لقد تغزّل الإنسان
لیعبر عن عاطفة الحب التي یکنّها للمرأة، وعن إعجابه بجمالها لیصور ما یعتلج به
قلبه من أشواق ورغبات وما یعتریه من صبابة ومشاعر، لأن حب المرأة وجمالها، هما
من بواعث الغزل وثمرة له، یندفع إلیه الإنسان بمیله الفني للتعبیر عما في نفسه من
عواطف جیاشة، وانفعالات تصف حسنها؛ جسداً ونفساً. مثله کمثل الرسام الذي ینحت
بإزمیله وألوانه الصورة، التي تجسّد أحساسیسه العاطفیة، أو الموسیقي الذي یحیل
عاطفته إلی لحن مسموع، ونغم طروب، یأسر القلوب، ویذیب الأفئدة.
هذا الغزل لم یکن منذ
بدایة الخلق وحتی یومنا هذا، حکراً علی فئة من الناس، أو طبقة معینة، بل هو علی
العکس عرفه جميع البشر في جمیع أحوالهم وظروفهم، البدائیة منها أو المتخلّفة
والمتقدمة، وزاوله جمیع الشعراء، من مختلف فئات المجتمع وطبقاته، کالأمراء أمثال
امریء القیس، والحکماء کزهیر بن أبي سلمی، والأبطال کعنترة بن شداد، والمُجّان
کالأعشی، والصعاليك کعروة بن الورد. فتّکوا معانیه، وتفنّنوا في ابتکار صوره
ورموزه، علی الرغم من تقلید بعضهم ومحاکاتهم لأقوال الآخرین.[ معاليقي، منذر، أدب
عرب الجاهلية، 2012م، ص96]
"یکون الغزل غرضاً
من الأغراض الشعریة الذي بلغ ذروته في العصر الجاهلی. عندما نطالع دواوین الشعراء
الجاهلیین نصل إلی هذه الحقیقة؛ لأن دواوین الشعراء أهم دلیل لضبط الوقانع
والمفاهیم وأیضاً نجد الأغراض الأخری مثل الهجاء والمدح والرثاء والوصف وکانت هذه
الأغراض تتصل بالغزل، مثلاً الفخر الذی أنشده عنترة في معلقته لم یکن بعیداً عن
روح الغزل، حیث نری الشاعر لم یکن یفتخر للفخر ولم یکن يمتدح للمدح بل ملأ قلبه
وذهنه عبلة ودیارها وفي النهایة افتخر بقومه. فنستطیع أن نقول بأن الدافع الأصلی
للشاعر یکون الغزل. ویکون الغزل في العصر الجاهلی بصورة البساطة والبعد عن التکلف
وعلی رغم إکثار الشعراء في الغزل وشهرتهم به لم یکن الغزل فنا مستقلا". [حسن،
حسین الحاج ، أدب العرب في عصر الجاهلیة، 1982م، ص 151]
والغزل الذي نری في شعر
الشعراء امتزج بالأغراض الأخری وفي مطلع القصائد الغرض الأول والأساسي یکون الغزل
وفي النهایة نصل إلی الأغراض الأخری من الفخر والمدح والوصف أو الهجاء وفقد جعل
السبب في افتتاحیات القصائد الجاهلیة بالغزل، استمالة نفوس الناس وحسن إصغائهم
"ویبدو أن معظم
المحبین لاقوا معاناة ومرارة من قبل مجتمعاتهم، التي لسبب أو آخر، حالت دون
المحبین وفرقت بینهم، فاضطهدوا وعُذّبوا، ولم یقبلوا بترکه وفك أواصره. فهذا مالك
بن الصمصامة لا یفرّط بحبه، خوفاً من شقیق المحبوبة الذي أقسم أن یقتله إن تعرّض
لها أو زارها". [معاليقي، منذر،أدب عرب الجاهلية، 2012م، ص97]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق