الأحد، 2 يونيو 2019

• الطبخ بنيران البكتيريا


في الليالي المظلمة بالريف، تنطلق- أحياناً- حلقات نارية مضيئة، من البرك والمستنقعات. نيران تظهر أولاً على سطح الماء، وقد تعلو في الهواء، فتثير الذعر في قلوب الريفيين البسطاء، ويتساءلون عن السر. وعند العلماء، أن سر هذه الألعاب النارية الباهرة، هو في بكتيريا مدهشة، تعيش في طين البرك والأوحال، وتهوى إطلاق الطاقة الكامنة في أعماق البقايا النباتية والنفايات، وتهوى كذلك اللعب بالنيران.

ولكن الشيء الذكي- حقة- هو أن العلماء قد نجحوا أخيراً في ترويضها لمنفعة الإنسان.. وتمكنوا من تسخيرها في توليد طاقة جديدة.. وهي طاقة حيوية.. نظيفة.. متجددة.. وذات مستقبل!.
عالمنا يوشك أن يغرق في بحر النفايات. ثمة جبال هائلة من القش والأحطاب وبقايا النباتات، تنتج سنوياً عن النشاط الزراعي.. فلقد قدروا أن الزراعة ا لأمريكية وحدها، تنتج سنوياً ما يزيد على 250 مليون طن من المخلفات. ويتخلف عن عمليات تصنيع الفواكه والخضراوات ملايين الأطنان من القشور والعصيفات والقرون والبذور واللب وغيرها. والحيوانات الحقلية، تروث ملايين الأطنان من الفضلات الإخراجية. وينتج الإنسان فضلات منزلية، ونفايات المجاري، وتلالاً من القمامة كذلك. إن أحداً لا يشك أن هذه المخلفات جميعها، تمثل إهانة مزرية للبيئة، ثم إنها- فوق ذلك- تستحضر معها عديداً من المشكلات. حسناً.. انظر إلى مخلفات المزرعة مثل القش والسيقان والأحطاب وغيرها.. إنها إذا تركت في الحقل، صارت مأوى لبيات الحشرات الشتوي، وصارت بيئة طيبة لعديد من أمراض النبات. وهذا- ولا شك- يضر بالمحاصيل المقبلة، ضرراً بالغاً. ولعل البعض يعرف أن مخلفات مصانع الأغذية، تحتاج إلى وسائل مكلفة للتخلص منها، كما تتسبب في تلوث المجاري المائية، وتعطل شبكة الصرف الصحي. وحدث ولا حرج عن أضرار القمامة ومخلفات الإنسان وحيوانات الحقل.. أضرار صحية واقتصادية وبيئية كثيرة. واضح- إذن- أن كل هذه المواد تمثل تحدياً كبيراً لابتكارات العلماء، لإيجاد طرق أفضل للتخلص منها واستثمارها لصالح الإنسان. إننا نتذكر كلمة عالم الزراعة والتغذية الشهير "جورج واشنطون كارفر" (رائد أبحاث المخلفات).. تلك الكلمة التي وجهها إلى الباحثين الشبان المهتمين بأبحاثه: "أيها الأعزاء.. ألا فلتبحثوا عن استعمالات لكل المخلفات، ولتعلموا أن بها أسراراً لن نفهمها، ما لم نتعلم كيف ننسجم معها.. ". وحينما بحث العلماء في أسرار عالم النفايات، تبين لهم شيء طريف ومدهش.. إن كل النفايات، وكل المواد الكريهة، تفتح شهية بعض الميكروبات، ثم تدفعها إلى العمل والإنتاج. وماذا تنتج؟ تنتج مصدراً جديداً واعداً للطاقة، يسمونه الغاز الحيوي (البيوجاز) BIOGAS .
بطاقة تعارف
يتساءلون عن البيوجاز، وماذا يكون؟ حسناً.. لو أنك وجدت بركة، تساقطت فيها أوراق الأشجار وبقايا النباتات بصورة فصلية منتظمة، ثم غرست عصا في وحل قاعها، إذن لتصاعدت على الفور فقاقيع كبيرة إلى أن تلامس سطح الماء، وعندئذ تحترق في أكسجين الهواء على هيئة حلقات مشتعلة. وكل من حرك مياه بركة قديمة، يعرف أن في قاعها غازاً ينتج عن تعفن المواد النباتية والمخلفات، ويعرف العلماء أن هذا الغاز يتكون بفعل بكتيريا الميثان، التي تستوطن البيئات الرديئة التهوية مثل البرك والمستنقعات، ولأجل ذلك أسموه (غاز المستنقعات). ولقد تأمل العلماء كل هذه الظواهر، ثم تساءلوا.. إذا كان لهذه البكتيريا مثل هذه القدرات الجبارة على إنتاج الغازات الحيوية، فلماذا لا نهيئ أمامها فرصة النمو والعمل على المخلفات، لتحرر طاقاتها الكامنة، على نطاق تجاري واسع؟ وهكذا كانت شهادة ميلاد تقنية الغاز الحيوي (البيوجاز) BIOGAS . هي التقنية التي تعنى بتخمير المخلفات العضوية ميكروبياً، بمعزل عن الهواء، داخل خزانات تقام تحت الأرض. ولكن العملية تقتضي ظروفاً خاصة، لا بد من توافرها.. إنها تحتاج لحرارة معينة (30- 35 م)، وتحتاج درجة حموضة خاصة (6- 8)، كما تحتاج إلى توازن منضبط بين مكونات بيئة التخمر. فإذا توافرت كل هذه الظروف، فاعلم أن ساعة العمل، قد دقت، وأن جماعات البكتيريا اللاهوائية، قد نشطت.. وأنها لا بد أن تحلل المواد العضوية السليلوزية، إلى أحماض عضوية. وهذه الأحماض هي التي تشجع جماعات أخرى من بكتيريا الميثان على العمل، فتقوم بتحويلها إلى الغاز المنتظر..إلى غاز الميثان، الذي ينطلق على هيئة فقاعات صغيرة، تتجه لأعلى غرف التخمير.. وهناك يجري تجميعه في غرف خاصة، ومنها إلى المنازل والمصانع، عبر الأنابيب. ولكن الذي نلفت النظر إليه، أن البيوجاز، إنما هو خليط غازي، يمثل الميثان نحو ثلثيه، أما الثلث الباقي فيشتمل على غازات أخرى كثيرة. والبيوجاز يشتعل جيداً في الهوا بلهب يميل إلى الزرقة الباهتة، شديد الحرارة. ولكن طاقته الحرارية تختلف باختلاف محتواه من الميثان والغازات الأخرى المصاحبة. ويذكر أنهم قدروا أن المتر المكعب الواحد من البيوجاز، يكفي لتشغيل ثلاجة 10 أقدام، لمدة 12 ساعة، ويمكن كذلك أن يستخدم في توليد 1,25 كيلووات كهرباء.
البيوجاز والحجر الواحد
في كثير من الدول النامية، يلجأ القرويون عادة، لاستخدام روث الماشية وبقايا المحاصيل ومخلفات، المزرعة، كمصدر للطاقة. إنهم يحرقونها في أفران الطهي البلدي (الكوانين)، أو يحرقونها في أفران صناعة الخبز المنزلي. وهكذا حرمت الحقول من مصدر حيوي للسماد، فانخفضت بذلك غلة المحاصيل في كثير من هذه الدول. وتشير الدراسات التي أجريت في الهند- على سبيل المثال- إلى أن لديهم نحو 220 مليوناً من الأبقار والثيران، التي تنتج جبالاً من الروث والفضلات.. ولقد قدروا قيمة الروث الذي يستخدمه الهنود كمصدر للطاقة، بما يعادل نحو ستة ملايين طن من الأسمدة الآزوتية الطبيعية كل عام. وهو مقدار يكفي لتغطية احتياجات الزراعة الهندية من الأسمدة ت يزيد. وبالمثل فإن استخدام مخلفات المزرعة من قش وأحطاب، كمصدر للطاقة، إنما يحدث على حساب تسميد الأرض وتخصيبها. وهذا بالطبع علاوة على ما يخلفه حرق المخلفات من أضرار بالصحة العامة وتلوث للبيئة وإهدار لقيمة المخلفات الحقيقية. ونقرأ في دراسة لمنظمة البيئة العالمية، أنهم في العالم الثالث، يحرقون سنوياً نحو 400 مليون طن من المخلفات الحيوانية وبقايا النباتات. وأن هذه المخلفات، لو كانت قد استخدمت في تخصيب التربة، لحققت فائضاً إضافياً من الحبوب الغذائية يصل إلى 20 مليون طن. وهي كمية تكفي أكثر من مائة مليون نسمة. ولكن المعادلة الحرجة تبقى ماثلة أمام الدول النامية، وهي معادلة تتلخص في كلمتين: السماد أم الطاقة، أو بصيغة أخرى: الغذاء أم الطاقة. ولحسن الحظ، فإن تقنية البيوجاز تضمن السماد والطاقة معاً.. وفوق ذلك تضمن سلامة البيئة. كم هي مدهشة هذه التقنية التى تضرب كل العصافير بحجر واحد. أليس مدهشاً أن إنتاج البيوجاز من الروث يعطي قدراً من الطاقة، أكبر مما لو حرق في المواقد والأفران.. فلقد استبان للخبراء، أن المتر المكعب الواحد من البيوجاز يعطي طاقة حرارية صافية، تعادل الطاقة الناتجة عن حرق 7,45 كيلو جرام من الروث الجاف. ثم إن الروث الناتج- يومياً - من عشر بقرات، يعطي 1,8 متر مكعب بيوجاز.. وهذه تعادل 1,3 لتر من النفط. وهي كمية من الطاقة تكفي لطهي طعام أربعة أشخاص، أو لإضاءة مصباح قوته مائة شمعة، لمدة أربع عشرة ساعة. وأليس مدهشاً أن نعلم، أن السماد المتخلف عن هذه العملية، يفوق في جودته وصفاته التسميدية الروث الأصلي! فلقد وجدوا أن سماد البيوجاز يتفوق على الروث الأصلي في محتوياته الآزوتية، لأكثر من الضعف، هذا فضلاً عن توافر عناصر الفوسفور والبوتاسيوم وعناصر مغذية صغرى ومنظمات للنمو وفيتامينات. ولهذا أثره الفعال في زيادة غلة المحاصيل بدرجة ملحوظة. وأليس مدهشاً أن ظروف إنتاج البيوجاز اللاهوائية، تقضي على الميكروبات المرضية مثل بكتيريا القولون والسالمونيلا والشيجيلا، بل هي تختفي تماماً من السماد الناتج بين فترة تخمير تتراوح من 60 - 90 يوماً. وهكذا فإن التوسع في تطبيق تكنولوجيا البيوجاز في الريف، يعد تطوراً مهما في صالح تحسين الصحة العامة إلى درجة كبيرة. ولأجل هذه المزايا وغيرها، رأينا كثيراً من الدول النامية مثل الهند وباكستان وكوريا الجنوبية والصين وتايوان وغيرها، تولي اهتماماً بالغاً بإنتاج البيوجاز من مخلفات المزارع وروث الحيوانات في وحدات صغيرة ملحقة بالمنازل، لسد احتياجات الأسرة من الطاقة اللازمة للطهي والإنارة وشتى الاستخدامات المنزلية.. وتذكر الإحصاءات، أن بالهند اليوم ما يربو على المليون، من مراجل البيوجاز البسيطة زهيدة الثمن. ويعد البرنامج الصينى لإنتاج البيوجاز، من أنجح البرامج وأكفئها، نظراً لما يتميز به من البساطة وسعة الانتشار.. ولقد أحصوا عدد منشآت البيوجاز في الصين فبلغت سبعة ملايين وحدة منزلية قدرة كل منها (4- 10) أمتار مكعبة من الغاز يومياً. ويمكننا أن نتوقع في القريب، انتشار هذه التقنية، حيثما وجدت المخلفات.. أقصد حيثما وجدت حياة وأحياء.
طاقة نظيفة من المجاري
ما من بلد اليوم، إلا ولديه شبكات واسعة من المجاري والصرف الصحي. ولكن مشكلة تتعلق بصرف هذه المخلفات، بصورة آمنة بيئياً، ظلت تؤرق الخبراء، حتى عهد قريب. ففي البداية، ظنوا أن مياه الأنهار والبحار كفيلة بابتلاع الأقذار والقضاء عليها وعلى أضرارها. ومضت سنوات قبل أن يتبين الخبراء خطأ ما اعتقدوه.. فالحقيقة أن النفايات هي الكفيلة بقتل البحار والأنهار وليس العكسي.. فحينما تلقى النفايات في المياه، تزاكم عليها جيوش من البكتيريا.. وتتغذى عليها مستعينة بأكسجين المياه. يوماً بعد يوم، تتلف المياه.. وتموت البكتيريا، ثم تموت الكائنات الأخرى التي تعيش في النهر، وتنبعث الروائح الكريهة، وتصبح المياه مصدراً لشتى الأمراض. وهكذا.. فقد اتضح للجميع، أن ثمة معالجات أخرى، لابد أن تتبع. وظهرت بالفعل معالجات أكثر فعالية، كان أبسطها تلك التي ينشرون فيها الأقذار على سطح الأرض، وفي الهواء الطلق.. وعندئذ فإن أشعة الشمس والهواء الجوي تتكفل بالأمر كله. ولكن الخبراء وجدوا أن إضافة نظام صناعي للتهوية، يسرع من هذه المعالجة، ويحيل النفايات بعد تجفيفها إلى سماد. ثم كانت الخطوة الاكثر تقدماً، حينما ابتكر الخبراء طرق المعالجة البيولوجية، بدلاً من الطرق الكيماوية. وفي هذه الطرق استغلوا عديداً من السلالات الميكروبية، بهدف تحييد النفايات وتحويلها إلى أسمدة، مع انطلاق البيوجاز، كمنتج ثانوي.
عاصمة النور تضاء بالنفايات!
باريس.. عاصمة النور، تضاء اليوم عن طريق المخلفات البرازية الموجودة في المجاري، والناتجة عن ستة ملايين مواطن. إنه بلد عرف طريقه إلى عالم البيوجاز. إن قليلاً من التفكير يوضح أن العنصر الرئيسي في فضلات المجاري لأي مدينة نمطية، هو فضلات البراز الآدمية، مضافاً إليها الشعر والورق ونفايات الطعام والمنظفات.. المجاري مواد صلبة غنية بالبكتيريا، معلقة في محلول قوي نوعاً من المواد العضوية، وهي وسط مناسب للغاية لنمو البكتيريا. هذه إذن هي فضلات المجاري التي تقذفها البالوعات ودورات المياه والحمامات، لتجري إلى مستودعات الترسيب، حيث تترسب المواد الصلبة، على هيئة وحل في القاع يعرف بالوحل المترسب. ولكن.. ماذا عن المكونات السائلة؟ إنها تجري إلى برك خاصة، حيث يجري تقليبها وتهويتها، لتنمو فيها البكتيريا الهوائية بغزارة، وتؤكسد معظم موادها العضوية إلى ثاني أكسيد الكربون، يهرب إلى الجو. ولمزيد من التنقية، تكرر هذه العملية مرات عديدة، للحصول على مياه نقية إلى حد كبير، يمكن إعادتها إلى الأنهار. والآن.. عودة إلى الوحل المترسب.. إنه يجري ضخه في خزانات ضخمة (الهاضمات)، وهي خالية من الهواء. وبالتالي فهي تعد مسرحاً مغلقاً رائعاً، تمارس فيه البكتيريا اللاهوائية نشاطها. وتعد بكتيريا الميثان، هى أنشط الجميع، إذ تعمل بمساعدة بعض الأصدقاء الآخرين من البكتيريا على تكسير المواد العضوية إلى ثاني أكسيد كربون وغاز الميثان بصفة رئيسية. وهذا هو البيوجاز الموعود. وإنك تنظر فتجد مصانع المجاري، وهي تنتج كميات هائلة منه، تستخدم في تزويد المضخات والماكينات وأجهزة التشغيل، بحاجتها من الطاقة. وفي نفس الوقت، أمكنهم بيع الفائض منه إلى شبكة الغاز الوطنية. ولكن المدهش أن باريس.. عاصمة النور، تعمل بها اليوم وحدة كبيرة للهضم والتخمير اللاهوائي، سعتها 133 ألف متر مكعب، وهذه تستقبل يومية فضلات المجاري الناتجة عن المواطنين، وفي خلال ساعات معدودة يجري كل شيء.. فالمياه تعالج.. والبيوجاز ينطلق، ليستخدم مباشرة في تشغيل ماكينات تدير توربينات، لإنتاج الكهرباء، بحيث تغطي هذه المحطة العملاقة نحو 70% من احتياجات باريس من الكهرباء.. هذا بالإضافة إلى إنتاج السماد العضوي. أليست هذه التقنية، هي الخيار الذكي للتخلص من نفايات المجاري، التي طالما عدت إهانة مزرية للبيئة؟
نور القمامة الساطع
والآن.. دعنا نتساءل.. وماذا عن جبال القمامة التي تنتجها المدن والمزارع ومصانع الأغذية ومعسكرات الجيش والفنادق وغيرها؟ إن قدراً عظيماً من هذه النفايات يحتوي على مواد غذائية تبلغ نسبتها ما بين 50- 59%، كما أن هناك نسبة كبيرة من النفايات الورقية وأكوام ضخمة من العبوات البلاستيكية والعلب الصفيح وكثير من المخلفات المعدنية الأخرى. وعلي الرغم من إمكان حرق معظم هذه النفايات، فإن قدراً منها لا يمكن حرقه، أو يؤدي حرقه إلى مزيد من الأضرار بالبيئة. خذ - على سبيل المثال - المواد البلاستيكية مثل كلوريد البوليفينيل، والتي ينتج عن احتراقها حامض الهيدروكلوريك، الذي يتلف الأفران والمداخن، كما يولد أبخرة ضارة ومواد أخرى سامة. ومن ثم فإن عديداً من مصانع القمامة في البلديات، ربما تفضل تكويم النفايات في أكوام ضخمة، ترتفع حرارتها ذاتيا بفعل النمو الميكروبي.. وشيئاً فشيئاً يتحلل ما بها من مواد عضوية. الواضح إذن، أنه من الممكن حرق أجزاء كثيرة من القمامة، ومن الممكن كذلك تخميرها، ولكن استعمالاً أكثر فعالية قد يكون في تحويلها إلى غاز حيوي وسماد. وبالفعل، فقد نجح الباحثون في جامعة مانثستر البريطانية في إنتاج البيوجاز من قمامة مصانع الأغذية. وفي تطور آخر جديد، يتوصل الخبراء- على مستوى الشركات الأوربية والأمريكية الكبرى- إلى نظام لتحرير البيوجاز من جميع أنواع القمامة، ومن مخلفات الصناعة العضوية المختلفة. وطريقتهم تشتمل على عدة مراحل.. تبدأ بفرز الأجزاء المعدنية عن القمامة، ثم طحن مبدئي لباقي المكونات.. وهنا تؤخذ المواد القابلة للتحلل إلى أحواض التخمر اللاهوائي (مرحلة التفاعل الهضمي)، وهي التي ينتج عنها الغاز الحيوي المنتظر، كنتيجة طبيعية لنشاط الميكروبات. وتذكر الإحصاءات، أن إنتاجية الغاز تصل إلى نحو 140 متراً مكعبة للطن الخام الواحد من القمامة. هذا علاوة على إنتاج نوع ممتاز من السماد العضوي.
ثم ماذا؟
والآن.. ألست ترى معي أن مثل هذه التقنيات المدهشة، التي تسخر فيها الكائنات الدقيقة، لتهدم جبال النفايات والفضلات، ثم تحولها من مظهر مهين للبيئة إلى ضرورة حضارية، فتنير مدناً وتقيم مصانع وتخصب أراضي وتعمر الحياة.. أقول: ألست ترى أن مثل هذه التقنيات الحيوية الباهرة، جديرة بأن تعرض أمامنا للتداول، وجديرة بأن تلقى منا ومن صانعي القرار في عالمنا العربي، مزيداً من الاهتمام.. والاهتمام أيضاً.
فوزي عبدالقادر الفيشاوي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق