تُعَدُ التوابل مخازن للمواد الطبية الفاعلة
ومضادات الأكسدة التي لو استعملت بطريقة صحيحة من حيث الكمية (الجرعة) وطريقة
التحضير لأصبحت البديل الحقيقي للكثير من الأدوية الكيميائية المصنعة، ولكن حتى
يتحقق ذلك، ينبغي إجراء دراسات معمقة، وتجارب مخبرية وسريرية متعددة.
وفي هذه
المقالة سنعرِّف بالكركم الذي اقتصر استعماله عند معظم الشــعوب على إضفاء اللون
الأصفر على الأرز وبعض الشوربات، ولو عرف الناس قيمته العلاجية والوقائــية لحرصوا
على توسيع دائرة استعماله ولاكتفــوا بوجوده وحده في صيدليتهم المنزلية.
الكركم
ويسمى أيضًا، الورس، الهرد، كركب، عقيد الهند، الجدوار، الزرنب، عروق الصباغين،
بقلة الخطاطيف، وهي أسماء لنبات عشبي معمر متساقط الأوراق، له جذامير درنية تشبه
جذامير الزنجبيل. ويسمى باللغة الإنجليزية Turmeric أوCurcumin
Curcuma) وتوجد منه عشرة أنواع على الأقل
من أكثرها شيوعًا واستعمالًا هو النوع Curcumina
longa، وتنتمي جميع أنواع الكركم لعائلة
الزنجبيل Zingiberacae وتنتشر في عدد كبير من
البلدان مثل سريلانكا، بورما، كامبوديا، الهند، بنغلاديش، ماليزيا، جاوه،
إندونيسيا وغيرها.
تغسل
الجذامير، تُغلى بالماء، تجفف ثم تطحن لتصبح مسحوقًا ناعمًا جاهزًا للاستعمال، أما
مصانع الأغذية التكميلية فقد عبأت مستخلصات الكركم في كبسولات صيدلانية لتسهيل
عملية تناولها، أما الباحثون فقد تناولوه بالدراسة والبحث والتجريب.
الاستعمالات الطبية القديمة
استعمل
الكركم كعلاج منذ أكثر من 6000 سنة قبل الميلاد، وكان الرحالة الشهير ماركوبولو قد
اكتشفه في إندونيسيا والصين، وقد جاءت في الكتب العربية القديمة فوائده وتفاصيل
استعمالاته، ومن أهم تلك الاستعمالات هي إزالة الكلف والبثور وتخفيف الحكة ومعالجة
البهاق طليًا، كما استعمل في حالة عسر الهضم الناتج عن تناول الأطعمة الدسمة
ولإدرار البول والصفراء، وفي تايلاند استعمل لمعالجة مرض السيلان وقرحة المعدة
وكفاتح للشهية وللدوخة وطارد للريح ومضاد للإسهال، ولتخفيف آثار لدغ الحشرات
والهوام دلكًا، ولتقوية وشد اللثة المترهلة ووقف نزيف الجروح، أما في الهند فقد
استعمل في حالة عسر الهضم ومقويًا عامًا ومنقيًا للدم.
المواد الفاعلة في الكركم
كشف
البحث العلمي عن وجود عشرات المواد الفاعلة في الكركم ومواد أخرى لم تعرف وظائفها
لغاية الآن، ومن المواد والمركبات المدروسة ما يلي:
· زيوت
طيارة بنسبة 4,5-14 في المائة، وتتكون من 50 مركبًا من أهمها كيتونات سيسكوتريبينية Sesquiterpenel
lacton ومركبات الكوركومينويد Curcuminoides أهمها الكوركومين Curcumin وهو صبغة صفراء تعمل كمضاد
أكسدةAntioxidant وتعود إليه معظم التأثيرات
الطبية، وقد وجد أن أحد تأثيراتها يشبه تأثير الكورتيزون بل يتفوق عليه، ومن
المعروف طبيًا بأن للكورتيزون الكثير من الوظائف من بينها ضبط وتنظيم عمل جهاز
المناعة ومنعه من الانفلات ومهاجمة أعضاء وأجهزة الجسم الحيوية، وما أمراض
الروماتزم (مجموعة أمراض) وظهور أعراض الشيخوخة في وقت مبكر إلا نتيجة حدوث انفلات
في عمل الجهاز المناعي. وتزيد فعالية الكوركومين على فعالية مضادات الأكسدة
المشهورة مثل فيتامين (هـ) بمقدار 5-8 مرات وعلى مستخلصات قلف أشجار الصنوبر
والبيتا كاروتين وفيتامين (ج)، كما يتفوق على مستخلصات بذور العنب المضادة للأكسدة
بثلاث مرات، ومن أبرز مهام الكوركومين هي حماية المادة الوراثية الـ DNA من تأثير الشوارد الحرة.
وبناء
على خصائص الكركم وميزته الرئيسية في مقاومة الشوارد الحرة وتدخلاته في كثير من
التفاعلات الحيوية، فقد اكتشفت له تأثيرات تقي من بعض الأمراض وتعالج بعضها الآخر،
ولاسيما تلك التي تسمى طبيًا بالأمراض المستعصية، ومن هذه الأمراض ما يلي:
• تخفيف الألم الناتج عن الالتهاب الروماتزمي: وجد
الباحثون في إحدى تجاربهم بأن الكوركوميـــن يخفض مستوى الهستامين من ناحية ويثبط
إنــتاج إنزيمات الالتهابات ويزيد من إنتاج الغلوتاثيون Glutathion من ناحية أخرى، وقد وجدوا
أيضًا أن قدرة الكركم على تخفيف آلام المفاصل الروماتزمية تتفوق على قدرة
الهــــيــدروكورتيزون. وبينت دراسة أخرى بأن تناول 20 جرامًا من مستخلصات الكركم
تسكن الألم بذات القوة والفعالية التي يمتلكها الدواء المسمى إيبوبروفن Ibuprofen الذي يوصف لمرضى التهاب
الركبة رومتزمي المنشأ.
ومن
أجل ذلك ينصح الباحثون بتناول الحليب الساخن الممزوج بملعقة صغيرة من مسحوق الكركم
وتناول هذا المزيج ثلاث مرات يوميًا.
• تحسين الهضم: يعمل الكركم على تحفيز وتنشيط إنزيمات
الهضم الخاصة بهضم الدهونLipase والكربوهيدرات Amylase حيث إن هذه الإنزيمات تقل
أو تضعف بتقدم العمر، وفي حالة الإصابة بالبرد ولأسباب مرضية متعددة.
• سرطان البروستاتا وسرطان الثدي: أكد الباحثون أن
مضادات الأكـسدة تعمل كدرع واقية من الإصابة بالسرطان، ويحتاج كل عضو من أعضاء
الجسم إلى مضاد أو مضادات أكسدة محددة من أجل حمايته من السرطان، فعلى سبيل المثال
تحتاج حماية غدة البروستاتا لمضاد أكسدة يسمى اللوكوبين Lycopene المتوافر في الطماطم
والبطيخ.. وفي بعض الخضراوات والفاكــــهة الأخرى، كما تحتاج إلى مادة الكوركومين
التي أثبتت فعالية قوية في وقاية البروستاتا من الإصابة بالسرطان وفي الشفاء منه
أيضا. ومن بين هذه الوصفات الطبية المجربة، هي إضافة الكركم إلى سلطة البروكلي،
اللفت، والملفوف. وفي دراسة أجريت في عام 1992 بينت بأن تناول 1,5 جرام من الكركم
يوميًا يساعد في تقليل عدد الجينات المتغيرةMutagens بسبب الشـــوارد الحرة
والعوامل المسرطنة، وهذا من شأنه تقليل احتمال تشكل السرطان، وفي ذات الدراسة
تبيـــن بأن بول المدخنين الذين يتناولون الكركم تنخفض فيه معدلات الجــــينات
المتحولة مما يعــني تراجع تحول الجينات الطبيعية إلى جينات متغيرة.
ويرتبط
الكوركومين بمستقبلات هرمون البروجسترون، وهذا من شأنه تخفيض نشاطه وفعاليته،
علمًا بأن انفلات هذا الهرمون يؤسس لنشوء سرطان الثدي، كما يمنع الكركم نشوء خلايا
سرطانية في البنكرياس.
ويبدو أن
الكركم يعمل أيضًا عــــلى منـــع تكاثـــر الخلايا السرطانية، وذلك من خلال
التشـــويش على الإشارات (Codes) الوراثية الصادرة عن الـ DNA ويغير برمجتها.
• سرطان القولون: أجريت عدة تجارب لمعرفة تأثير
الكركم على سرطان القولون، من بينها تجربة على الفئران، حيث تم حقن مجموعتين من
الفئران بعوامل محفزة لنشوء سرطان القولون، وأعطيت أفراد المجموعة الأولى 0,2 في
المائة من مستخلصات الكركم مع العلف، فكانت النتيجة أن أصيب أفراد المجموعة
الثانية بسرطان القولون بينما لم تُصب أفراد المجموعة الأولى.
• اللوكيميا - سرطان الدم: اكتشف الباحثون أن مضادات
الأكسدة المتوافرة في الكركم تتعاون مع مضادات الأكسدة الموجودة في الشاي الأخضر
التي تسمى كاتيكينات catechins التي تضم عدة أنواع من
مضادات الأكسدة على الشفاء من سرطان الدم (اللوكيميا)، وتجري الآن تجارب عديدة
لمعرفة آلية عمل مضادات الأكسدة هذه والجرعات المناسبة لاعتمادها كدواء.
• أمراض الكلى: تسبب بعض الأمراض مثل الحمى الذئبية SLE:
Systemic Lupus erythematosus التهابًا (Inflammation) حادًا في الكليتين، فتعمل مركبات الكركم وبخاصة الكوركــــومين
على تقليل إنتاج المادة المسببة للالتهابات التي تسمى Lipopolysaccharide.
• أمراض القلب: تنتج معظم حالات أمراض القلب بسبب
زيادة الكوليسترول والدهنيات الثلاثية Triglycerides في الدم والتي تترسب على
جدران الأوعية الدموية فتسبب تضيقها وتصلبها atherosclerosis وهذا من شأنه منع وصول
الأوكسجين والغذاء لأنسجة وعضلات القلب، ومع مرور الوقت تضعف عضلات القلب وتعجز عن
أداء وظيفتها.
• مقاومة الفيروسات المسببة لالتهابات الكبد الوبائي (ABC) وفيروسات الهربس Herpes Simplx:
• يحافظ الكركم على عدسة العين من التلف: وذلك من
خلال تثبيط الكركم لإنزيم مخرب لعدسة العين يسمى لبيد كسانثين Lipid
xanthine enzyme.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق