السبت، 1 يونيو 2019

• أكثر لوحات رمبرانت ليست له


حدث القرن العشرين في تاريخ الفن: أكثر لوحات رمبرانت ليست له
بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على وفاة الرسام العبقري رمبرانت يثور حدث القرن العشرين وهو أن معظم لوحاته مقلدة، لقد بدأ هذا الاكتشاف منذ حوالي ثماني سنوات وما زال يتفاقم حتى الآن.. أين الحقيقة في هذا الحدث، وأين يكمن الخط الرفيع بين اللوحات الأصلية والمقلدة.

اعتبره البعض حدث القرن العشرين في تاريخ الفن العالمي، واعتبره البعض الآخر اكتشافا متأخرا لأكبر عملية فرز بين رامبرانت الحقيقي ورامبرانت المزيف.. وهناك فريق ثالث من النقاد اعتبر الأمر حصيلة التقليد الذي كان سائدا في أوربا، في مطلع القرن السابع عشر، والذي كان يلزم الطلاب الذين يرتادون مراسم الفنانين الكبار للتعلم، أن يتقيدوا بأساليب أساتذتهم.. وهناك نفر رابع من النقاد أرجع الأمر إلى الضائقة المادية التي كان رامبرانت يعاني منها مما اضطره لوضع توقيعه على لوحات رسمها تلاميذه، وبيعت على أنها من لوحاته.
في العام 1986، ومع طرح لوحات من روائع الفن العالمي لفنانين كبار أمثال فان جوخ وبيسارو ومودلياني ورينوار في المزادات العلنية بحيث دخلت هذه الروائع نوعا جديدا من البورصة العالمية.
الإعلان الذي هز العالم
لقد فوجئ مقتنو لوحات الرسام العبقري الهولندي الشهير رامبرانت "1906- 1969"، بإعلان مثير يقول: إن عددا كبيرا من لوحات هذا الفنان ليست له. حدث هذا بعد نشر الجزء الثالث من كتاب: "الأعمال الكاملة لرامبرانت" والذي يغطي الفترة ما بين 1635 - 1642.
وتساءل الناس عن الأثر المتوقع لهذا الإعلان على سوق مزاد اللوحات العالمية، وموقف المتاحف التي تقتني مجموعات من لوحات رامبرانت مثل متحف اللوفر، ومتحف أمستردام ومتحف لاهاي، والأرميتاج، ومجموعات أخرى من اللوحات الموجودة في "ثينا بولين نيويورك"، وفي كاليفورنيا.
يكفي أن نذكر أن دوق وستمنستر خسر في لحظة واحدة أكثر من مائتي مليون فرنك فرنسي مع صدور الكتاب، من أسعار اللوحات التي يقتنيها لبرامبرانت. نتيجة لهذا الكتاب اهتمت مجموعة كبيرة من الخبراء منذ العام 1986 بالميراث الفني لرامبرانت، وكلفت وزارة الثقافة الهولندية لجنة من هؤلاء الخبراء بمهمة وضع دليل مصور كامل لأعمال فنان العصر الذهبي، وقد غاص هؤلاء في أكوام الأراشيف العالمية، واستعانوا بأحدث التقنيات، وقسموا اللوحات التي تنسب إلى رامبرانت إلى ثلاثة أقسام:
‎‎ - اللوحات الأصلية.
‎‎ - اللوحات التي رفعت عنها الحصانة.
‎‎ - اللوحات التي يشتبه أنها من رسم تلاميذه.
‎‎ أدت هذه المهمة التي قامت بها اللجنة إلى كشف جديد عن أعمال رامبرانت وتقنية العمل لديه، كما ساهمت في التعريف بتلاميذه، وقيمة بعضهم، ووضعتهم في المقدمة، أمثال: كارنيل فابيوس وفرديناد بول.
انقسم النقاد إلى قسمين في مواقفهم من تقرير الخبراء الذين اختلفوا بدورهم فيما بينهم، واعترض قسم منهم على تصنيف اللجنة واعتبروه قاسيا وحازما، ويفتقر إلى المرونة.
عمد متحف أمستردام الوطني إلى تنظيم معرض خاص بأعمال رامبرانت لدحض المزاعم التي تتهم لوحاته بأنها مزورة.
لأول مرة في تاريخ الفن تتم غربلة الأعمال التي تنسب لفنان عظيم.
تم تصنيف آخر للوحاته التي عرضت في معرض واحد:
- 146 لوحة منسوبة للفنان.
- 122 لوحة لتلاميذه.
- 51 لوحة موزعة بين الرسم بالرصاص والطوابع المخطوطة.
- 12 لوحة غير موثوق بشخصية صاحبها.
في العام 1988 أثير الموضوع من جديد.. انطلق الخبر من أمستردام ضمن نشرة جديدة حول لوحات رامبرانت تفيد بأن عددا كبيرا من اللوحات المنسوبة إليه ليست له، وقد ارتكز الخبراء في تفصيل هذه النشرة عن الفترة الممتدة بين عامي 1621- 1631 حيث أفادوا بأن أربعا وأربعين لوحة من بين ثلاث وستين لوحة رسمها في تلك الفترة يمكن نسبتها إليه.
أما عن الفترة الواقعة بين عامي 1631 و 1634 فقد قالوا إن من بين لوحاتها إلى 102 هناك خمس وستون لوحة فقط للرسام.. وقال الخبراء: "انتظروا الجزء الثالث من هذه النشرة الذي سيصدر في كتاب يوزع عام 1990، فقد تكون فيه مفاجآت". وقد جاء في هذا الكتاب ما يؤكد النشرات السابقة.
الرجل ذو الخوذة الذهبية
في برلين فجرت قنبلة أخرى من هذا النوع حول لوحة كانت تعتبر حتى الأمس القريب من أروع ما رسم رامبرانت، وكانت برلين تفخر بها.. هذه اللوحة هي "الرجل ذو الخوذة الذهبية".. وقد أصبح اسمها الآن: "اللوحة القريبة لفن رامبرانت" وهو التصنيف الجديد الذي اضطرت لاعتماده إدارة متحف برلين، فالصور المأخوذة عبر الأشعة فوق البنفسجية، وتلك التي التقطت بالتصوير الانعكاسي للأشعة الحمراء، إضافة إلى التحاليل المخبرية، هي التي أثارت الشكوك في نفوس الخبراء الألمان ودفعتهم إلى التدخل المفاجئ في حياة "الرجل ذي الخوذة الذهبية"، وقد دلت الفحوصات على احتواء الرسم العديد من التصميمات والإعادات والترددات لا يمكن أن تصدر عن رسام مبدع مثل رامبرانت أطلق عنان إبداعه في تجليات هي أروع ما شهدته العين من لوحات عالمية مثل لوحة "حلقة الليل" التي نذكرها على سبيل المثال. وأثار العلماء موضوعا آخر وهو أن المادة التي كان رامبرانت يلون بها لوحاته كانت كتلة من الزجاج المطلي بالأزرق مع عنصر الكوبالت الفضي تسمح بالاستغناء عن اللازورد الكريم المساوي في زرقته والباهظ الثمن، وقد وجد في خوذة الفارس نسبة مرتفعة من الزرنيخ، إضافة إلى سواد الواجهة الخلفية للوحة بسبب تكونها من مسحوق عظام وأسنان وعاج. والمعروف أنه كان يحق لرامبرانت حسب تقاليد ذلك العصر ووفقا لقانون كان يعمل به في أمستردام، توقيع روائع لوحات تلاميذه وبيعها بنفس الثمن الذي كان يبيع به لوحاته.. وكان رامبرانت يعاني من الفاقة، ولم يكن بمقدوره تلبية طلبات جميع المعجبين بفنه.
ومن اللوحات التي طعن بصحة نسبتها لرامبرانت أيضا لوحة "بورتريه" باسم "وجه اليزابيث" وقد أعيد تصنيفها بين الأعمال التي أنجزها تلميذه فرديناد بول، ولوحات أخرى نسبت إلى عدد آخر من تلاميذه، أمثال: غانيرت فلينك، وكاريل فابريسوس، وكونيك ايكهوات، وفان غوغسترامن، ونيقولايس مايس. وتؤكد لجنة الفرز أن لوحة "الفارس" التي اعتبرها الاختصاصيون الهولنديون عام 1897 أهم لوحة لرامبرانت هي من عمل تلميذه وليام دروست.
أما أهم لوحات رامبرانت فهي بإجماع النقاد:
الابن البار- صورة العائلة- لوكريس بورجيا- وجه أمي- صورة كورنيليا "ابنته"- الفنان مع قبعته- الفيلسوف في حالة تأمل- لانسيك وزوجته..
وكانت زوجة الفنان "ساسكيا" نموذجا جميلا لعشرات اللوحات التي رسمها في أواخر أيامه بعد أن ذاعت شهرته.
رامبرانت ولندن 1992
بين أبريل وأغسطس 1992 شهدت العاصمة البريطانية في قاعة الـ "ناشيونال جاليري" المرحلة الأخيرة لمعرض رامبرانت الذي سبق أن عرض في برلين وأمستردام، وضم لوحات له ولمشغله ولمريديه.. والمعروف أن المتحف البريطاني يمتلك أكبر مجموعة متفردة من رسوم رامبرانت تضم أكثر من ثمانين لوحة تغطي المراحل المختلفة من إنجازاته كفنان ومن بينها بعض القطع الشهيرة مثل "الفتاة النائمة".
كما تضم مجموعة كبيرة من المناظر الطبيعية وموضوعات تاريخية ودينية ودراسات للإنسان، وقد كان عرض عدد من أعمال تلاميذ رامبرانت إلى جانب أعماله مناورة ذكية في زحمة التساؤلات المطروحة حول المزور والحقيقي في أعمال رامبرانت، خاصة أن لوحات تلاميذه تبدو وكأنها نسخ مكرورة عنه بحيث يصعب التفريق بينها. أثار هذا المعرض موضوعا مهما، وهو موضوع "قيمة العمل الفني"، وأين تكمن تلك القيمة؟ هل في العمل نفسه، أم في الإيحاء الذي يحققه توقيع الرسام؟. وهذا بدوره أثار موضوعا آخر لا يقل أهمية ولا يزال يشغل النقاد وهو موضوع تزوير اللوحات بدرجة متقنة، بعد أن وصلت أسعار اللوحات إلى أرقام خرافية تجاوز بعضها المائة مليون دولار، بحيث جنى بعض أصحاب اللوحات المزورة مبالغ طائلة لدرجة أثارت سؤالا محرجا في هذا المجال يقول: من الذي يضمن لنا أن لوحة الجيوكندا- أشهر وأغلى لوحة في العالم- مزورة وليست حقيقية؟!
جان ألكسان مجلة العربي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق