لعله من أبرز الشخصيات
المبدعة والنجوم الساطعة فى تاريخ الأدب المصري.. إنه (عبد القادر المازنى) الشاعر
والروائى والناقد المحلل بل ورسام الشخصيات البارع الذى يجمع بين الواقعية والخيال
السخرية والفكاهة والحزن. لم يعش ببرج عاجي بل اندمج بمجتمعه وعبر عن آماله سواء
فى إبداعاته الأدبية أو مقالاته الصحفيه تاركَاَ تراثاَ سوف يظل يمجد ذاكراه.
ولد إبراهيم عبد القادر
المازني فى يوم الثلاثاء 19أغسطس 1890 بقرية (كومو مازن) بمحافظة المنوفية
وترجع جذوره إلى قبيلة بني مازن وهى من أشهر القبائل العربية بأرض الحجاز، وهاجر
فرع من هذه القبيلة إلى مصر واندمج بالسلالة المصرية لتصبح عائلة المازني مصرية
تماماَ،
وقد أتم دراسته
الابتدائية بالقرية التى كان يقطن بها, ثم التحق بالتعليم الثانوى فى التوفيقية
الخديوية ثم التحق بكلية الطب ولكنه لم يستطع الاستمرار بها حيث كان مرهف الحس ولم
يستطع تحمل مناظر التشريح وما إلى ذلك وقد كان وترك كلية الطب والتحق بكلية الحقوق
ولكنه تركها أيضا لأن مصروفاتها كثيرة ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين وقد تخرج منها
عام 1909 ليعمل فى التدريس لمدة عشر سنوات قضى منها خمسا فى مدارس الوزارة وخمساَ
فى المدارس الحرة
أبوه زير نساء وأمه
“سيدة الدنيا
كان والد عبد القادر
المازني مدرساَ للغة العربية ثم عمل محاميا شرعياَ كما كان مسئولاَ عن الشئون
الشرعية فى القصر الملكى كما كان يتسم بأنه مزواج يعشق النساء وخاصة التركيات
لجمالهن, ولأنه كان دائم السفر إلى اسطنبول أتاح له ذلك الزواج من عدد كبير من
هؤلاء النساء التركيات وقد توفي الوالد عندما كان إبراهيم فى التاسعة من العمر ,
أما عن والدة إبراهيم فعلى الرغم من أن زوجها توفي وهى تناهز الثلاثين عاماَ إلا
أنها رفضت أن تتزوج مرة أخرى وعاشت فترة كبيرة من الزمن تقدر ب32سنة باقية على
ذكرى زوجها والذى آلمها كثيراَ بكثرة زواجاته, وقد كان يصفها المازني كثيراَ بأنها
(سيدة الدنيا) حيث إن لها مواقف مشرفة ومؤثرة فى حياته؛ فقد أصرت أن يستكمل تعليمه
وذلك بعد أن اقترح أخوه الأكبر أن يترك إبراهيم دراسته ليذهب للعمل حيث أن وضعهم
المادي كان متأزماً وذلك لأن أخاه الأكبر ورث عن والده حب النساء فبدد ثروة أبيه
فى أقل من عام لتعيش أسرة المازني على الستر و الكفاف
جميع ما سبق أثر في
شخصية أديبنا حيث تعذب بعد أن بدد (أخوه الأكبر ثروة أبيهم ).. وكان ينظر إلى
المرفهين فى أسى ويقول : ما ضر لو زادت الدنيا مرفهاً مدللا آخر.. أكانت تخرب؟ ..
أكان لابد لصلاحها أن أشقى وأتعذب هذا العذاب الغليظ؟ويعترف المازني بأن أستاذه
الأول كان الفقر الذى أمده بالقوة والقدرة على الكفاح وعلمه التسامح والرفق والعطف
وإيثار الحسنى، كما عوده ضبط النفس وحبب إليه الفقراء
وكان يقول: «لو وسعني
أن أملأ الدنيا سروراً واغتباطاً لفعلت، فإني عظيم الرثاء للخلق وأحسب أن هذا
تعليل ميلي للفكاهة» وكان حلم حياته أن يربح من الكتابة مبلغاً يكفى لبناء دار
لأولاده، ولكنه لم يستطع تحقيق هذا الحلم البسيط، وظل طوال الوقت يسكن وسط المقابر
في مدافن الإمام الشافعي وذلك طلباً للعزلة ولضيق ذات اليد . وقيل إنه سقط ليلاً
فى مقبرة مفتوحة فاصطدم بالجثث مما أصابه بحالة من الفزع الرهيب . وقد دفعه الفقر
إلى العمل الدائم والدائب حيث يقول: أقوم من النوم لأكتب وآكل وأنا أفكر فيما أكتب
فألتهم لقمة وأخط سطرا أو بعض سطر وأنام فأحلم أني اهتديت إلى موضوع وأفتح عينى
فإذا بي قد نسيته وأشتاق أن ألاعب أولادى فيصدني أن الوقت ضيق لا ينفسح للعب وأن
علي أن أكتب
ولذلك فقد عاش دائم
الخوف على نفسه ودائم الخوف من الناس
يقول النقاد إنه اجتمع
الفقر مع إعاقاته الجسدية والنفسية ليجعلوا كتاباته سوداوية حيث لايرى إلا الجانب
القاتم كما كان عدميا لا تستوقفه غير النهايات؛ حيث كان الموت هو موضوعه الأثير فى
قصائد ديوانه وفى عناوين كتبه وقد غلف كل هذا بالسخرية والفكاهة لدرجة أنه قد كتب
رثاء لنفسه قال فيه:
أيهـــا الزائــر قبـري
اتل ما خط أمامـك ها هنا فاعلم عظامي ليتها كانت عظامك
المرأة والحب بحياة
المازني
لعبت المرأة دوراً
كبيراً فى حياة المازنى بدءاَ من والدته والتى كان لها دور كبير ومؤثر في حياته
حيث كانت صامدة قوية, وقد وضعها فى مرتبة (النموذج الأعلى) لما يجب ان تكون عليه
المرأة , ونرى أيضاَ أن زوجته قد أثرت في حياته وأثرت على ملامح شخصيته حيث إنه
تزوج فى عام 1910 أى بعد تخرجه بعام واحد وبعد 11 عام رحلت زوجته بشكل مفاجئ وتركت
له آلاما كبيرة وصدمة لا توصف كما تركت له ابنة اسمها (مندورة) كان يحبها إلى درجة
العشق والوله وقد تفرغ لرعايتها لمدة سبع سنوات كاملة ثم رحلت هذه البنت بشكل
مفاجئ ليدخل الرجل فى شرنقة من الحزن والشجن وكتب فى هذه الابنة الراحلة رثاء
كثيراً أدمى القلوب وفجّر أنهار الدموع
تزوج المازني بعد رحيل
ابنته وتمنى أن ينجب بنتاً أخرى إلى جانب أولاده الذكور، وقد جاءت الابنة بالفعل
ولكنها رحلت مثل أختها لتترك قلب أبيها أطلالاً. وكان المازني يؤكد أن المرأة أقوى
من الرجل بقوة حيلتها وقوة جمالها، وكان يرى الجمال روحاً وليس جسماً ورغم كثرة ما
تردد عن غزواته النسائية إلا أنه لم يقل لأي امرأة (أحبك) اعتقاداً منه بأن هذه
الكلمة سوف تجعله عبداً للمرأة التي ستسمعها منه. قد كان يستعذب التحدث عن شعوره
بالضعف والنقص أمام النساء، وكان يستعذب الحط من نفسه، وليس هذا على سبيل
(الماسوشية) أو (لذة تعذيب الذات)، ولكنه كان يفعل ذلك لأنه على ثقة من قدراته
أما عن الحب فى حياة
المازني فقد عرف الحب لأول مرة وهو فى الثالثة عشرة من عمره مع بنت الجيران فى
السيدة زينب بعد أن أنقذ لها قطتها من فوق الشجرة وأصيب نتيجة هذه المغامرة ببعض
الجروح البسيطة، وكان يجاهر بحب هذه الصبية وسط الأهل والجيران .. وعندما شب عن
الطوق راح يكثر من مغامراته النسائية حتى ولو من باب (الصيت ولا الغنى) وذلك كسلاح
جديد يؤكد به لنفسه وللآخرين أنه ليس (أقل) من غيره بل إنه يتفوق عليهم .. وقد
أحصى العقاد حبيبات المازنى ووجد أنهن 17 حبيبة
يقول:
مرَّتْ عشاءً بيَ
فتّانةٌ.. يا حُسنَها لو أنَّ حسناً يدومْ
والجوُّ ساجٍ شاحبٌ
بدرُهُ.. كأنّما أضناه طولُ الوجوم
فقلتُ يا غادةُ:
أذكرتِني .. أحلامَ عيشٍ نسختْها الهموم
أمثلُ هذا الحسنِ لمّا
يزلْ .. في عالم الشرِّ القديم العميم؟
ألم يزل (كوبيدُ) ذا
صولةٍ .. يرمي فيُدْمي كلَّ قلبٍ سليم؟
قالتْ: ومَنْ (كوبيدُ)
هذا الذي .. تذكره مقترناً بالكُلوم؟
فقلتُ: هذا ولد مولعٌ
.. بصيدِ أكبادِ الورى كالغريم
فتمتمتْ عائذةً باسمِهِ
.. من كلِّ شيطانٍ خبيث رجيم
ومن الطريف بحياة
المازني العاطفية مغامرة عجيبة تعرض لها حيث استطاع شاب اسمه عبد الحميد رضا أن
يوقع المازني فى (فخ عاطفى) عندما أعطاه رسالة ادعى أنها من فتاة اسمها (فاخرة)
وقد انطلت الحيلة على المازني وظل يتبادل الرسائل العاطفية الساخنة مع هذه السيدة
المزعومة ورغم أنه تشكك بعض الشيء إلا أنه تمادى فى هذه المغامرة حتى أخذ عبد
الحميد رضا رسائل المازني إلى إحدى المجلات ونشرها وكانت فضيحة مدوية .. ورغم هذا
فقد كان المازنى يعتبر نفسه (دونجوانا) لا يبارى وقد كتب العقاد قصيدة عن
المغامرات العاطفية مطلعها
أنت فى مصر دائم
التمهيد
بين حب عفى وحب جديد
أصدقاء المازني
أما عن الصداقة بحياة
المازنى فقد كان له أصدقاء كثيرون أمثاله كتاب ونقاد ومبدعون وكانت علاقاته بهم
متواترة فكان من أصدقائه شوقى والعقاد وعبد الرحمن شكرى وكتب ذات مرة مجموعة من
المقالات فى جريدة السياسة عن مسرحيات شوقى الشعرية وقد قسا كثيراً على شوقي وقال
عنه (قطعة متلكئة من قديم الزمن) .. كما اختلف هو والعقاد مع عبد الرحمن شكري وهاجماه
بعنف لدرجة أن المازنى وصفه بـ (صنم الألاعيب) مما دفع شكري إلى الهرب إلى
الإسكندرية ليعيش في عزلة تامة
كما أنه اشترك مع
العقاد سنة1921فى كتاب”الديوان”وهاجم فيه شعر حافظ و شوقي وهاجمه عبد الرحمن شكري
فى مقدمة الجزء الخامس من ديوانه واتهمة بالاختلاس من الشعراء الغربيين وعندما
أخرج المازنى كتاب الديوان مع العقاد هاجمه وكتب فيه فصلين بعنوان “صمم الألاعيب”
المازنى فكاهي ساخر
ولكن كان المازني قصير
القامة جداَ حيث كان طوله لا يتجاوز 150سم مما جعله أقرب إلى القزم وذلك غير أنه
كان غير مستقبم فى مشيته بسب كسر مضاعف أصاب ساقه وترك له عاهة مستديمة جعلته
(يعرج) فى مشيته مما استلزم (تفصيل حزام) بشكل معين حتى لايظهر هذا العرج بوضوح,
ولهذا لجأ لسلاح آخر وهو السخرية اللاذعة من هذه الأشياء التى يعانى منها, فكان
دائم الحديث عن تشويهاته الجسدية فى محاولة منه لمنع الآخرين من السخرية منه،
ونجده أيضاَ يصادق العقاد طويل القامة ويظل يذكر ذلك الوضع المضحك ويسخر منه فقد
كان يصف نفسه بجوار العقاد بالرقم (10), ومع كل هذه السخرية والفكاهة فقد اتسمت
كتاباته باليأس والحزن والرومانسية وكان يعزى نفسه بالتأكيد على أن الكاتب والفنان
يجب أن يكون على يقين بأنه (ناقص) وسوف يبقى كذلك ومع هذا فقد كانت السخرية الوجه
الآخر لروحه القلقة المعذبة
السياسة لا تخدم الأديب
ورغم أن المازني كان
شخصية مرحة ساخرة إلا أنه كان لديه قضيته التى يؤمن بها وهي انتماؤه وحسه الوطني
وقد اشترك مع د. محمد حسين هيكل ومحمد عبدالله عنان فى وضع كتاب اسمه (السياسة
المصرية والانقلاب الدستوري) يهاجمون فيه الحكم الديكتاتوري لصدقي باشا . رغم هذا
الحس الوطني الواعي إلا أنه لم ينجح فى استثمار السياسة كما أن السياسة لم تخدمه،
ففي الوقت الذى اختار العقاد أن يكون وفديا وأن يصبح كاتب الوفد الأول .
وقف المازني فى الجانب
الذى لا يربح حيث وقف فى خندق الأحرار الدستوريين وهو مليء بكبار المثقفين مثل
أحمد لطفى السيد – طه حسين – محمد حسين هيكل – محمود عزمى وغيرهم إضافة إلى أنه لم
يشارك فى معاركهم السياسية ورغم أنه كتب كثيراً فى جريدة (السياسة) لسان حال
الأحرار الدستوريين إلا أنه كتب فى البلاغ وهي وفدية، ولكن المحصلة أن السياسة لم
تخدمه كما خدمت العقاد وطه حسين ورغم هذا فقد كانت بعض آرائه السياسية (سابقة
للعصر) حيث كان من أوائل الذين دعوا للوحدة العربية واعتبرها ضرورة محتمة لسلامة
الشعوب العربية وأمنها وقد كتب فى عام 1935 مقالا بعنوان (القومية العربية) ..
ولذلك فإن المازني – عكس كثير من معاصريه – قد استمد شهرته من الأدب والكتابة فقط
. كما كان المازني واحداً من أهم أعمدة النهضة الثقافية العربية وأهم الأصوات التى
نادت بتجديد الثقافة العربية بتحويلها إلى عملة تنفع الناس
روائي مبدع وصحفى بارع
بدأت إبداعاته بالشعر
والصحافة حيث قرر في عام 1919 بالتوقف عن التدريس والتفرغ للعمل بالصحافة.. ولم
تكن الصحافة جديدة عليه فقد نشر مقالاته وقصائده فى العديد من الصحف منذ أن كان
طالباً فى المعلمين – وعندما عمل بالتدريس لم ينقطع عن الصحافة وواصل النشر في صحف
كثيرة مثل الدستور، الجريدة، البيان، عكاظ الأسبوعية، الأفكار، وادى النيل،
الأهالي، وقد عين محرراَ بجريدة الأخبار ثم محرراَ بجريدة “السياسة الاسبوعية” ثم
رئيساَ لتحرير جريدة السياسة اليومية ثم رئيساَ لتحرير جريدة “الاتحاد” كما انتخب
وكيلاَ لمجلس نقابة الصحفين عام1941
وقد علا نجم المازني
عندما شارك صديقيه العقاد وعبد الرحمن شكرى فى الإعلان عن مدرسة الديوان فى الشعر؛
تلك المدرسة التى قامت على مهاجمة القديم المتمثل فى شعر حافظ وشوقى، وقد ألف
المازني والعقاد كتاب (الديوان) لوضع الأسس النظرية لهذه المدرسة التى تعد ثورة فى
الشعر وتدعو إلى تنوع القوافي لتنوع الموسيقا، كما تدعو إلى أن يكون الشعر تعبيراً
عن الشاعر وأن تكون القصيدة ذات وحدة موضوعية بدلا من وحدة البيت كما يجب ألا تكون
القصيدة تقليداً أو معارضة لشاعر قديم مهما كان شأنه
تأثر المازني كثيراً
بأشعار ابن الرومى وعارضه فى بعض قصائده كما تأثر كثيراً بعدد من شعراء الغرب مثل
شيلى – بيرنز – ميلتون – هينى .. وكان دائم التطوير والتجديد فى الأفكار
والموضوعات مع الالتزام التام بالصدق فى التعبير ، وذلك على حساب الشكل الفنى والأساليب
والعبارات ، ورغم هذا فقد كان يجد صعوبة فى تطويع الشعر لأفكاره خصوصاً قوافيه
التى كانت تضطره إلى استخدام ألفاظ غريبة ومشتقات شاذة مما ألجأه إلى شرحها فى
ديوانيه الأول والثاني ويرجع ذلك إلى تمسكه باللغة التقليدية فى بداية حياته إلا
أنه كان يرى الشعر ترجمة حميمة عن النفس وكشفا عن مكنوناتها ورغم أنه قد هجر الشعر
فى سن السادسة والعشرين وهى سن صغيرة إلا أن (إنجازه الشعرى) لا يستهان به ؛ حيث
أصدر ديوانه فى ثلاثة أجزاء ، صدر الجزء الأول منها عام 1914 كما كتب العديد من
الكتب عن الشعر والشعراء مثل (شعر حافظ) ثم حصاد الهشيم – قبض الريح، وفى هذين
الكتابين دراسات عن العديد من الشعراء مثل المتنبى – ابن الرومى .. وله كتاب عن
الشاعر (بشار بن برد) .. وفي كل هذه الكتب كان يقدم دراسات نفسية واجتماعية
وتاريخية أي أنه كان يقدم العصر بكامله وكان هذا لوناً جديداً فى الدراسات الأدبية
ساهم المازني كثيرا في
تحديث الأدب المصرى والعربى وكانت السياسة التي رسمها وآخرون أن يكون الأدب
تعبيراً عن الكاتب وتصويراً لما يجول فى نفسه وعقله، والأهم أن المازني كان صاحب
أسلوب لم يستطع أحد أن يستنسخه بعد أن استطاع أن يجعل من اللهجة المصرية لغة عربية
فصيحة؛ حيث وضع علامات الإعراب على حروف هذه اللهجة وجعل من ألفاظها اللينة
الجميلة كلمات ناصعة فى معجم جديد للغة ليتكلم بها الناس كما كان حريصا على
استخدام الفصحى بعد أن جعل العامية مطية لها وخادماً فى موكبها، وكان أسلوبه
خالياً من كل العثرات والكلكعة
تراث لا يستمع
للاتهامات
ورغم تميز وتفرد
المازنى فيما أبدعه إلا أن بعض النقاد قد اتهموه بسرقة بعض أجزاء روايته “إبراهيم
الكاتب” من رواية (سانين) للأديب الروسى (يباشيف) كما اتهمه بعض النقاد بسرقة
مسرحيته الوحيدة التى كتبها بعنوان (غريزة امرأة) من مسرحية (الشاردة) للأديب
الإنجليزى (جو لسور ذى) . ولكن مثل هذه الاتهامات لم تؤثر كثيراً على المحصلة
النهائية لإنجاز المازني الذى كان من أبرع كتاب النصف الأول من القرن العشرين خاصة
فى مقدرته على السخرية من الدنيا ومن الناس ومن نفسه
كما كان من أوائل الذين
قاموا بتعريف الأدب الغربي إلى قراء العربية وذلك نتيجة إجادته الرائعة للترجمة
وقد ترجم العديد من الكتب المهمة مثل رباعيات الخيام – الآباء والأبناء لتور جنيف
– سانين لآرتز يباشيف، كما قدم ملخصات لروائع الأدب العالمي ونشرها فى مجلة
(الصباح) لصاحبها مصطفى القشاش. وإضافة إلى كل هذا فقد كان صاحب الدعوة إلى إيجاد
منهج جديد فى دراسة الأدب العربي والدعوة إلى نظرة جديدة إلى الأدب المصري وقد توج
دعوته بدراسة الأدب العربي وتاريخه دراسة متأنية بترتيب العصور وذلك عندما كان في
الخمسين من عمره
أخرج المازني أكثر من
أربعين كتاباَ فى الإبداع والنقد من أشهرها:
فى الطريق – صندوق
الدنيا – الشعر غاياته ووسائله – من أحاديث المازني – رحلة الحجاز – ميدو وشركاه –
أقاصيص – من الناقد – ع الماشي – حديث الإذاعة) والغريب أن كل هذا الإبداع لم يشفع
للمازنى لكى يحصل على أية جائزة !! ومن الواضح أنه كان مستشعراً لهذا الوضع الغريب
فكتب يقول «عصرنا عصر تمهيد يقوم أبناؤه بقطع هذه الجبال التى سدت الطريق وتسوية
الأرض لمن يأتون بعدهم .. وبعد أن تسوى الطريق يأتى نفر من بعدنا ويسيرون إلى آخره
ويقيمون على جانبه القصور شامخة باذخة فيذكرون بقصورهم وننسى نحن الذين شغلوا
بالتمهيد عن التشييد
عندما قدمه العقاد لكى
يتبوأ مكانه فى مجمع اللغة العربية وصفه بالعبقرية فى النثر والشعر، كما كان
المازني يكتب؛ لأنه يحب الكتابة لذاتها وكان يرى الفن تعبيراً عن الحياة بما فيها
من فردية وحرية وإبداع… وباختصار فقد كان المازني فيلسوف الحياة والفردية والحرية
.. وكان يتعامل مع الإنسان على أنه حيوان (فني) يهتم بالجمال إلى جوار المنفعة
وإذا كان المازنى
(النموذج) لما يمكن أن تفعله العقد النفسية والجسدية مع المبدع الموهوب إلا أنه قد
كسر بعض المسلَّمات فى سلوكيات أصحاب هذه العقد حيث كان من سماته الجميلة
(التواضع) الشديد فرغم أن الذين يعانون من عقد نفسية لا بد وأن يصيبهم الغرور
والتعالي كنوع من التعويض إلا أن المازني كان شديد التواضع، وكان ضد النجومية
وشعبوي الهوى ولذلك تحققت له الجماهيرية الواسعة
ومات الفتى المازني بعد
رحلة مثيرة من العطاء أصيب المازني فى سنواته الأخيرة بهاجس الموت ثم مات بعد
انتشار البولينا فى الدم .. ورحل فى عام 1949 عن عمر يناهز التاسعة والخمسين .
كتب يقول ذات مساء
مات الفتى المازني ثم
أتى من مـازن غيره على الأثر
وكان يعنى ولادته مرة
أخرى بعد اليأس. فلاشك أننا بصدد شخصية عظيمة مبدعة تستحق منا كل تقدير وتستحق أن
يذكرها التاريخ دوما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق