المستخدمة في الحج قديمًا، كذلك استخدامه في كثير من اللوحات لدى المستشرقين، للتعريف بخصوصيته العربية، إلى أن تمّ رسمه على النقود العربية وطوابع البريد التي تميّز خصوصية العرب، حيث يمثّل لنا خصوصية عربية وتفردًا شرقيًا ننافس به الحضارات الأخرى.

عصر الجِمال

وفي الرسالات السماوية نجد ناقة سيدنا صالح، واالقصواءب، وهي ناقة سيدنا محمد [، وهي الناقة التي بركت في مربد الغلامين اليتيمين، الذي اتّخذ فيما بعد مكانًا للمسجد النبوي، وفي القرآن الكريم قال تعالى: }أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت{، (سورة الغاشية - الآية :17)

وما يؤكد ما نسعى إليه، وهو البحث عن اعصر الجمالب في كل الحقب التاريخية العربية، هو أن يخلّد الإنسان العربي الجمل المرتبط في مخيّلته بتراث قديم، لاسيما تراث المحمل المصري الذي كان أحد سبعة محامل عربية كانت تصل إلى مكة، وهي الشامي والعراقي واليمني والمغربي والتكروري والتركي والمصري.

يضاف إلى هذا - بالطبع - الهودج الذي يحمل العروس في ليلة الزفاف السعيدة، يقابله الجمل كساعي بريد ينقل الرسائل المهمة بطريقة آمنة في عرض تلك المناطق الصحراوية وطولها، كذلك استخدامه في التجارة والنقل والزراعة وحمل العتاد والمعدات والجنود للمساهمة في الحروب، واللجوء إليه في حراسة الحدود والدفاع عنها، وصولًا إلى الاحتفاء به في مهرجانات الهجن وسباقاتها الدولية.

إن الجمل يتبدى كرمز عربي قديم قِدم الحضارة العربية، في مجمل تراثنا العربي الأسطوري، وبالتالي الفولكلوري، فالجمل ذلك الحيوان المتميز باحتمال كل المشاق في مجتمعاتنا العربية المجدبة الصحراوية، كرمز للجلد واحتمال المشاق بصفته الملك الملقّب
بـ
اسفينة الصحراءب، وهو اللقب الذي لم ينازعه أو ينافسه فيه أي حيوان آخر.

طبيب لعلاج الإنسان

من جهة أخرى، نجد أن لبن الإبل وجبة غذائية متكاملة، كما يستخدم حليب إناث الإبل في التشافي، وهو أمر ليس حديث العهد، فقد استخدمه العرب في معالجة كثير من الأمراض، مثل أوجاع البطن، وخاصة المعدة والأمعاء، ومرض الاستسقاء، وأمراض الكبد وتليّفه مثل اليرقان، وأمراض الربو، وضيق التنفس، إضافة إلى تقويته لعضلة القلب/ كذلك استخدمته بعض القبائل لمعالجة الضعف الجنسي، حيث كان يتناوله الشخص مرات عدة قبل الزواج، وقد ثبتت فائدته في المساعدة على نمو عظام الأطفال، ففي حالة شرب كميات كبيرة من الحليب في الصغر، فإنه يمنح القامة الطول والقوة.

فهو طبيب لعلاج الإنسان كما نشاهد في بعض المعتقدات الشعبية ذات الملامح الأسطورية، مما كان يقع في باب التطبيب العربي القديم، فنجد أنه كان يحرق وبر الإبل ويذر على الدم السائل، للاعتقاد بأن ذلك يعمل على إيقافه، وكانت المرأة تستحم بمخ ساق الجمل، لظنّها أن ذلك يقضي على العقم، وكان االسكرانب يشرب بول الجمل طلبًا للشفاء من ورم الكبد.

وعند عرب فلسطين كان ينتشر تقليد غسل الأطفال ببول الجمل، للاعتقاد بأن ذلك يعمل على تقوية أعضائهم، وكانت تُربط قلادة الجمل في كم العاشق، أملًا في زوال عشقه، وإذا طالت علّة المريض وظنّوا أن به مسًّا من الجن عملوا له جمالًا من طين وجعلوا فيها جوالق، وملأوها حنطة وشعيرًا وتمرًا، وجعلوا تلك الجمال إلى جهة الغرب وقت غروب الشمس، وباتوا ليلتهم، فإذا أقبل الصباح نظروا إلى جمال الطين، فإذا رأوا أنها على حالها قالوا: لم تُقبل الهدية فزادوا فيها، وإذا رأوها تساقطت قالوا: قُبلت الهدية، واستدلوا بذلك على شفاء المريض.

أسطوريّة الإبل

مما أسهم في أسطورية الإبل أن عبادتها كانت أشهر العبادات التي عرفها العرب القدماء، والتي استمرت إلى ظهور الإسلام: إذ يذكر ابن الكلبي أنه كان لبكر بن وائل سقبًا( ولد الناقة) يعبدونه.

وقد أورد جورج كدر في كتابه امعجم آلهة العرب قبل الإسلامب، أن العرب عرفت عبادات للإبل بصور أسطورية مختلفة منها عبادة اقرة أو قرة العينب، وقرة صنم كان بمنى لقضاعة ومن داناها، وكان الطائفون يطوفون حوله، والأرجح أنه كان ناقة، لأن االقرةب تعني ناقة تؤخذ من المغنم قبل أن تقسّم الغنائم، وهي من طقوس الأضاحي، وكان يقال لها اقرة العينب.

وقد عثر على مدافن خاصة للإبل في السعودية وقطر والإمارات والبحرين، ويعتقد البعض أن الجمال الموجودة بالقبور قد ذبحت وقدّمت إلى المتوفى، لكنّ الأرجح أنها وضعت في حفرة وتُركت ولم تُنحر، وهذا يوافق عادات عرب الجاهلية، ويبدو أيضًا أن الجمال كانت تعتبر من ممتلكات الميت التي يجب أن تكون معه في القبر.

يظل الجمل رمزًا للصمود، والعطاء، والكفاح الإنساني على ظهر الأرض، مهما استخدم من حيوانات أو لجأ إلى التكنولوجيا، فالجمل هو اللوحة العربية الخالدة في ذاكرة البشرية.

وإذا كانت البشرية يحلو لها أن تسمي العصور باكتشافاتها، فنقول: العصر الحجري، والعصر الحديدي، وعصر البترول، وعصر الثورة الصناعية، يظل الجمل في جميع العصور، حتى ولو جاء في خلفية الصورة وتكوين الأحداث، فهو المساعد والعامل الأساسي والرئيسي لهذه العصور، فلم يمنح علماء التاريخ عصرًا يمكن أن يطلق عليه اعصر الجمالب، مع أن الجمل يتوازى وجوده وفعله وتأثيره الحضاري مع كل العصور، بل إنه المساهم الأساسي في نشأة كل العصور، منذ العصر الحجري والحديدي حتى العصور الحديثة وعصر الذرّة والإنترنت.

موجود وقائم

إن الجمل موجود وقائم بغضّ النظر عن بزوغ نجمه في فترة ما أو انحسارها، فهو الذي صب حرارة الصحراء ذ بيئته وبيته العامر ذ ذات الشجن واللهيب في العلاقات وقصائد الشعر والغزل والحرب والإحساس بالتفرد والقدرة على التعبير، ليظهر الجمل وإبداعه وطقوسه وقدراته في الفن والأدب والمناجزات القبلية والأمثال الشعبية والطقوس الحياتية اليومية للإنسان الصحراوي، مخترقًا بخُفّه وسيقانه المناطق الغامضة في المغامرات والرحلات والاستكشافات الجيولوجية والعمل والسفر والمناسبات الاجتماعية.

وقد استوعب الجمل على أكتافه وعوارضه وسنامه كل تحولات الإنسان العربي، حاملًا كل تجارب الأفراد والجماعات والقبائل أكثر من أي حيوان آخر، وقد أخرج من وجدانه الكثير من المميزات التي أضافت للإنسان العربي وحركته على تلك المساحة الكبيرة من الرمال، في الموسيقى والنثر والرسم والقصّ والحكايات الشعبية.

وكل ما نسعى إليه هو فهمه وإدراكه في وعينا بتاريخنا العربي، حتى لو دهمنا العصر الحديث بطائراته وسياراته وعرباته وتقنياته الحديثة.

والآن أودّ أن يقوم أحد الباحثين في علم الاجتماع بدراسة مهمة، كي يدلنا على اعصر الجمالب في كل العصور الماضية، وإن لم يستطع، فهل يستطيع أن يتنبأ لنا متى سيُطل علينا هذا العصر في العصور القادمة؟

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

طريقة نومك تكشف صفاتك الشخصية

رأس المال النفسي الإيجابي

كيف تنام سريعاً خلال ثوان قليلة من 10 إلى 120 فقط

تحديات التطوير التربوي في الوطن العربي

الشيخوخة نظرة إيجابية

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق