الأحد، 18 أغسطس 2013

• مستقبل الطاقة.. من الغذاء أم من القمامة؟

·       من المؤكد أنه لم يخطر ببال أمير الشعراء «أحمد شوقي» أو سيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، حين كتب الأول وتغنت الثانية بالقصيدة التي جاء شطر أحد أبياتها يقول: «ومن السموم الناقعات دواء» أن يدور الزمن لينصرف المعنى إلى ما نقصده في هذه السطور

·       قررت شركة ألبان سويدية استخدام الطاقة المنبعثة من غليان اللبن في تدفئة قلعة أثرية في جنوب غرب السويد، وقال عدد من العلماء إن هذه الفكرة غير المسبوقة تُعد خطوة مهمة في الحد من التلوث البيئي وتقليل نسبة الانبعاث الحراري
يبدو أن العالم مقبل على حقبة جديدة في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة، من خلال إنتاجها من غذاء الإنسان، كالحليب والقمح والأرز والذرة والفجـل، بالإضافة إلى الطحالب والفحم الأخضر وغيره، فقد أبدى الباحثون في علوم البيئة إعجابهم بالمصدر الجديد للطاقة صديقة البيئة، ودعوا إلى تعميمه قدر الإمكان، كونه مصدرًا نظيفًا. ولعل هذا ما يفسر سر ارتفاع أسعار تلك السلع عالميًّا، وهي التــي تُعد قوتًا وغذاء للفقراء في أغلب دول العالم.
من المؤكد أنه لم يخطر ببال أمير الشعراء «أحمد شوقي» أو سيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، حين كتب الأول وتغنت الثانية بالقصيدة التي جاء شطر أحد أبياتها يقول: «ومن السموم الناقعات دواء» أن يدور الزمن لينصرف المعنى إلى ما نقصده في هذه السطور؛ فالنفايات والقمامة، بما تسببه من أمراض خطيرة ومشكلات بيئية، بات من الممكن التعامل معها باعتبارها مصدرًا للطاقة المتجددة النظيفة. صحيح أن محاولة الاستفادة من النفايات تعود إلى نحو ثلاثة عقود مضت، لكن الجديد أن ثمة خططًا مستقبلية تتطلع للتعامل مع أكوام القمامة في كل مكان باعتبارها «ذهبا مموها» إن جاز الوصف لصعوبة تحديد لون معين لتلك التلال التي تشمل أنواعًا شتى من المخلفات.
من هنا تأتي أهمية تثمين النفايات باعتبارها مصدرًا هائلاً لغاز الميثان، الذي يمكن استثماره بسهولة في توليد كهرباء رخيصة، والأهم أن ذلك يقلل من الأضرار البيئية في جانبين: الأول حين يتم التخلص من النفايات، والثاني عند استخدام الميثان على هذا النحو الإيجابي؛ فالبديل أن ينافس غاز ثاني أكسيد الكربون في مضاعفة مخاطر الاحتباس الحراري.
في مقابل ارتفاع أسعار النفط عالميًّا والتكلفة الباهظة للبيئة التحتية لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وتواضع مساهمة أنواع أخرى من الطاقة كالشمس والرياح وغيرهما، نجد أن مزيدًا من الاعتماد على النفايات التي وصل حجمها عالميًّا إلى 1.6 مليار طن، ما يعني أن الإنسان امتلك مصدرًا للطاقة النظيفة يمكن أن يساهم - حال مضاعفة مشروعاته – في تخفيف مظاهر أزمة الطاقة. غير أن توسيع خطط استثمار النفايات في هذا الاتجاه يبقى مرهونا بتطوير تقنيات توظف ناتج الطاقة على أكثر من صعيد؛ فإذا كان إنتاج كهرباء للأغراض المنزلية هو الخيار الذي يتم الاستثمار فيه حتى الآن، فإن استخدام غاز الميثان في وسائل النقل يكون بمنزلة هدف مستقبلي يمكن التعويل على آثاره البيئية والاقتصادية الطيبة في آن معًا.
بينما يتبنى البعض هذه الرؤية المتفائلة لمستقبل الاعتماد على الميثان الناتج من النفايات، فإن ثمة اتجاهاً آخر يرى فيه بديلاً آمنًا ونظيفًا للطاقة، إلا أن النظر إلى القمامة باعتبارها مصدرًا متجددًا لموارد الطاقة يدخل دائرة التحفظ. أصحاب الاتجاه الثاني يشيرون إلى أن خفض معدل النفايات يجب أن يكون هدفًا دائمًا للبشرية، وأن إغراء استثمار الميثان لا يعني أن تحيد خطط الصحة العامة والعناية بالبيئة عن جهود تقليل حجم أكوام القمامة، بكل ما تمثله من مخاطر صحية وبيئية، كما أنه قد يعطل خطط التدوير لأغراض صناعية!
إن من يمثلون هذا الاتجاه محقون في تحفظاتهم إلى حد بعيد، لأن إنتاج الميثان بكميات تجارية تؤمن ضخ الغاز بما يضمن استمرار عمل محطات الكهرباء، عملية تفترض ضرورة وجود كميات هائلة من النفايات التي تم «تخميرها» منذ زمن، واستمرارية وتواصل هذه العملية يتطلب تفاعلا قد يستغرق عدة أعوام!
مفارقة قد لا تنفي أهمية إنتاج وقود نظيف «من السموم الناقعات» شرط خفض الآثار السلبية عبر حلول تقنية مبتكرة توازن بين وجهين للعملة: أحدهما له بريق الذهب، والآخر يحمل رسمًا شهيرًا لجمجمة وعظمتين.
الطاقة المستقبلية
يبدو أن العالم مقبل على حقبة جديدة في مجال تقنيات إنتاج الطاقة النظيفة من خلال حرق الفحم، ويبدو أن عملية تحويل الفحم إلى طاقة كهربية يجب بالضرورة ألا تكون كابوسًا بالنسبة للبيئة؛ إذ إن تلال وأكوام الفحم المميزة بلونها الأسود الكريه سوف تشكل مستقبل الطاقة في العالم خلال المستقبل القريب، هذا ما تنبأت به هيئة الطاقة الأمريكية. فمن المتوقع في عام 2030 أن يصل استهلاك العالم من الوقود الحيوي – باعتباره المصدر الرئيسي لغازات الصوبة حول كوكب الأرض – إلى نحو 106 بلايين طن سنويًّا بما يعادل ضعف ما كان عليه معدل حرق الوقود الأحفوري في عام 2003، ولكن السيطرة المتزايدة للفحم كمصدر لتوليد الكهرباء – كما يقول مايك ماد، المدير السابق للتنمية التكنولوجية بإدارة القوى الكهربية في الولايات المتحدة الأمريكية – ليست في حاجة لانحسار المستقبل المشئوم للبيئة.
من المعروف أن الفحم في أي مكان بالعالم يحتوي على الكربون بنسبة تتراوح ما بين 25 و90 في المائة. ويميل هذا الكربون للاتحاد بالأكسجين عندما يحترق ويطلق كمية من الطاقة، ويخرج نتيجة لهذه العملية مجموعة من المواد الكيميائية الضارة بصحة الإنسان من أهمها ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والزئبق. ومن الممكن الآن استخدام الكربون الموجود بالفحم في انتزاع الأكسجين من الماء منتجًا غاز هيدروجين نظيفا مشتعلا، وسوف يقوم مشروع الطاقة المستقبلية بتحرير ذرات الهيدروجين بالتسخين الهادئ للفحم الأرضي في ضغط عال وبيئة يتوافر بها الأكسجين النقي في عملية تعرف باسم «التغييز» ليقوم بعدها تربين غاز الهيدروجين الناتج لإنتاج الكهرباء.
أما بالنسبة للانبعاثات الناتجة، فسيقوم المشروع بضخ غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الفحم تحت سطح الأرض، في حين يتم تحويل الملوثات الأخرى إلى مواد صلبة خاملة يتم دفنها تحت الأرض. ويتخذ المشروع الأمريكي للطاقة المستقبلية من عملية «التغييز» مرحلة انطلاق للأمام بحرق الهيدروجين وحده من خليط الغاز المشيد، ويتحد غاز أول أكسيد الكربون مع البخار لإنتاج كمية إضافية من الهيدروجين بجانب أكسيد الكربون الذي سيتم ضخه في باطن الأرض على عمق يتراوح بين 2700 و16 ألف قدم في خزانات من المياه المالحة. ويسعى المشروع إلى إحداث انخفاض ملحوظ في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، لكي تصبح نموذجًا يحتذى بالنسبة لجميع مشروعات إنتاج الطاقة الكهربية بحرق الفحم، ويصبح على الحكومة الفيدرالية أن تضع حدودًا لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون تطبق في مشروعات إنتاج الطاقة بالولايات المتحدة، وتماثل تلك التي تطبق في المناطق الأخرى من العالم، خاصة في كندا وأوربا. ويتفق الخبراء على أن فكرة «حبس الكربون» أقل من أن تكون حلاً طويل الأمد، لكنها أقرب إلى أن تكون دفعة جديدة لحملة لفصل الكربون يمكن تنفيذها عبر فترة زمنية طويلة تتراوح بين 50 و100 سنة، ويبدو أنه لا مفر من تنفيذها حتى يلوح في الأفق خيار آخر بجانب حرق الفحم.
الحليب والفجل بديلاً للفحم
أبدى الباحثون في علوم البيئة إعجابهم بمصدر جديد للطاقة صديقة البيئة، ودعوا إلى تعميمه قدر الإمكان كونه مصدرًا نظيفًا. هذا المصدر هو الحليب، حيث قررت شركة ألبان سويدية استخدام الطاقة المنبعثة من غليان اللبن في تدفئة قلعة أثرية في جنوب غرب السويد، وقال عدد من العلماء إن هذه الفكرة غير المسبوقة تُعد خطوة مهمة في الحد من التلوث البيئي وتقليل نسبة الانبعاث الحراري.
من المنتظر أن يتم خلال أسابيع قليلة استخدام الحرارة الناتجة عن غليان حليب 1100 بقرة في تدفئة صالة جمانيزيوم وورشة وجناح سكني يضم خمسين حجرة، ومن المتوقع أن تتم إضافة مبان أخرى تباعًا.
استغرقت المناقشات فترة طويلة لاختيار أفضل أنظمة الطاقة لاستخدامها في القلعة بديلاً عن الوقود التقليدي بما يسببه من تلوث، واستقر الأمر في النهاية على قبول تلك الفكرة الجديدة من نوعها. ومن جانبه، يشير لينارت ينجستون، المدير التنفيذي لشركة الألبان، إلى أن هذا يأتي في إطار البحث عن نظام طاقة نظيفة، ويرى أن الألبان كفيلة بتوفيره، حيث لوحظ انبعاث حرارة شديدة من غليان اللبن لضمان الاحتفاظ به طازجًا لأطول وقت، ومن هنا جاءت الفكرة باستخدام تلك الطاقة بدلاً من إهدارها. وقد عد البعض أن الخبر مجرد مزحة، لكن المناقشات العلمية أكدت أن مثل هذه الفكرة تُعد بالفعل حلاً لمشكلة التلوث حال استخدام النظام التقليدي المعتمد على البترول أو الفحم.
من ناحية أخرى، اكتشف البروفيسور الكسندر كليبانوف، الأستاذ بمعهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا بولاية بوسطن الأمريكية، طريقة جديدة وبسيطة يمكن بها تنقية المياه الملوثة بمخلفات المعامل والمصانع للاستفادة منها في مياه الري أو الاستخدامات الصناعية التي تحتاج إلى كميات هائلة من الماء أو في الشرب.
طريقة «كليبانوف» بسيطة لا يحتاج فيها المرء إلا إلى بعض جذور الفجل الحار، حيث تقطع وتهرس جيدًا بواسطة خلاط كهربائي مع قليل من الماء، بعدها يرشح المزيج ويؤخذ العصير أو السائل الأبيض المستخلص من جذور الفجل، ويضاف إلى المياه الملوثة المطلوب تنقيتها بعد إضافة بعض قطرات من محلول «بيروكسيد الهيدروجين»، وما هي إلا ساعات قليلة حتى يتحول الماء الملوث العكر إلى ماء نقي صاف وراق أشبه في شفافيته بزجاج الكريستال.
الفكرة العلمية وراء هذه الطريقة بسيطة للغاية؛ فجذور نبات الفجل مثلها مثل كثير من النباتات الأخرى وبعض الكائنات الحية الدقيقة والطحالب تحتوي على كميات كبيرة من خميرة معينة (أنزيم) تعرف باسم خميرة «البيروكسيداز» Peroxidase وعند إضافة قليل من محلول «بيروكسيد الهيدروجين» إلى هذه الخميرة، كما فعل كليبانوف، يحدث تفاعل كيماوي نشط يكون من نتيجته توليد ما يعرف باسم الأصول الحرة Free Radicals، وهي عبارة عن أجزاء كيماوية نشطة جدًا سرعان ما تتفاعل مع جزيئات المواد الملوثة لتحطمها وتكسرها، وتحولها إلى مادة مترسبة تترسب في القاع، وبذا يتخلص الماء منها، وتجعله نقيًّا شفافًا وصالحًا للشرب أو أي استعمالات أخرى.
لقد ثبت نجاح هذه الطريقة في إزالة عدد كبير من مركبات «الفينول» الكيماوية، وكذا مركبات «الأمينات العطرية» وكلا النوعين من أشد السموم البيئية على حياة الإنسان والحيوان، ويقول كليبانوف إن طريقته البسيطة هذه أثبتت فعالية كبيرة مع عدد آخر من الملوثات الكيماوية، لذا فهو يأمل أن تتحول هذه الطريقة إلى نطاق تجاري واسع حتى يمكن الاستفادة من الكميات الهائلة من المياه المهدرة بسبب ما تحتويه من ملوثات مؤذية للإنسان ولجميع صنوف الحياة من حوله.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق