لاتزال شبكة الإنترنت
تذهلنا يوميا بما يضاف إليها من ابتكارات، ومن بين جديدها القديم يقف موقع يوتيوب Youtube، عملاقا من عمالقة ثقافة الصورة المتلفزة على شاشة الإنترنت.
وبينما بدأ بلقطات محدودة
مصورة لمقاطع فنية وبعض الأفلام التوثيقية الصغيرة، واللقطات الإعلانية
والترفيهية، فإنه اليوم يتعملق ليصبح ركنا أساسيا من محتويات شبكة الإنترنت في
العالم، لا يترك صغيرة أو كبيرة، من الأفلام السينمائية والوثائقية إلى الحفلات
الغنائية والفيديو كليب للمطربين من أرجاء العالم، ومن البرامج الترفيهية المصورة
للإنترنت وصولا لمقاطع من أحداث عالمية وأدبية وثقافية ولقاءات مع أبرز كتاب
العالم أو رجال السياسة، ومرورا بالجانب التعليمي الذي يتخذ مساحة هائلة اليوم على
الشبكة من خلال موقع يوتيوب.
ماذا تريد أن تعرف؟ أو أن
تتعلم؟ عزف آلة الكمان؟ ابحث عن تعلم الكمان على يوتيوب وسوف تفاجأ بعدد غير محدود
من أفلام قصيرة مسلسلة توضح كل تفصيلة خاصة بالموضوع. والأمر ينسحب على جميع
الآلات الموسيقية الأخرى تقريبا. هل تحب كاتبا مثل بول أوستر الأمريكي؟ هل ترغب في
مشاهدته وهو يقرأ فصلا من روايته الجديدة؟ أو ترغب في مشاهدة والاستماع إلى مقابلة
مصورة معه؟ أنت الآن تعرف الطريق.
قديما كان هناك صندوق يمر
به رجل في الشوارع والطرقات في مصر يعرف باسم صندوق الدنيا أو العجب، الذي كان يعد
شكلا بدائيا لفكرة السينما، يمكن لمن ينظر عبر عدسة خارجية أن يرى صورا متنوعة
يقوم صاحب الصندوق بتحريكها لتتعاقب الصور، انتهى صندوق العجب، تقريبا، وانبثق من
شبكة الإنترنت هذا الجني الخيالي الافتراضي الجديد الذي أصبح قادرا على أن يجعلنا
نشاهد كل ما نحلم به على الشاشة وأن يقدم لنا العالم مصورا.
ولم يعد واردا اليوم أن
يفوت المرء شيئا تم بثه على شاشات القنوات الفضائية، مثل حفل موسيقي أو برنامج
حواري، أو حلقة من مسلسل درامي.
وعلى سبيل المثال، فإن بث
حفل أغنية لعبدالحليم حافظ في سبعينيات القرن الماضي كان يعد حدثا استثنائيا يخصص
له الناس أوقاتهم بكل السبل، ويعدون جداولهم بحيث لا تفوتهم فرصة مشاهدة الحفل،
كما كان شأنهم في انتظار الحفل الشهري التاريخي لكوكب الغناء المصري أم كلثوم،
وكذلك كان الأمر لمتابعة حلقات «غوار الطوشة» الشهيرة التي قام بها دريد لحام في
السبعينيات، ومسرحياته ومسرحيات الفنان الكويتي الكبير عبدالحسين عبدالرضا. لأن
عدم مشاهدة الحفل في التلفزيون يعني أنهم لن يستطيعوا أن يشاهدوه قبل عدة أشهر
أخرى! مثلا، وكذلك في العديد من الحفلات الموسيقية الأخرى، والمسرحيات والعديد من
المصنفات الفنية.
أما اليوم، وعلى الرغم من
العدد الهائل من المسلسلات الدرامية التي تعرض على الشاشات الفضائية العربية، على
مدار الساعة خلال شهر رمضان على نحو خاص، فإنه بإمكان أي شخص ممن قد تفوته فرصة
مشاهدة أي حلقة من حلقات أي مسلسل يرغب في متابعتها أن يشاهدها فورا على شاشة
الإنترنت على موقع القناة الفضائية التي تبث المسلسل.
ويمكنك أن تقيس على ذلك كل
شيء وأي شيء من مواد البث المصورة على الشاشات اليوم، مباراة كرة قدم، حفل توزيع
جوائز عالمي، مسابقة عالمية للجمال، عرض أزياء.. إلخ إلخ.
فما هي قصة هذا الموقع
الشهير الذي يعد اليوم ثالث أهم موقع إلكتروني في العالم بعد موقعي «فيس بوك»،
و«جوجل»؟
ثلاثي اليوتيوب
تأسس موقع يوتيوب في 14
فبراير سنة 2005 بواسطة ثلاثة موظفين سابقين في شركة «باي بال»، هم تشاد هيرلي
وستيف تشين وجاود كريم، وذلك في مدينة سان برونو، سان ماتيو، بولاية كاليفورنيا،
في الولايات المتحدة الأمريكية. وكانوا ثلاثتهم يعملون موظفين في شركة «باي بال».
كان تشاد هيرلي قد درس التصميم، بينما درس كل من تشين وكريم علوم الكمبيوتر معا في
جامعة إليينويز.
وتتداول الصحف والإعلام قصة
تقول إن فكرة اليوتيوب تفتق عنها ذهن هذا الثلاثي عقب مشاركتهم في حفل عشاء أقيم
في منزل تشاد هيرلي في سان فرانسيسكو في إحدى ليالي العام 2005، وقام الحضور
بتصوير الحفل، لكنهم لم ينجحوا في بثه على الإنترنت.
لكن جاود كريم ينفي هذه
القصة، ويقول إنه لم يحضر تلك الحفلة، ولا يرى أن ذلك كان سببا لابتكار فكرتهم،
وأن الإعلام ربما يبالغ أحيانا في القصص التي ينشرها. ويقول إن القصة الحقيقية
بدأت عندما أعلن عن حفل لجانيت جاكسون ظهر فيها - رغما عنها - جزء من جسدها، وحين
كان البعض يحاول الوصول إلى تصوير ذلك الحفل لم ينجحوا، ومن هنا بدأ التفكير في
إيجاد وسيلة تمكن أي مستخدم للإنترنت يمتلك شريط فيلم من أي نوع أن يقوم بتحميله
على الشبكة. وقد بدأ موقع يوتيوب بعد الحصول على استثمار للتمويل قدره 11 مليوناً
ونصف مليون دولار عن طريق شركة Sequoia Capital المتخصصة في تمويل
الاستثمارات الصغيرة.
إطلاق تجريبي
وأعلن عن إطلاق الموقع في
14 فبراير من العام 2005. وظل الموقع تحت الإنشاء حتى أبريل 2005، حين قام أحد
المؤسسين الثلاثة وهو جاود كريم ببث فيلم بعنوان «أنا في حديقة الحيوان»، حيث كان
قد قام بزيارة حديقة سان دييجو للحيوان، وقام بتصوير هذه الزيارة بالفيديو وقام
ببث الفيلم على الموقع.
وقد استمر الموقع تجريبيا
خلال تلك الفترة ولمدة ستة أشهر أخرى قبل أن يتم إعلان افتتاحه رسميا، وقد شهد
الموقع نموا كبيرا خلال العام 2006، وفي شهر يوليو من ذلك العام أعلنت إدارة
الموقع أنه يشهد يوميا تحميل 65 ألف فيلم من أرجاء العالم، بينما يبلغ عدد ما يصل
إليه لكي يتم تحميله 100 مليون مقطع فيديو وفيلم يوميا.
استطاع الموقع أن يحقق
نجاحا كبيرا في زمن قياسي، إذ إن شركة «جوجل» أعلنت في أكتوبر 2006 عن الوصول
لاتفاقية لشراء الموقع مقابل 1.65 مليار دولار أمريكي, أي ما يعادل 1.31 مليار
يورو. اختارت مجلة «تايم» الأمريكية موقع يوتيوب على الإنترنت رجل عام 2006، لدوره
في إعطاء الفرصة لزواره في إنتاج المواد التي يعرضونها في الموقع.
ولاحقًا في العام 2010 أعلن
أن عدد زوار الموقع في الشهر يصل إلى 800 مليون زائر يوميا، وأن هناك 60 ساعة
فيلمية يتم تحميلها على الموقع في كل دقيقة، وأن ثلثي هذه النسبة يأتيان من خارج
الولايات المتحدة.
ويستخدم الموقع تقنية
«الأدوب فلاش» وهو تطبيق ينبغي وجوده لدى أي مستخدم على جهاز الكمبيوتر الخاص به،
حتى يتمكن من عرض المقاطع المتحركة. ومحتوى الموقع يتنوع بين مقاطع الأفلام،
والبرامج التلفزيونية، والموسيقى، الفيديو المنتج من قبل الهواة، وغيرها.
إيرادات خيالية
وبالرغم من أن موقع يوتيوب
لم يعلن عن أي إيرادات له حتى العام 2007، مشيرا إلى أن إيراداته عينية وليست مادية،
فإن تقريرا نشرته مجلة «فوربس» في العام 2008 قدر حجم إيرادات الموقع بـ 200 مليون
دولار أمريكي قيمة الإعلانات التي تبث عليه.
وبسبب هذا النجاح الكبير
والانتشار الواسع للموقع ومحتوياته، فقد أصبح إحدى المواد الافتراضية ذات التأثير
الاجتماعي والثقافي الكبيرين في العالم، كما أنه من جهة أخرى أدى إلى نجاح وشهرة
العديد من النجوم في مجالات الموسيقى والغناء على نحو خاص، باعتبارها المادة ذات
الشعبية الأولى على الموقع، كما أدى إلى إطلاق شهرة العديد من النجوم في الغرب
والولايات المتحدة والمنطقة العربية.
ومن بين الأسماء التي تسبب
في شهرتها هذا الموقع على سبيل المثال: جاستن بيبر، ريمي غايا، كودي سيمبسون،
كينان كاهيل، باسم يوسف، تيرا ناومي، ويليام جونسون، أوستن ماهون، عادل المقرن،
إبراهيم صالح، بدر صالح، علي الكلثمي، فهد البتيري، هادي الشيباني، التمساح
(كاريكاتير)، أيوب التمايتي، عمر حسين، رجائي قواس، وغيرهم.
ويعتقد أن فيديو بيبي
للمغني «جاستن بيبر» هو أكثر الفيديوهات مشاهدة على موقع اليوتيوب، بعدد يزيد على
800 مليون شخص.
إلاّ أنّ فيديو المغني
الكوري الجنوبي ساي PSY - «جانجام ستايل» المعروف باسم (gangam
style) تجاوز فيديو جاستن بيبر، وذلك في
يوم 24 نوفمبر 2012 بحصوله على مليار مشاهدة.
وهنا رابط الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=9bZkp7q19f0
اعتراضات وانتقادات
لكن الموقع وبسبب التنوع
الهائل في محتواه تعرض لانتقادات عديدة حين بث عديدا من المقاطع ذات الطابع
الإباحي، من قبل مستخدميه، وهو ما أدى إلى تعليق المعترضين على الأفلام تعليقات
عنيفة ضد إدارة الموقع، كما أنه تعرض لأزمات ذات طابع سياسي بسبب بث العديد من
مقاطع الفيديو الجدلية التي إما تحتوي على مضمون يحرض على الكراهية وإما ازدراء
الآخرين.
لذلك أعلنت إدارة الموقع عن
شروط خصوصية، تنبه فيها إما إلى أن طبيعة المحتوى قد لا تكون مناسبة لجميع
المستخدمين وإما إلى طلب توقيع المستخدمين على طلب اشتراك في خدمة بث المقاطع التي
لا يمكن تصنيفها كمقاطع عامة مناسبة لكل المستخدمين.
لكن من جهة أخرى، فإن
العديد من المقاطع التي يبثها الموقع، آخذا في الاعتبار أنه يبث المقاطع التي يقوم
بتحميلها جمهور من أرجاء العالم، قد أثارت حفيظة العديد من الجماهير، ما أدى إلى
تعرض الموقع للمنع لفترات مختلفة في قائمة كبيرة من الدول في أرجاء العالم.
دول منعت الموقع الشهير
فقد منع في البرازيل حين
منعت محكمة هناك موقع يوتيوب في 6 يناير 2007 لمدة ثلاثة أيام إثر نشر الموقع
فيلما فاضحا للمذيعة البرازيلية المعروفة دانييلا سيكاريللي (الخطيبة السابقة
للاعب كرة القدم رونالدو). وكذلك منع الموقع في إيران في 3 ديسمبر 2006، بعد أن
اعتبر الموقع «لا أخلاقياً».
وفي المغرب في 25 مايو
2007، منعت شركة اتصالات المغرب موقع يوتيوب، وتمت إزالة المنع بعد خمسة أيام، بعد
أن ذكرت الشركة أن ذلك كان «خطأ تقنياً»، كذلك في اليمن قامت بمنع الموقع في تاريخ
11 / 6 / 2008 لمدة ثلاثة أيام.
أما في السعودية، ووفقا
للمعلومات المتاحة على الموسوعة الافتراضية الشعبية (ويكيبيديا)، فإن هيئة
الاتصالات وتقنية المعلومات هي التي تتولى الإشراف على رقابة الإنترنت في
السعودية. وبالرغم من أن موقع يوتيوب غير ممنوع في السعودية، فإن أكثر المقاطع
المخصصة للأشخاص البالغين (18 سنة أو أكثر) التي تشتمل على محتوى جنسي أو سب في
الإسلام أو الدولة ممنوعة. كما أنه لوحظ حجب مقاطع وقنوات معينة دون معايير واضحة
للحجب.
وفي 8 مارس 2007، تم منع
موقع يوتيوب في تايلند لمدة يومين. وفي تاريخ 3 أبريل 2007، تم منعه مرة أخرى.
وذكرت الحكومة أن هنالك فيلماً يشتم الملك بوميبول أدولياديج. وذكر وزير تقنية
المعلومات والاتصالات التايلندي بعد ذلك أن المنع سيزال، ولكن سيتم منع المواقع
التي تضع وصلات لذلك الفيديو. وأزيل المنع في 30 أغسطس 2007 بعد أن وافق موقع
يوتيوب على إزالة الأفلام الممنوعة التي قالت عنها الحكومة التايلندية إنها
تهجمية.
كما تم منع موقع يوتوب في
تركيا في 6 مارس 2007، بسبب السماح بوضع أفلام تسب الأتراك ومصطفى كمال أتاتورك،
إثر تصعيد ما سمي «بالحرب» بين اليونانيين والأرمن والأكراد والأتراك على موقع
يوتيوب، حيث قام أطراف متعصبون من كل من تلك القوميات ببث ونشر أفلام مسيئة
للأطراف الأخرى. وبعد أن قام محامو «يوتيوب» بإرسال وثيقة تبين إزالة الأفلام
المسيئة للأتراك، أزيل المنع في 9 مارس 2007. وفي 18 يناير 2008، منع الموقع لنفس
الأسباب لمدة ستة أيام. وفي منطقة الخليج العربي، منع موقع يوتيوب في الإمارات
لفترة. وقد ذكرت مؤسسة الإمارات للاتصالات المزودة لخدمة الإنترنت أن المنع تم
بسبب «احتوائه على أفلام مخالفة للدين والعادات والتقاليد لمجتمع الإمارات العربية
المتحدة».
ومن جهة أخرى، فإن باكستان
كانت قد قررت يوم الأحد 24 فبراير من العام 2008 حجب الدخول إلى موقع يوتيوب، الذي
يُعتبر من أكثر المواقع شعبية على الإنترنت، على أساس أن محتوياته تسيء إلى
الإسلام وتم رفع الحجب في الثلاثاء 26 فبراير من العام 2008. كذلك في تونس تم منع
الموقع منذ أغسطس 2007 بسبب الفيديوهات السياسية للأحزاب المعارضة، التي كانت
تنتقد أو تسب نظام الرئيس السابق بن علي وتؤلف «نكتا تسخر منه. وتم رفع الحجب في
الخميس 13 / 01 / 2011 (قبل خلعه بيوم).
أما في سورية فلطالما كان
الموقعان العالميان «فيس بوك» و«يوتيوب» محجوبين هناك، إلا أنه في مطلع عام 2011
وإثر الثورات العربية التي قامت على أساس صفحات الفيس بوك والفيديوهات المنشورة
على اليوتيوب، قامت شركة الاتصالات السورية بفتح الموقعين.
أما في مصر فقد وصل الأمر
إلى القضاء في فترة حكم الإخوان في مصر، ففي 9 فبراير 2013 ألزمت محكمة القضاء
الإداري المصرية الحكومة المصرية ممثلة في وزارتي الاتصالات والاستثمار بحجب موقع
يوتيوب في مصر لمدة 30 يوما لإذاعته الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تم منع الموقع في
العديد من الدول العربية مدة يومين بعد أن نشر الموقع الفيلم نفسه وامتناع شركة
جوجل عن حذفه.
وبرغم كل شيء يظل الموقع واحدا من أبرز ما أنتجته تقنية
الوسائط الافتراضية الحديثة، ولا شك في أن دوره سيستمر وربما بشكل أكبر، وأكثر
تأثيرا على الأجيال الجديدة، ولكن المؤكد أن الفوائد العديدة التي سيجنيها هذا
الجيل ثقافيا وفنيا، من خلال المواد التعليمية والتثقيفية وخدمات تعليم الفنون
وغيرها سيكون لها أثر أكبر بكثير، مقارنة ببعض المواد ذات الطابع السلبي، أو هذا
ما نرجوه على الأقل.
إبراهيم فرغلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق