الاثنين، 25 أبريل 2022

• الموضة السريعة


الموضة

ظهر مفهوم الموضة السريعة في بداية التسعينيات من القرن الماضي كاستراتيجية أعمال تهدف إلى تلبية طلبات الشباب - ولاسيما الفتيات - لأزياء متماشية مع موضة الماركات الفاخرة بسرعة وبأسعار معقولة.

ونتيجة لرغبة المستهلكين في التغيير والتجديد بوتيرة متسارعة حتى في الموسم الواحد، فقد عددت بعض محالّ الملابس الشهيرة مواسم الموضة، لتصل إلى عشرات المواسم في السنة الواحدة، كما في محال زارا التي تنتج مجموعة جديدة كل أسبوعين تضعها على رفوف آلاف المحال التي تمتلكها في عشرات البلدان حول العالم.

ساعد التجديد التكنولوجي، بدوره، على تسهيل مهمة التصنيع والتوزيع، وأوجد أسواقًا جديدة ومستهلكين يتطلعون للشراء عبر الإنترنت، مما ساهم في انتشار هذه الموضة السريعة وتعاظُم شعبيتها.  

تتميز الموضة السريعة بعنصرين أساسيين؛ هما تكاليف تصنيع منخفضة، وأسعار منتجات متدنية نسبيًّا للمستهلك. وتتضمن ملابس وإكسسوارات وأحذية وبضائع جلدية، ومجوهرات ومنتجات تجميل تصنع جميعها على عجالة بتقليد منتجات بيوت الأزياء الشهيرة. وعادة ما يكون الإنتاج بكميات كبيرة وبأسعار تسمح لأعداد غفيرة من الناس بالشراء بصورة منتظمة.

ولتحقيق النجاح بتوفير المطلوب في الوقت المناسب وبالسعر المناسب، اتجه عديد من اللاعبين الكبار في قطاع تصنيع الملابس وسواها إلى بلدان تنخفض فيها أسعار المواد الخام والطاقة والمواصلات وأجور العاملين، ليتمكنوا من تلبية حاجة السوق بأقل قدر من الهدر؛ سواء في الوقت أو الموارد.

وهكذا تصدرت بلدان كالصين وبنغلادش وفيتنام والهند وتركيا وإندونيسيا وكمبوديا قائمة مصدّري الملابس.

وباتت محال H&M، كمثال، تصنع منتجاتها باثني عشر مصنعًا في موطنها الســـويد في مقابل مئات المصانع بالصين وبنغلادش وتركيا.

استهلاك مفرط

 حققت الأزياء السريعة ما عُرف بديمقراطية الموضة، وأصبح من المعتاد أن يفرط البعض في الشراء والاستهلاك، لدرجة ألا يتكرر لبس القطعة الواحدة أكثر من مرة، ولاسيما بالنسبة إلى هواة التجديد والتصوير، ومن يعتبرون أنفسهم نجومًا مضطرين إلى عدم الظهور بملابس سبق أن ظهروا بها. وتطور الأمر لدى فئة من المستهلكين ليتحولوا إلى مدمني شراء من دون حاجة حقيقية. ومن الخزائن الكلاسيكية المحدودة، باتت الخزائن غرفًا كاملة تستوعب خزانة الشخص الواحد من القطع ما يكفي لفتح متجر. وظهرت مشكلات فوضى منزلية وتفكك أسري، المتسبب الأول فيهما إدمان شراء الملابس بلا توقف، لا لشيء سوى التخفيض الكبير المعروض عليها، بغضّ النظر عن مستوى جودتها ومكوناتها الصناعية التي قد لا تؤهلها للاستمرار بعد غسلها بضع مرات أكثر من موسم.  

وبقدر ما تُسعد الموضة السريعة ملايين المستهلكين، وبقدر ما توفّر من فرص عمل في مختلف البلدان الغنية والفقيرة، فإنها تترك آثارها الوخيمة على جميع سكان الأرض وعلى البيئة بما فيها من موارد.

فالمنتجات القطنية وتلك المصنوعة من البوليستر، التي تشكل أكبر نسبة في عالم المنسوجات، تستنزف كثيرًا من الموارد الطبيعية من مياه وطاقة؛ وتتطلب عمليات معالجة كيميائية ملوثة للمياه والهواء ومضرة لسلامة الأرض والكائنات الحية.

ومما تشير إليه الأرقام أن إنتاج قميص قطني واحد يحتاج إلى نحو 3 آلاف لتر من الماء، أي ما يعادل ما يشربه الفرد في سنوات. ويحتاج سروال الجينز القطني إلى 10 آلاف لتر ماء؛ بينما يتطلب الحصول على كيلوجرام من الصوف، استهلاك 170 ألف لتر ماء، ويستهلك التصنيع في هذا القطاع عمومًا حوالي 20 في المئة من الاستهلاك الصناعي من الماء عالميًّا. وتشير التوقعات إلى زيادة بنسبة 50 في المئة مع قدوم عام 2030 ويزداد الوضع سوءًا عندما يكون معظم هذا الاستهلاك في بلاد تعاني ندرة المياه كالهند والصين.  

من ناحـــية أخرى، يعد هذا القطاع الـــثاني من حيث التلوث في العالم، فالحاجة الكبيــــرة إلــى القطـــن تدفع المزارعيــــن دفـــعًا إلى استخدام مبيدات كيمــاوية غير آمنة. كما يتسبب الكيلوجرام الواحد من الأقمــشة في انبعاث 23 كيلوجـــرامًا من الغازات الدفيـــــئة في المتوسط، وتطلق المنسوجات المصنّعة في أثناء الغسيل بعض المكــــونات البلاستيكية التي تصعب معالجتها، فتأخذ طريقها نحو المحيطات.

أسواق الموتى البيض

 تستغل بعض الجهات المصنعة حاجة الفقراء من الكبار والصغار إلى العمل، فيتم تشغيل أعداد كبيرة بأقل من الحد الأدنى للأجور، مثلما يحدث في الهند وباكستان والفلبين. ويعمل هؤلاء في الغالب تحت ضغوط شديدة تفرضها قوانين حرب المنافسة؛ وقد يتطلب العمل أحيانًا انتقال العاملين إلى مدن أخرى بعيدًا عن عائلاتهم، كما يُجبرون على استخدام مواد كيماوية خطيرة. ونتيجة للعمل في أماكن متهالكة وغير ملائمة، ولا تراعى فيها وسائل الأمان في معظم الأحيان، تحصد الحوادث والكوارث في هذا القطاع أرواح العاملين.

ومن أشهر الحكايات المؤلمة ما جرى في 2013 عندما انهار مبنى رنا بلازا بعاصمة بنغلادش، الذي يُصنع فيه عدد من الماركات العالمية - معظمها لألمانيا والولايات المتحدة - مخلّفًا أكثر من ألف ومئة قتيل، وما يزيد على ألفين من الجرحى، فقد بعضهم أجزاء من أجسامهم، ولا يزال عديد منهم يعانون بعد مرور سنوات.

ونظرًا إلى أن التبرع بالملابس في البلدان المتقدمة لا يمثّل سوى نسبة بسيطة، بينما تباع نسبة أكبر للجمعيات الخيرية بأسعار رمزية، وتصدر النسبة الأكبر إلى بلدان أخرى ذات دخول منخفضة لبيعها في أسواق الملابس المستعملة المتنامية؛ تنتشر هذه الأسواق المصدرة من أوربا وأمريكا في بلدان عديدة. وتسمى بعض الأسواق في تنزانيا وزيمبابوي بأسواق الموتى البيض.

وعلى الرغم من أن بضاعة هذه الأسواق لا تلائم ثقافة الأفارقة ولا مقاساتهم، يحقق الوسطاء أرباحًا كبيرة، ففي بلدان مثل بريطانيا وأستراليا، وكندا وألمانيا وأمريكا، يوجد قدر ضخم من قطع الملابس المستخدمة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. فتصدر بريطانيا وحدها، مثلاً، مئات الملايين من كيلوجرامات الملابس المستخدمة لبلدان أخرى. وبينما يبدو هذا الأمر حفاظًا على البيئة، إلا أن الأفضل من وجهة نظر مستدامة الاستمرار في ارتداء الملابس لأطول فترة ممكنة إذا كانت لا تزال صالحة، أو إعادة استخدامها محليًّا حتى لا يتسبب نقلها في مزيد من انبعاثات الكربون.

ردود أفعال اجتماعية

 في إطار ردود الأفعال نحو الآثار السلبية المذكورة لقطاع الموضة السريعة، وتزايد معدلات المبيعات عالميًّا لنحو ما يزيد على تريليوني دولار في 2025، واستمرار تراجع استخدام الملابس القابعة في الخزائن بنسبة كبيرة، وما يتبع ذلك من زيادة في انبعاثات الكربون التي ستبلغ 208 مليار طن في 2030؛ ومخلفات النسيج المتوقع أن تصل إلى 148 مليون طن في العام نفسه 2030، ظهرت حركات اجتماعية يقودها مستهلكون تعمل على المطالبة بسلوكيات أخلاقية وشفافية في جميع مراحل تصنيع وبيع منتجات الموضة السريعة.

وتعددت المبادرات في هذا المجال، فمنها ما يقوم على الإنتاج، ويستهدف تغيير الممارسات من خلال بناء القدرة المحلية أو تمويل البرامج المتعلقة بتحسين أحوال العاملين، وتحقيق الأمان لهم عبر محاسبية حازمة.

وتخصصت بعض المبادرات في إصدار تقارير تحلل المواقف من منظور التنمية المستدامة. ومبادرات أخرى قامت على الاستهلاك، استهدفت تغيير سلوكيات الناس من خلال تقديم معلومات وتوعية بآثار وتبعات الموضة السريعة التي تشجع ثقافة الاستهلاك والرمي.

وتخصصت مبادرات مخــتلـفة في قيادة نماذج الأعمال نحو تبنّي سياسات واستراتيجيات خضراء صديقة للبيئة. كما انطلقت مبادرات ألمانية - على أثر حادثة رنا بلازا - لتعويض أهالي المتوفين والمصابين، والتبرع من أجل تحسين الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية في سلاسل إمدادات قطاع الملابس العالمية.

وتحمّل عديد من بيوت الأزياء، أخيرًا، المسؤولــية بوضــــع استراتيجـــيات وإصدار تقارير شفافية تتعلــــق بالمواد الـخام وظروف العمل والأجور والــمياه المستخدمة، بهدف تطبيق وتشجــيـــع الممارسات المستدامة، مع وعود باستخــدام أقــطـــان عضــــوية لمنتجات قابلــة للتـــدوير مئة فــــي المئــــة مــــع حلـول 2040.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

السعادة دهشة الحياة وسحرها

التصرفات الخاطئة... خلع الكتف والكوع عند الأطفال

طعامك يدل على شخصيتك

سيكولوجية السوبرماركت

التعامل مع الطفل الحساس... 6 استراتيجيات

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق