تقدر نسبة انتشار الأمراض
الوراثية غير القابلة للشفاء بين البشر بحوالي واحد من كل ستة آلاف شخص. وبما أنها
غير قابلة للشفاء في ظل المعطيات العلاجية المتوافرة حتى الآن يبذل الأطباء
والباحثون جهودًا متواصلة للحد من انتشار تلك الأمراض ومنع انتقالها.
وفي هذا السياق أعلن عن توصل
فريق من الباحثين إلى تقنية جديدة يمكن أن تساعد في الوقاية من بعض تلك الأمراض.
تعتمد التقنية الجديدة على
نقل الـ DNA النووي سليمًا من خلايا تحمل متقدرات (جسيمات
ميتوكوندرية mitochondria (متغيرة أو مصابة بطفرات. والمتقدرات هي
العضيّات المنتجة للطاقة داخل الخلايا ويشار إليها عادة بالبطاريات الخلوية. وهناك
أمراض وراثية عديدة ومتنوعة تحدث بسبب تلك الطفرات في المتقدرات, ومنها على سبيل
المثال: السكري والصمم وأمراض أخرى تؤثر على الجهاز العصبي والقلب والعضلات.
الجدير بالذكر أن المتقدرات
هي العضيّات الوحيدة داخل الخلايا الحيوانية التي تملك مادتها الوراثية الخاصة
التي تكون عبارة عن صبغي(كروموزوم) دائري صغير يحوي 37 مورثة وهي مستقلة ومختلفة
عن المادة الوراثية النووية)DNA النووي) وأهم أوجه الاختلاف
بينهما هو أن الـDNA النووي يأتي من كل من الأب والأم, أما الـDNA المتقدري ـ سواء كان سليمًا أو طافرًا ـ فهو
يورّث فقط عن طريق الأم.
وبالعودة للتقنية الجديدة
التي نشرت تفاصيلها للمرة الأولى في دورية الطبيعة Nature , في أبريل 2010 فيمكن تلخيصها
بأنها عبارة عن نقل Nature DNA نووي من أجنة بشرية ذات متقدرات مريضة إلى أجنة
ذات بطاريات خلوية (متقدرات) سليمة.
ونقلت الدورية عن دوغلاس
ترنبل Douglass Turnbull طبيب الأعصاب في جامعة نيوكاستل في بريطانيا
ورئيس الفريق الذي قام بالدراسة قوله: "لاحظنا أن الأمراض المستهدفة غير
قابلة للشفاء ضمن الإمكانيات الطبية الحالية ولذلك فقد حولنا اهتمامنا إلى استكشاف
إمكانية الوقاية منها ومنع انتقالها".
وحسب ما كتبته الدورية
الشهيرة فقد انطلق الباحثون من دراسة نشرت في سبتمبر 2009 وأظهرت أن نقل الـ DNA النووي من بيضة قرد ريزوس إلى أم يمكن أن يعزل
بشكل فعال المعلومات الوراثية الرئيسية المحتواة في النوى عن المتقدرات المريضة
وقد أثمرت التجربة في حينها قردين طفلين سليمين. وما قام به ترنبل وفريقه هو أنهم
طبقوا تلك العملية على البشر ولكنهم لم يستخدموا البيوض بل الأجنة البشرية التي
تتكون أثناء المعالجات المخصّبة للمصابين بالعقم, وتحديدًا تلك الأجنة غير القابلة
للحياة التي لُقّحت بواسطة نطفتين أو بواسطة نطفة لا تحمل الـ DNA, أي أنها لا تستطيع أن تتطور
بشكل مناسب, ويتم عادة التخلص منها.
وقد اختار الباحثون الأجنة
بعد مرور حوالي 10 - 12 ساعة على التخصيب أي قبل أن يندمج الـ DNA النووي من البيضة والنطفة, وفي هذه المرحلة
يتوضع الـ DNA في بنى تسمى طلائع النوى pronuclei. وعندما انتزع الباحثون طلائع
النوى من جنين ونقلوها إلى جنين آخر انتزع منه الـ DNA النووي تبين لهم في الاختبارات التي أجروها أن
الـDNA المتقدرية لم تخضع للنقل في الوقت نفسه مع
طلائع النوى ففكروا في إمكانية أن يستخدموا التقنية لنقل الـ DNA النووي من جنين تحمل أمه متقدرات مريضة إلى
جنين آخر ذي بطاريات (متقدرات) سليمة.
من جهته، اعتبر شاوكرت
ميتاليبوف Shoukhrat Mitalipov عالم البيولوجيا التطورية في جامعة أوريغون
للعلم والصحة في بيفرتون ورئيس الفريق الذي أنجز تجربة 2009 على القرود - اعتبر
تعليقًا على التقنية الجديدة - أن لكل من تقنيتي نقل البيضة ونقل الجنين نقاط قوة
ونقاط ضعف. فنقل الـDNA في الأجنة أمر صعب تقنيًا -
حسب ميتاليبوف - لأن طلائع النوى كبيرة, كما أن صعوبة نقل حزم كبيرة من د. ن. أ DNA يمكن أن تحدّ من كفاءة
التقنية. ومن جهة أخرى غالبًا ما تكون الأجنة الزائدة التي تنشأ أثناء المعالجات
المخصّبة مجمّدة من أجل الخزن تمامًا في المرحلة التي تستخدم في هذه التقنية, لذلك
يمكن أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الأجنة الواهبة التي يستطيع الناس ذوو الأمراض
المتقدرية أن يأخذوا منها. وإذ اعترف ميتاليبوف بأن تقنية البيضة أسهل وأسلم
لكونها لا تستلزم تخريب الجنين فقد أخذ عليها أنها تتطلب بيوضًا تؤخذ بشكل حي
وطازج من معط ٍ مأجور.
لم يتردد ترنبل في الموافقة
على كلام ميتاليبوف السابق, وأضاف: "إن أمامنا المزيد من العمل
الواجب إنجازه قبل أن نتمكن من مقاربة العديد من الأسئلة حول الأمان والفعالية,
ومحاولة الإجابة عنها, وبالتالي قبل أن تصبح إحدى التقنيتين - أو كلتاهما - متاحة
للاستخدام السريري في الممارسة العملية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق