الأربعاء، 11 فبراير 2015

• إلى طغاة العالم "الشابي" المدرسة الابتداعية "الرومانسية"

الشاعر ..
هو أبو القاسم الشابي، نسبة إلى "الشابيّة، وهي إحدى ضواحي "توزر" في الجنوب التونسيّ، ولد عام 1909 ، تعلّم في الكتاتيب الشعبية، وتخرّج من جامعة الزيتونة في الحقوق، عانى خلال حياته القصيرة مرارة اليتم ووطأة المرض، وتوفي في ريعان الشباب عام 1034، وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

اطّلع على الأدب القديم، وخاصة الشعر الصوفي، وكان شديد التأثّر بالأدب المهجري، ولاسيما أدب جبران، كما كانت له صلة بالأدب الأوربي المترجم وبمجلة (ابولو)المصرية، التي جنحت إلى التجديد في الشعر العربي الحديث، ولعله الشاعر العربيّ الوحيد من أقطار المغرب العربيّ الذي تبوّأ عرش الشهرة في أرجاء الوطن العربيّ الكبير.
شعره وجداني رومانسي ثائر، تمرّد فيه على الاستبداد والموت، وتغنى بالحرية وتمجيد الشعب، وقد جمعت أشعاره في ديوان (أغاني الحياة) وترجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية. ومن مؤلّفاته النثرية: "الخيال الشعري عند العرب" و "مذكّرات الشابي" و "إلمامة عن الأدب العربي في العصر الحاضر".

الفكرة المحورية لنصّ إلى طغاة العالم:
سخط الشاعر على المستعمر، وتأكيده على أن الشعب سينتصر على الظالم المستبد.وقد عبر الشاعر عن هذه الفكرة من خلال الأفكار الجزئية التالية:
آ ـ ملامح المستعمر الظالم المستبد ولم يخصص ظالماً بعينه ومن هنا جاءت التسمية إلى طغاة العالم، يشيع الموت من حوله، فيسفح دم الشعب، ويستهزئ بأنينه، ويشوّه براءة الحياة وطهرها وجمالها بما يرتكب من مظالم.
ب ـ التهديد والوعيد.. إنه يستشفّ الثورة الكامنة، كما تكمن الرعود والبروق والعواصف في فصل الربيع، فلا ينبغي للمستبدّ أن يغترّ بما ينعم به من ربيع، وبما يراه من هدوء ظاهر. فالمستعمر الذي زرع شوك الأسى سيجني الجراح.
ج ـ مآل الظلم وعاقبة الاستبداد، والشاعر شاهد على الظلم، وإنه يرى زوال الظلم من خلال همجيته واغتياله للبشر والطبيعة، لأنه سيغرق بنفس الدماء التي أسالها.
وإذا كان ثمة عبرة يمكننا أن نستفيد منها في هذا النصّ، فهي أن الشعراء النهضويين كانوا قد أجمعوا على أن الشعوب قادرة على تحقيق النصر مهما كانت المتاعب والآلام، وذلك ما التمسناه من ثقة الشاعر بالشعب، ويقينه المطلق بانتصاره، ويكفينا في هذه العجالة أن نتذكّر بيتيه المشهورين:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
كذلك قـالت لي الـكائنات وحدّثني روحها المستتر
ولا بدّ لنا هنا أن نتساءل عن الكائنات التي أوردها الشاعر بيته الثاني، سيما إذا ربطنا بين مواقفه الفكرية واتّجاهه الرومانسي لنكتشف أن العناصر ليست إلاّ الريح والمطر والأرض والفصول، بمعنى آخر هي الطبيعة التي ستكون رصيد الإنسان في إنسانيته، وستكون إلى جانبه، لأن الطبيعة دائماً لعبت دوراً إحيائياً، على العكس من عالم الظلم والظلام، ومن هنا فإن رموزه في البيت التالي ستكون واضحة:
ففي الأفق الرحب هول الظلام وقصف الرعود وعصف الرياح
فعناصر الطبيعة من رعد ورياح ستقف إلى جانب الإنسان في ثورته، والربيع الذي يراه المستعمر، ليس إلاّ لحظة مؤقتة، لأنه سرعان ما سيتحوّل إلى صواعق تحرّق المستعمر، كردّ طبيعيّ على من يزرع الشوك بدلاً من الزهور الجميلة، وشتان ما بين الزارعين؟
وإذا كان لابدّ من تناول الجانب الفنّي في هذا النصّ، فإنه ينبغي التطرّق أوّلاً إلى الوحدة العضوية، فالنصّ يترابط ويتكاثف عبر أفكاره الجزئية في خطاب واحد اتّجه فيه إلى المستعمر، وسنوضح ذلك لاحقاً من خلال التصوير الجزئي والكلّي.
سمات الأفكار:
ـ الجدة والابتكار. ـ التسلسل المنطقي. ـ قوة المنطق والقدرة على الإقناع.
ـ التصوير من خلال الوجدان. ـ إنسانية الطابع.
ملامح المدرسة الرومانسية في القصيدة:
ـ الذاتية وعمق معاناة الشاعر وصدق تجربته في الحياة.
ـ الاهتمام الفائق بالخيال الذي يعكس ولع الشاعر بالطبيعة.
ـ اللغة المستمدة من مفردات الطبيعة.
ـ شيوع نغمة الأسى والحزن، فالشاعر يبدو متألماً ساخطاً على المستعمر.
ـ تنويع القافية. ـ الوحدة العضوية. ـ النزعة الإنسانية.
العاطفة:
وطنية إنسانية تقطر حزناً لما أصاب الشعب، ولكنها، غاضبة وساخطة، وواثقة بقدرات الشعب على سحق الغاصب وتحقيق النصر.
البناء التعبيري:
1
ـ أدوات الخطاب: يخاطب الشاعر المستعمر المستبد الغاصب، مستخدماً الأدوات التالية:
ـ ألا: الاستفتاحية. للإثارة والانتباه. أيها: للنداء
ـ (كاف) الخطاب: كفّك، رويدك، يخدعنك، يجرفك، يأكلك.
ـ تاء المخاطبة: أنت، سرت، سخرت، حصدت..
ـ الأمر: تأمل، واسم فعل الأمر: رويدك، حذار
2
ـ أساليب الخبر والإنشاء، بغرض التهديد والوعيد، والتهويل، والتحقير..
ومن الأساليب الإنشائية:
أيها الظالم المستبد: نداء غرضه التحقير والذم والسخط
رويدك: وحذار : أمر غرضهما التحذير والوعيد.
تأمّل : أمر غرضه التوبيخ والتقريع.
لا يخدعنك : نهي غرضه التهديد والوعيد والسخرية.
أنى حصدت : استفهام غرضه الانكار.
أما الجمل الخبرية، فغالباً ما تأتي أغراضها، للإنكار والتهديد والوعيد وتبيان هول العاقبة، ومنها:
سخرت بأنات شعب.. كفّك مخضوبة من دماه.. سرت تشوّه سحر الوجود.. تبذر شوك الأسى وأغراضها التحقير وتبيان همجية المستبد.
ففي الأفق الرحب هول الظلام.. غرضه التهديد بهول العاقبة
من يبذر الشوك يجن الجراح.. غرضه التهديد وتبيان سوء العاقبة.
سيجرفك السيل.. ويأكلك العاصف المشتعل.. غرضهما التهديد بعنف المحاسبة وهول العاقبة.
وقد ساعدت هذه الأساليب جميعاً في توجيه الخطاب وعرض القضية.
2
ـ الرمز والإيحاء:
ونلحظ من خلال الأبيات شفافية الألفاظ وسهولة الأسلوب، وتعدد الرموز وتنوّع الدلالات:
السيل: رمز لقوّة الشعب وفاعلية المقاومة.
الشوك: رمز لمعاناة الشعوب مما يعترض نهضتها من دسائس.
الوجود:رمز الحياة الواسعة التي تسودها الحرية.
الزهور: رمز الشباب والمستقبل والحياة الهانئة.
حبيب الظلام: الظلام هنا رمز للتخلف والجهل والاستعباد والقهر.
هول الظلام: والظلام هنا رمز لقوّة الثورة التي تفقد المستعمر الرؤية.
الربيع: رمز القوّة والغرور والهيمنة من جهة المستعمر.
مخضوبة: رمز لسادية المستعمر. والسادية هنا بمعنى حبّ إيقاع الأذى بالآخرين. وعكسها المازوشية، وهي حبّ تعذيب النفس.
الربا: وتوحي بوضوح الجريمة، وبشاعتها واتّساع نطاقها.
تأمل: توحي بطيش المستعمر.
هنالك: وتوحي باتساع رقعة العدوان.
ثمل: توحي بالامتلاء والنشوة.
3
ـ أثر العاطفة في التعبير:
لقد تأثرت البنية التعبيرية بعاطفة الشاعر إلى حدّ كبير، وقد عبّرت بمختلف مستوياتها عما يريد إيصاله للقارئ، ومنها:
ـ الألفاظ المشحونة بالكآبة: الدمع، الدمّ، الجراح، أنّات، الأسى..
ـ البغض والاحتقار والتوبيخ: الظالم، المستبد، حبيب الظلام، عدوّ الحياة..
ـ مظاهر الرعب: هول الظلام، قصف الرعود، عصف الرياح، سيجرفك السيل، يأكلك العاصف المشتعل.
4
ـ المحسنات البديعية:
حبيب ـ عدوّ طباق، يوحي بحرص الطغاة على تخريب العالم وتدمير الحياة.
قصف ـ عصف جناس، يمنح النصّ موسيقى صاخبة ورنين قويّ..
الدم ـ الدمع جناس، تعبير عن رنة الأسى..
الظالم ـ الظلام جناس، يوحي بأن الظالم خطّ نهايته بيده، بالإضافة إلى وقعه الخاص.
البناء التصويري:
1
ـ التصوير الجزئي:
أ ـ التشبيه: ومنه التشبيه البليغ من نوع إضافة المشبه به إلى المشبه: شوك الأسى، سحر الوجود، زهور الأمل، سيل الدماء..
التشبيه الضمني في البيتين الرابع والخامس وصدر السادس، وهو هنا دليل مادي محسوس على إمكان قيام الثورة الشعبية.
ب ـ الكناية:
ـ سخرت بأنات شعب كناية عن تحجّر المشاعر.
ـ كفّك مخضوبة كناية عن كثرة إراقة الدماء وقسوة القلوب.
ـ صحو الفضاء كناية عن مواتاة الظروف
والكنايات جميعاً توحي بعرض الحقيقة مصحوبة بدليلها، وهي تقدّم المعاني في صورة محسوسة.
ج ـ الاستعارة : لتوضيح الفكرة وإبراز العاطفة.
ـ الاستعارة التصريحية: (الظلام): استعارة للتخلّف والغدر والظلم.
(
الحياة) استعارة للكرامة والحرية.
(
زهور الأمل) استعارة للشباب والغد المشرق.
ـ الاستعارة المكنية: (حصدت رؤوس الورى) شبه رؤوس البشر بالزرع القابل للحصاد
(
قلب التراب) تشبيه التراب بكائن حيّ له قلب..
(
أشربته الدمع حتى ثمل) تشخيص التراب وإبرازه في صورة إنسان
نشوان، وتوحي بأن دماء الشهداء وقود للثورة، والخلاص.
ـ الاستعارة التمثيلية: (من يزرع الشوك يجن الجراح) تشبيه حالة المستعمر الذي يقدّم الشرّ
لا يجد جزاء له إلاّ الشرّ، بهيئة من يبذر شوكاً فلا يصيبه حين حصاده إلاّ الجراح.
2
ـ التصوير الكلّي:
وتتشكّل القصيدة ثلاث صور شعرية كلية لتمثّل لوحة فنية متكاملة هي:
آ ـ صورة المستعمر الطاغية:
عناصرها: تبرز المستعمر كإنسان ظالم متحجّر المشاعر، تقطر يداه دماً، يشوّه معالم الحياة،
وينشر الخراب والدمار..
خطوطها: تبرز ألواناً تثير في النفس الكآبة والحزن: مخضوبة، الظلام، الشوك.
وأصواتاً حزينة تبعث على الأسى والحسرة: أنات، سخرت.
وحركة للمستعمر تبرز قسوته وجبروته: سرت، تبذر.
ب ـ صورة الشعب الهادئ المستكين المتربص للثورة..
عناصرها: الثورة كامنة في صفوف الشعب، كما تكمن البروق والرعود والعواصف في
الأفق. وكما تكمن النار تحت الرماد، والهدوء الظاهر ربيع كاذب..
خطوطها: تبرز ألواناً صاخبة: الشمس المشرقة والجوّ الصاحي، الظلمة المختبئة خلفهما.
الصوت في قصف الرعود وعصف الرياح الرياح.. في دلالة على الثورة..
الحركة وتبرز في حركة السحب المفاجئة، واشتعال الجمر تحت الرماد.. في دلالة
على الاستيقاظ العاصف.
ج ـ صورة المستعمر وهو يلقى جزاءه العادل على ما جنته يداه..
عناصرها: عاقبة المستبد الظالم الذي ملأ الأرض بشروره دماً ودموعاً، أن تجرفه هذه الدماء
وتجتاحه كما السيل أو الريح الصرصر.
خطوطها: اللون، يبرز البشر على هيئة حقل من نبات وزهور، يحصدها المستعمر، فتسيل
الدماء الحمراء القانية والدموع فوق الأرض
الصوت، ويبرز في صوت السيل والرياح العاصفة.
الحركة ، وتبرز من خلال عملية الحصاد أو قطع رؤوس البشر، الأرض الشبيهة
بالوحش النهم، بالإضافة إلى حركة السيل والرياح
تتعالق هذه الخطوط جميعاً لترسم لنا لوحة فنية مرتبطة الأجزاء ارتباطاً عضوياً بين الفكر والوجدان، فلا نرى في أبياتها نفوراً، ولا في معانيها تشتّتاً، وإنما كلّ بيت في النصّ هو عبارة عن لبنة تنضاف إلى نسيج النصّ، فيتشكّل كلاً موحداً عاكساً في الوقت نفسه: البنية النفسية والفكرية للشاعر في هذه القصيدة.
البناء الموسقي:
1
ـ الموسيقا الخارجية: (الوزن والقافية)
البحر: المتقارب، ووزنه (فعولن فعولن فعولن فعولن) ، الرويّ فيها متنوع ساكن: الهاء،ويلبي حاجة الشاعر إلى الشكوى والألم،بـ (الآه). الحاء، وتثير الإحساس بالحسرة المكبوتة والحرقة الكامنة، وأخيراً اللام المعبّرة عن حزم وجزم..
2
ـ الموسيقا الداخلية، وتتحقق عن طريق:
ـ التكرار المكثّف للحرف والكلمات: تكرار السين والتاء والراء في البيت الثالث، والسين في البيت الأخير: سيجرفك السيل سيل الدماء.
ـ حسن التقسيم كما في عجز البيت الأوّل: حبيب الظلام عدوّ الحياة، والأبيات:4،5،7.
ـ الترصيع، أو التقفية الداخلية، كما في البيت الرابع: رويدك، لا يخدعنك، والتاسع: سيجرفك، ويأكلك..
ـ تجانس الوزن الصرفي لبعض كلمات البيت الشعريّ: صحو، ضوء، هول، قصف،عصف
رؤوس،زهور.
ـ حسن استخدام المحسّنات، ولا سيما الجناس المتلائم مع حركة بنية الإيقاع الذاهب في الارتفاع أو الهبوط.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق