طه حسين
يعرف الجميع أن معارك طه حسين النقدية، خصوصاً معركة كتابه «في الشعر الجاهلي»، بدأت بعد عودته من فرنسا سنة 1919، أما قبل ذلك وفي أثناء دراسته، فقد ظل طه حسين بعيداً عن المعارك الأدبية، ومن ثم لا يذكره تاريخها.
كل ما
نذكره أنه مع
مطالع العشرينيات كان
قد عاد من
فرنسا، وأصبح أستاذاً
للأدب العربي بالجامعة
الأهلية، وأخذ يكتب
في تاريخ الأدب
العربي؛ معيداً اكتشاف
الأدب العربي بنظرات
جديدة ومناهج حديثة
تعلمها في أوربا. وقد كان
التركيز على هذه
المعارك إلى حد
كبير؛ ومن ثم
فقد ذهبت إلى
غياهب النسيان المعارك
التي خاضها طه
حسين قبل ذهابه
إلى فرنسا.
مع صدور
طبعة جديدة من
جريدة االسفورب التي
صدر عددها الأول
في 21
مايو 1915
عن دار الكتب
والوثائق القومية في
مصر، فقد ظهرت
صفحة جديدة من
الصفحات المجهولة في
تاريخ المعارك الأدبية
لطه حسين. وأولى
هذه المعارك وأبرزها
وأقصرها في الوقت
نفسه، كانت معركته
مع الشيخ محمد
المهدي الذي عمل
أستاذاً للأدب العربي
في مدرسة القضاء
الشرعي أعواماً طويلة،
بالإضافة إلى ذلك
عمله في الجامعة
المصرية، في كلية
دار العلوم. وكان الشيخ
محمد المهدي شخصية
أزهرية التكوين، ولكنه
كان من تلامذة
الشيخ محمد عبده،
ولذلك كان يذهب
مذهبه في التذوق
الأدبي ونقده، لكنه
كان منطوياً على
نزعة محافظة، تتمثل
في الحفاظ على
فصاحة اللسان وجزالة
اللغة وعدم التبذل
في الحديث باللغة
العامية. وكان من
الطبيعي أن يصطدم
الشيخ محمد المهدي
بتلميذه طه حسين
الذي تعلَّم على
يديه، قبل أن
ينتهي من أطروحة
الدكتوراه. ولكن الشيخ
محمد المهدي كان
رجلاً طيب القلب،
ففي كل مرة
كان يصطدم بطه
حسين خلال المناقشة
في أثناء الدرس،
سرعان ما كان
يصفح عنه ويهش
له ويحتفي به
مقدّراً الظرف الخاص
لطه حسين، دون
أن يعامله بقسوة
أو بتحقير قط. ولذلك يصف
طه حسين العلاقة
بينه وبين أستاذه
بقوله: اولست أعرف
تلميذاً كان أثقل
على أستاذه وأقسى
منه على الأستاذ
الشيخ المهدي. ولكني لا
أظن أن من
بين تلاميذ الأستاذ
من أحبه حبي
إياه. كنت قاسياً
وكان قاسياً أيضاً. وظهرت القسوة
المتبادلة ذ إن
صح هذا التعبير
- عندما أضع كتاب
أبي العلاء وأتقدم
لامتحان الدكتوراه في
الجامعة المصرية، فقد
سمعت له درساً
في شعر أبي
العلاء ووقع بيني
وبينه خلاف في
رأي أبي العلاء
في البعث، زعمت
شيئاً وأنكره، وطالبني
بالدليل ولم يحضرني
الدليل في الدرس،
فظهرت مظهر المنهزم،
وسره ذلك وظهر
سروره، فحفظتها في
نفسيب.
ويبدو أن
أثر ذلك لم
ينمحِ من ذاكرة
طه حسين الذي
حفظ أثر هزيمته
وقرر أن ينتصر
على أستاذه، وبعد
أن قرأ اللزوميات
كلها وتأكد من
إشارات أبياتها، واستجمع
من أبياتها ما
ينتصر به لأفكاره
عن رأي أبي
العلاء في البعث،
كتب نتيجة بحثه
في أطروحته للدكتوراه. وكان يعلم،
وهو يكتب الأطروحة،
أن الشيخ محمد
المهدي سوف يقرأها،
وسيكون عضواً في
لجنة الامتحان، وكان
يعرف قسوته وغضبه. ولكنه مضى
في ما نوى
عليه، وقدم الكتاب
أو الأطروحة.
جدل عنيف
وجاء يوم
الامتحان، وكان يوماً
مشهوداً، فقد استمر
الامتحان ثلاث ساعات،
ذهبت أكثرها في
جدال عنيف بينه
وبين الأستاذ الشيخ
محمد المهدي، ثم
خلت اللجنة للمداولة،
وكان رأيها حسناً
في الطالب، وكانت
تريد أن تمنحه
أحسن ألقابها أو
درجاتها، ولكن الشيخ
محمد المهدي أبى
الإباء كله، ورفض
رفضاً مطلقاً أن
يحصل الطالب على
لقب افائقب، وانتهى
الأمر إلى أن
وافق على أن
يحصل طه حسين
على درجة الدكتوراه بتقدير اجيد
جداًب بدل لقب
افائقب. وكان سرور
الأستاذ بهذا الظفر
عظيماً، حتى إنه
تحدث به في
مجالسه. ولكن ذلك
لم يمنعه من
أن يتكلم في
الحفلات التي أقيمت
لطه حسين بعد
هذا الامتحان، فأثنى
عليه بما شاء
له ظرفه وحبه
لتلميذه العنيد. وقد انتهت
هذه الخصومة بسفر
التلميذ إلى بعثة
في أوربا، فذهب
طه حسين إلى
جامعة مونبلييه، وهناك
حضر الطالب دروس
أساتذة الآداب الفرنسية،
وقارن بين هذه
الدروس ودروس الأساتذة
عن الأدب العربي
في الجامعة المصرية،
ولم تكن المقارنة
مرضية بالطبع.
ولكن قامت
الحرب العالمية الأولى
سنة 1914، وعاد طه
حسين إلى مصر
مع نهاية العام
تقريبا، وذلك بسبب
أزمة مالية عنيفة
مرت بها الجامعة
المصرية ودفعتها إلى
استقدام عدد من
مبعوثيها إلى فرنسا،
وكان من بينهم
طه حسين وصديقه
أحمد ضيف اللذان
عادا إلى مصر
فعلاً، واستقبلا عام
1915 في القاهرة
مرة أخرى.
وكان أصدقاء
طه حسين قد
قرروا أن يصدروا
جريدة اجتماعية نقدية
أدبية تصدر مرة
في الأسبوع، ودفعوا
صديقهم عبدالحميد حمدي
إلى أن يستخرج
ترخيصاً باسمه. وبالفعل صدرت
جريدة االسفورب في
السابع من رجب
سنة 1333هـ، الموافق
21 مايو 1915
وكان من أبرز
المحررين في هذه
الجريدة صديق طه
حسين القديم محمد
حسين هيكل، ومصطفى
عبدالرازق وشقيقه علي
عبدالرازق، فضلاً عن
منصور فهمي وغيرهم
من المجموعة التي
كانت تحيط بطه
حسين وتكمل معه
حلقة الشباب الذي
تتلمذ على يد
أحمد لطفي السيد
في االجريدةب، فتشربوا
أفكاره الليبرالية ومزاجه
الأدبي وكَلفِه بالأدب
الفرنسي وباللغة الفرنسية
ورفضه للقديم المتصلب
وترحيبه بكل جديد
عفوي.
هيكل وطه حسين
عندما وصل
طه حسين إلى
القاهرة كانت جريدة
االسفورب قد أحدثت
أصداءً كبيرة في
الرأي العام الثقافي،
وأصبح لها حضور
بارز، وسرعان ما
رحب به كتابها
ومحرروها، وكان هيكل
صديق طه حسين
قد أصدر روايته
ازينب: مناظر وأخلاق
ريفيةب، ولم يكتب
عليها اسمه كما
هو معروف، وإنما
ذكر ابقلم فلاح
مصريب، وتولى الأستاذ
عبدالحميد حمدي صاحب
الترخيص نقد هذه
المجموعة الجديدة في
باب النقد، ابتداء
من العدد الصادر
في 17
سبتمبر 1915
وما إن
نصل إلى العدد
التالي(
الموافق 8
أكتوبر 1915)
حتى تعلن
السفور في صفحتها
الأولى عودة الدكتور
طه حسين بسبب
الأزمة المالية إلى
الجامعة المصرية. وتتحدث في
العدد نفسه عن
صدور كتابه اذكرى
أبي العلاءب الذي
كان رسالته للجامعة
عام 1914، وهي الرسالة
التي نال بها
لقب دكتور في
الآداب. وتؤكد الجريدة
أنها تطبع الكتاب
في مطابعها الخاصة،
وتعلن بدء الاشتراك
فيه، على أن
يكون سعره عشرة
قروش مصرية قبل
الطبع، وثمنه بعد
الطبع خمسة عشر
قرشاً تطلب من
مطبعة الواعظ بشارع
درب الجماميز.
ويأتي العدد
التالي وفيه مشاركة
طه حسين التي
تبدأ بمناظرة مع
صديقه هيكل عن
الحرب والحضارة، وكانت
بداية طه حسين
في الكتابة في
هذا العدد ذ
بعد المناظرة - بمقال
مؤثر، أضعه ضمن
أدب السيرة الذاتية،
بعنوان ابعد الأوبةب،
ويستهل طه حسين
في العدد التالي
مقالاته النقدية، إلى
أن نصل إلى
العدد الصادر في
3 ديسمبر 1915، فنجد
للدكتور طه حسين
مقالاً في باب
الأدب بعنوان: افي الجامعة
المصريةب، وواضح أن هذا
المقال قد كتبه
طه حسين في
اليوم الثلاثين من
نوفمبر 1915
وكان المقال بمنزلة
بداية معركة عنيفة
وابتداء حرب على
المدرسة التقليدية القديمة. وقد استعان
المقال بمناهج الدرس
الأدبي الحديث في
الأدب وتاريخه اللذين
تعلمهما طه حسين
طوال أشهر في
فرنسا، قبل أن
يعود إلى مصر.
تأثره بالقدماء والمحدثين
يبدأ المقال
مشيراً إلى يوم
30 نوفمبر على
النحو التالي: افي مثل
هذا اليوم من
السنة الماضية سمعت
لأول مرة درس
الآداب في جامعة
مونبلييه وكان الأستاذ
يدرس قصة وضعها
ألفريد دي ڤـيني
Alfred de
Vigny على المثال الذي
اخترعه الكاتب الإنجليزي
وولتر سكوت Walter
Scott من القصص،
يلم فيه الكاتب
بحادثة من حوادث
التاريخ. لخص الأستاذ
القصة وحلل موضوعها
ونقد لفظها ومعناها
وما تمثل من
صور أشخاصها، وأبطالها
وبين ما أثرت
فيه وتأثرت به
من كتب القدماء
والمحدثين. فلما خرجنا
من الدرس سألت
صاحبي (ضيف) كيف ترى
هذه المحاضرة؟ قال: لا بأس
بها ولكنها شديدة
الاختصار. إنك لمسرف
شديد الطمع يا
ضيف، فلو سمعت
درس الأدب العربي
في الجامعة المصرية
ورأيت الأستاذ، وقد
مر في محاضرة
واحدة بثمانية من
الشعراء في عصر
المأمون، لعرفت أن
صاحبنا في امونبلييهب
قد بلغ الغاية
القصوى من الإطالة
والإسهاب.
رجعنا بعد
ذلك إلى مصر،
وفي هذا اليوم
نفسه من هذه
السنة سمعت درس
الأدب العربي في
الجامعة المصرية، وأبى
ضيف أن يحضر
معي، لأنه كان
عنه في شغل،
ولو سمع الدرس
الذي سمعته لذكر
القصة التي أذكرها
الآن ولشهد بنفسه
البرهان على أن
الأستاذ المهدي في
تاريخ الأدب العربي
في الأندلس أيام
الحكم المستنصر والمنصور
بن أبي عامر
أشبه بمعرض الصور
المتحركة تمر فيه
ظلال الشعراء ولما
يتبين منها الطلاب
أكثر من أسمائهم،
وما عسى أن
يكون درس ذهب
نصفه في وصف
مكتبة المستنصر ودهاء
المنصور وألمَّ النصف
الباقي بما يتجاوز
عشرة من الشعراء؟
مكتبة المستنصر! إن
أمرها لغريب هذه
المكتبة، كان فيها
أربعمائة ألف مجلد
ولها فهرس يزيد
على ثمانمائة ورقة،
وليس فيها كتاب
إلا قرأه الحكم
وعلق عليه! ووضع
له مقدمة! وهو لم
يملك إلا بضعة
عشر عاماً قد
ملئت بالفتوح وألوان
الجهاد! كل ذلك
قاله الرواة وكل
ذلك قبله الأستاذ،
فإن أوراق الفهرس
في رأيه أقل
جداً مما كان
يجب أن يكون!
شيء لطيف.
طائفة من الشعراء
مررنا بطائفة
كبيرة من الشعراء،
يذكر الأستاذ اسم
شاعر وشيئاً من
شعره، ولكنه لا
يكاد يفرغ من
إنشاد البيت حتى
ننتقل من الجامعة
إلى إحدى الحانات
فنسمع دوي الشرب،
وقد أطربتهم نغمة
المغني وتوقيع العواد،
فقالوا بصوت واحد: الله، أعد
يا أستاذ, فيعيد
الأستاذ، والظاهر أنه
يحب الاستعادة، فقد
أنشد بيتاً لم
يستعده الطلبة فقال: لم لا
تستعيدون هذا البيت؟
إنه جميل: أعد يا
أستاذ من فضلك
فيعيد! الله أكبر،
جميل جداً صحيح!
وكذلك مضى الدرس. إنك لسيئ
الحظ يا ضيف،
فلو سمعت معي
درس الأمس لرأيت
شعر ابن هانئ
ينسب إلى ابن
خفاجة، ثم يعتذر
الأستاذ حين ينكر
ذلك عليه بعض
الطلبة.
إنك لتعس
فلو سمعت معي
درس الأمس لأعجبك
هذا البيت:
فكان الزجاج
جامد ماء وكأن
المدام ذائب نار
لا بأس،
وما عسى أن
تكون هذه النار
الذائبة؟ ألا يمكن
أن تكون الرواية
ذوب نضار؟ لا
يبعد.
ولكن ما
لنا وللتحقيق؟ فقد
رأينا ابن خفاجة
يعد من معاصري
المنصور المتوفى سنة
اثنتين وتسعين وثلاثمائة،
مع أن ابن
خفاجة لم يولد
إلا سنة خمسين
وأربعمائة؛ أي بعد
أن فرغ المنصور
من الحياة وفرغت
الحياة منه. وبعد أن
اختلفت شؤون وحالت
أحوال، وبعد أن
تنكر الدهر لقرطبة
وذهب منها ريح
بني أمية وعبثت
مطامع المتغلبين ببلاد
الأندلس جملة. فالمؤثرات التي
كونت الشعراء في
عصر المنصور وحسبك
ما يكون من
الفرق بين شاعر
نشأ أيام الوحدة
وآخر نشأ أيام
الافتراق، وما لنا
وللتحقيق؟ فإن الأستاذ
قد كان يعجبه
حب الاختصار عن
كل شيء، حتى
أنه إذا ذكر
الشاعر نسي أن
يذكر سنة ميلاده
ووفاته. ولعله لو
عني بذلك أو
فكر فيه لوضع
ابن هانئ موضع
ابن خفاجة، فقد
عاش ابن هانئ
في أيام المستنصر
وارتحل من الأندلس
ومدح المعز.
لم يكن
في هذا الدرس
شيء يدل على
أنه درس في
الجامعة، وإنما هو
نوع من الحديث
يستفز سامعيه بما
يعرض فيه من
الغزل والوصف ومن
آيات البديهة والارتجال. لا ألوم
الجامعة فإنها لم
تألُ جهداً في
حسن الاختيار ولا
ألوم الأستاذ، فإنه
قد بذل ما
يملك وجاد بما
يستطيع أن يجود
به.
ولكني أرثي
لصاحبي ضيف، لأنه
حرم نفسه لذة
الاستماع لهذا الدرس
الجميل. أرثي له
لأنه حرم من
هذه اللذة وحرم
معها هذا الألم
الذي يشعر به
من سمع العلم
في جامعات فرنسا
ثم في جامعة
مصر، وقارن بين
الأساتذة والطلاب هنا
وهناك.
حرم هذا
الألم وكان من
الحق عليه أن
يشعر به ليعرف
أن اختصار فرنسا
إطالة، وأن إطالتنا
اختصار، وأن هزل
فرنسا جد، وأن
جدنا لعب، وأن
فرنسا حَرِية بالحب
والإعجاب، وأن مصر
خليقة بالرحمة والرثاء،
زاد الله فرنسا
رقياً ورفعة ووفى
لمصر حاجتها من
الإصلاحب.
هذ المقال
هو وثيقة نادرة
لم تنشر إلى
اليوم في الطبعات
المعروفة لكتابات طه
حسين، فقد ظل
دفيناً في صفحات
االسفورب إلى أن
أصدرت دار الكتب
المصرية طبعة جديدة
للمجلد الأول من
هذه الجريدة بالغة
الأهمية، وقد تصفحت
المجلد فرحاً، وازداد
فرحي بعد أن
قرأت هذا المقال
الذي لم أكن
قد قرأته من
قبل، وقررت بيني
وبين نفسي أن
أشرك معي في
قراءة هذا الكشف
قراء مجلة االعربيب،
كي يعرفوا كيف
بدأ طه حسين
نقده الثائر على
القديم، وكيف كان
يقسو في هذا
النقد، غير هياب
حتى من أساتذته
الذين تلقى العلم
على أيديهم في
الجامعة.
ثورة مكبوتة
لماذا آثر
طه حسين الشيخ
محمد المهدي بهذا
الهجوم النقدي الذي
أخذ شكل الثورة
المكبوتة على كل
ما كان يعوق
طه حسين في
تطلعه إلى أن
يعرف الدنيا الحديثة
ويمارس المناهج الحديثة؟
أغلب الظن أنه
رأى في أستاذه
الشيخ محمد المهدي
نموذجاً رمزياً لكل
هذا القديم الذي
يرفضه، وكل العوائق
البيروقراطية
التي أعادته من
البعثة وأوقفته عن
طلب العلم في
فرنسا، فانكب عليه
في هجوم قاس
نموذجه المقال الذي
ذكرته، ولعله كان
يثأرذ دون أن
يدري- من تدخل
الشيخ محمد المهدي
في الدرجة التي
حصل عليها في
أطروحة الدكتوراه، وكان
يعرف أن الشيخ
المهدي هو الذي
تسبب في إنزال
التقدير من درجة
افائقب إلى اجيد
جداًب.
لكن الذي
نعرفه بعد ذلك
أن الشيخ محمد
المهدي غضب غضباً
عنيفاً جداً، وذهب
إلى إدارة الجامعة
واشتكى إلى مجلس
إدارتها من تطاول
تلميذه عليه ومن
كتابته القاسية عنه،
فغضب بعض أعضاء
المجلس، ومنهم علوي
باشا الذي استدعى
طه حسين موبّخاً
إياه، ومهدداً بأن
عاقبة هذا الموقف
ستكون وخيمة إذا
لم يعتذر لأستاذه. ولكن محبة
علوي باشا لطه
حسين دفعته من
ناحية أخرى إلى
أن يوعز إلى
علي بك بهجت
عضو المجلس إلى
أن يجمع بين
التلميذ العنيد والشيخ
محمد المهدي ويجتهد
في الإصلاح بينهما. وبالفعل جمعهما
علي بك بهجت
في دار الآثار
العربية. وما كان
أيسر الصلح حين
اجتمع الطالب والأستاذ،
فقد كان كلاهما
لحسن الحظ يحب
الآخر ويضمر له
الاحترام والمودة. ولم ينته
المجلس إلا وقد
انتهت الخصومة بين
الاثنين، وقبَّل الفتى
يد أستاذه الشيخ
الذي دعاه بدوره
إلى بيته للطعام.
وكتب علي
بك بهجت تقريراً
بذلك إلى مجلس
الجامعة، واعتبر المجلس
الأمر كأنه لم
يكن. وسرعان ما
انصلح الموقف المالي
للجامعة، فتمكنت من
إعادة طه حسين
إلى بعثته في
فرنسا، وذهب إلى
هناك مرة أخرى،
حيث أكمل درسه
في التاريخ وأصوله،
وتعلم ما شاء
له التعلم، طرائق
تحليل النصوص الأدبية
إلى أن حصل
على دكتوراه جديدة
من السوربون في
باريس هذه المرة،
وتعرف فضلاً عن
ذلك على الفتاة
التي سرعان ما
أصبحت زوجة له
إلى آخر أيام
حياته، وهي السيدة
سوزان. ولم ينس
طه حسين هذه
الحكاية التي ذكرها
لنا ضمن رثائه
للشيخ محمد المهدي
في الجزء الثالث
من حديث الأربعاء.
وأذكر أنني
بعد أن قرأت
ما كتبه طه
حسين عن أستاذه
الشيخ، وددت أن
أقرأ المقال الذي
أغضب هذا الشيخ
النبيل والمحب لتلامذته،
ولكني لم أكن
أعرف أن المقال
الأصلي متاح في
جريدة االسفورب إلى
أن أصدرت دار
الكتب والوثائق القومية
طبعة جديدة من
المجلد الأول لهذه
الجريدة المهمة في
تاريخ الأدب العربي،
فاكتشفت فيها المقال
الذي بحثت عنه
طويلاً، والذي أراه
بداية المعارك النقدية
لطه حسين، وشأن
كل بداية، فإن
المقال يحمل من
آثار العنف والانفعالات
المفرطة الملازمة دائماً
لكل البدايات.
رحم الله طه حسين والشيخ محمد المهدي أستاذه الذي تتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، وكان شخصية طريفة يندر أن نرى مثلها في هذا الزمان الذي نعيشه.
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
أفضل طريقة لتعليم
القراءة والكتابة للأطفال
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق