إذا کانت شعوب العالم
التي عرفت الاستقرار قد ترجمت هذه الغریزة بصورة مرسومة علی ألواح، وبتماثیل
منحوتة من حجارة، وبمسرحیات یحاکي فیها الممثّلون العشّاق، وینقل فیها الخلف
تجارب السّلف. فإنّ العرب البُداة المترحلین بین جنبات الصحراء جمعوا الفنون کلّها
في فنّ واحد وهو الشعر.
یکون موضوع الغزل فی
العصر الجاهلي المرأة التي کانت شیناً هاما في حیاة البادیة أثرت هذه البیئة في
طبع الشعراء وهم تحدثوا عن الوشاة والغزل والحب والفراق والطیف والأطلال. یکون
مفهوم الجمال متمثلاً بالمرأة متمركزًا فیها. ونجد أن الشاعر الجاهلي یصف من صاحبته
شعرها وإشراق وجهها وحور عینیها وطول جیدها واعتدال قامتها وطیف رائحتها والشعراء
الذین أسرفوا في ذلك كثيرون منهم النابغة وامرؤ القیس. [فیصل، شکري، تطور الغزل
بین الجاهلیة والإسلام، لا تا، ص179]
یبین مکانة المرأة عند
الشاعر الجاهلي، الذي أرضی نزعته الوجدانیة والغنیة بحدیثه عنها مباشرة وتغزله
بها، أو غیر مباشرة عندما ذکر الدیار، وتکلم علی الأثار وما تبعثه في النفس من
ألم وشوق. وبالطبع فقد أفاض الشاعر في تصویر المرأة المترفة –الصریحة والحرة- التي
تعیش حیاة رغدة وناعمة، تفرغ لنفسها، وتعتني بجمالها. واعتبرها تمثال جمال، وآیة
حسن وبهاء، ناضجة ومسؤولة عن حیاتها، ومالکة زمام أمورها. مثّلت المرأة في حیاة
العربي بعامة والبدوي بخاصة، عنصر الاستقرار والاطمئنان، وکانت منذ بدایة الخلق
ولا تزال أحبّ شيء إلی النفس البشریة. أولیس خباؤها المأوی الذي یلجأ إلیه الولهان،
یبثّه حنانه وأمانیه وصدرها المکان الدافیء الذي یشعر المحبة والسعادة.
الحب للمرأة في الأدب
عامة وفي الأدب العرب خاصة يتبلور في الأشعار من الجاهلي حتى الآن. والحب والعشق
والنسيب والغزل لدى البدو وأهل القرى أوضح وأقوى وأشد تمكينا في القلب من أهل
المدن بسبب عدم تلوّث النفس بجفاء المدينة وغربتها. وكذلك لتوافر مساحة الحرية
الواسعة في العلاقة الظاهرية والاتصال بين الرجل والمرأة في المجتمع البدوي
والقروي كونهم جميعا أبناء عشيرة واحدة أو قبيلة يتعارفون فيما بينهم وأكثر
إطمئنانا للحب العذري.
والغزل هو ضرب من ضروب الخِفّة العاطفية لعوامل جنسية واستعداد نفسي فطري موروث فوق السيطرة لدى الذكر أو الأنثى على حد سواء وليس للبيئة دخل فيه فقد تجده في الأمِّي والمتعلم، الجاهل والمثقف، البدوي والبدوية، القروي والقروية، الحضري والحضرية، المراهق والكهل والعجوز. وأما طرائق الغزل مختلفة باختلاف البيئة والثقافة والجنس و....
والغزل هو ضرب من ضروب الخِفّة العاطفية لعوامل جنسية واستعداد نفسي فطري موروث فوق السيطرة لدى الذكر أو الأنثى على حد سواء وليس للبيئة دخل فيه فقد تجده في الأمِّي والمتعلم، الجاهل والمثقف، البدوي والبدوية، القروي والقروية، الحضري والحضرية، المراهق والكهل والعجوز. وأما طرائق الغزل مختلفة باختلاف البيئة والثقافة والجنس و....
والبدوي إذا تملكه
الهوى مرض واصابته الحمى ولزم الفراش فيعرف أهله أنه عاشق وقد يصل به الأمر إلى
الجنون أو الموت. وكذلك تصاب الفتاة الكاعب والمرأة البدوية بالأرق والذهول وينحل
جسدها وتذبل وترفض الأكل وربما تموت بسبب الحب. على العكس من إنسان الحَضَـر بوجه
عام حيث يكون أقدر على التماسك وتغليب العقل والموازنة بين الممكن والمستحيل
والمنفعة المتبادلة متأثرا بمعطيات وقناعات الحياة المادية . فتجعله لا يمنح الحب
كل قلبه ومشاعره.
وتكون للواقعية دور كبير في إنشاء حوائط الصد العاطفية لديه. وإذا رأينا بعض الشعراء يستهلون قصائدهم بالخمرة فإنهم لا يلبثون أن يعودوا إلى الغزل ليبثوا المرأة مشاعرهم وما يعانونه من عذاب الهجر وألم الفراق بكل صدق وأمانة، وهذا ما حمل شكري فيصل على القول «إن الأغراض الأخرى التي عرض لها الشعراء الجاهليون لم تكن، في كثير من الأحيان، مقصودا إليها قصدا، ولا متعمدة تعمدا. كانت روح الحب وعواطف الهوى هي التي تبتعثها وهي التي تكمن وراءها». [فیصل، شکري، تطور الغزل بین الجاهلیة والإسلام، لا تا، ص277]
وتكون للواقعية دور كبير في إنشاء حوائط الصد العاطفية لديه. وإذا رأينا بعض الشعراء يستهلون قصائدهم بالخمرة فإنهم لا يلبثون أن يعودوا إلى الغزل ليبثوا المرأة مشاعرهم وما يعانونه من عذاب الهجر وألم الفراق بكل صدق وأمانة، وهذا ما حمل شكري فيصل على القول «إن الأغراض الأخرى التي عرض لها الشعراء الجاهليون لم تكن، في كثير من الأحيان، مقصودا إليها قصدا، ولا متعمدة تعمدا. كانت روح الحب وعواطف الهوى هي التي تبتعثها وهي التي تكمن وراءها». [فیصل، شکري، تطور الغزل بین الجاهلیة والإسلام، لا تا، ص277]
ونظرا لجفاف الصحراء
وضعف خيال الشاعر جاء غزلهم وصفا للجمال الخارجي: كجمال الوجه والجسم دون التعرض
إلى الجمال النفسي والخلقي وكانوا يتفننون في رسم صورة هذا الجمال في العين وسائر
الحواس دون أن يهتموا بما يتركه هذا الجمال من أثر في نفوسهم. لذلك بدا غزلهم
غارقا في المادية النابعة من صميم الطبيعة الجاهلية. وقد علل يوسف حسين بكار هذه
المزية بقوله: «والذي أراه أن أكثر الشعراء الجاهليين لم تتح لهم الفرص الكافية
للعيش مع من يتغزلون فيهن أو التعرف عليهن من كثب وإنما كانت لقاءات عابرة ونظرات
من بعيد وإلا لما اكتفوا بالأوصاف الخارجية للمرأة». [بکار، یوسف حسین، اتجاهات
الغزل فی القرن الثانی الهجری، لا تا، ص183]
لذلك حفلت بها مختلف
أنواع القصائد العربیة في الجاهلیة، الغزلیة والمدحیة، الفخریة والهجائیة
وغیرها... وقد أحال بعض الکتاب، تعددیة الموضوعات في القصیدة الواحدة، إلی واقع
الحیاة الجاهلیة وأغراضها المتنوعة من جهة، وإلی قدرة الشاعر وبراعته من جهة
أخری، دلیلهم في ذلك معلقات کبار شعراء العصر الجاهلي، ذات الموضوعات المتعددة،
التي اعتبرت نماذج أساسیة للشعر الجاهلي. ونتاج هذا الحب هو الغزل الذي إنعكس فيه
كمال الحب وجمالها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق