إنها قضية تحتاج إلى شرح وتوضيح! ولابد من تسليط الضوء
على شتى جوانبها لكي يعرف كل طرف واجبه وحقه.. فلا شيء في الدنيا أفظع من التسلط!
والاستبداد! وفرض الرأي! ورفض الرأي الآخر! بلا منطق أو تفكير.
لقد تعود الرجل عبر تاريخ طويل على أن يحول المرأة إلى
مكان هامشي داخل البيت! وعاملها باستمرار على أنها "مواطنة" من الدرجة
الثانية أو الثالثة! دورها يقتصر على الاستجابة لرغباته! وإنجاب الأبناء وتربيتهم!
وفوق هذا! وقبله! عليها أن تكون الخادم الأمين! الذي يطيع الأوامر ولا يرفض أبدا
ما يملى عليه.
وتعودت
المرأة في الماضي على قبول ذلك! والخضوع له! فهي تسبح بحمد "سي السيد"
وكل همها أن ترضيه وهي تسعى إلى ذلك بكل ما تستطيع! وليس من حقها أن تضجر! أو
تتململ! أو تعارض.. إنها تقر وتعترف بأنها فعلا مخلوقة جاءت للأرض من بعده! وهي لا
تتجاوز أن تكون ضلعا منه لا أكثر ولا أقل! وكان شعارها خلال القرون ما عبرت عنه
الحكمة اليابانية: "البيت الذي تقوم فيه الدجاجة بعمل الديك! يخرب"..
دون أن يتساءل أحد ما هو بالضبط عمل هذا الديك وما هي مهمة الدجاجة?.. هل يكتفي
بأن يتيه بتاجه وعرفه الأحمر! وبمشيته يتبختر! وبإطلاق صوت أذانه مع كل صباح!
بينما تقوم هي بوضع البيض والرقاد عليه! ثم رعاية الصغار?
قنعت
المرأة بهذا الدور عصورا طويلة! لكن الإنسانية لم تعدم ظهور نساء استطعن بشكل أو
بآخر فرض أنفسهن على الرجال! فكانت هناك حتشبسوت في مصر! وسميراميس في العراق!
وبلقيس في اليمن.. نساء توجن ملكات! ولم يكتفين بأن يبقين دمى داخل حجرات البيوت!
بل انطلقن إلى عالم أرحب.. وحكمن.. ومما لا شك فيه أن وصولهن إلى مرتبة الملكات
والجلوس على العرش جعل سلطتهن ونفوذهن داخل البيوت لا تقل عن مثيلاتها خارجها
فسيطرن على الزوج والولد.
التفرقة المبكرة
ولا
شك في أن امرأة! هنا أو هناك! نجحت في أن يكون دورها أكبر! ثمرة لشخصيتها وقدرتها
وإرادتها! وربما نتيجة لأن الرجل كان ضعيفا! وبلا إمكانات! ومسلوب الإرادة! أو
معتمدا عليها كل الاعتماد.. على أننا لا نظن أن ذلك قد حدث نتيجة قناعة من الطرفين
بأنها مادامت تقوم بواجبها فلابد لها أن تستمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة.. كان
الوضع أن تقوم على خدمته! بل وتقدم له الطعام أولا! ليأكل! ثم تستطيع بعد ذلك أن
تأكل هي والأولاد.. وقد يكون نهما فلا يترك لهم الكثير! لكنها تقنع بذلك وترضى!
فهكذا ربتها أمها! وهكذا كانت! وأيضا سوف تكون ابنتها كذلك..إنه وضع طبيعي! ساد
قرونا طويلة! وكان الخروج عليه بدعة وقد يكون بسبب جمال امرأة بذاتها! وتمنعها
عليه! وامتلاكها لزمام نفسها وزمامه.. وهذا ما تقوله الكتب التعليمية إلى يومنا
هذا (هي تطبخ.. وهو يكتب)! ونراها في المطبخ وهو جالس إلى مكتب. وذات يوم زرت
مؤسسة سياسية في بلد عربي! كانت مهمتها أن ترعى الطلائع بنين وبنات.. وقادوني إلى
غرفة! وقال المشرف في فخر:
ـ
هنا نعلم الفتيات الخياطة والتطريز وأعمال الإبرة..
سألت
في هدوء: وماذا عن الفتيان?
تطلع
إلي الرجل في دهشة تصل إلى حد الذهول! وقال: ـ هل تريد أن نعلم الفتيان الخياطة?
ـ
لم لا?.. لقد انقطع زرار مني صباح اليوم واستعنت بالفندق لإعادته إلى مكانه! ولو
أنني دربت في طفولتي على ذلك لكان ميسورا أن أفعله.
قال:
الأولاد عندنا لن يقبلوا أبدا على التدرب على الخياطة وأشغال الإبرة.. يرون ذلك
امتهانا لهم.
قلت:
من هنا تبدأ التفرقة العنصرية بين الولد والبنت.. أرجوكم! راجعوا أنفسكم..
قال
بلهجة قاطعة: مستحيل..
وأدركت
أننا نزرع هذه التفرقة منذ البداية! ونرى أن للأولاد أشياء خاصة بهم! وللبنات
أشياء أخرى! وأن الأولاد يترفعون عن أعمال ضرورية يجب أن ينهض بها الجنسان دون أية
تفرقة! وفي مجال الطبخ والأزياء! تمارس النساء ذلك داخل البيوت! أما خارجها فإن
أشهر الطباخين ومصممي الأزياء وصانعيها ليسوا من النساء! بل هم من الرجال! أليست
هذه مفارقة تستحق منا وقفة! وتستحق أن نعيد النظر في تصور أن (هي تطبخ! وهو يكتب)!
وكأنما الطبخ ليس عملا! وكأنما هي لا تستطيع أن تجلس إلى المكتب! أو تمارس تجاربها
العلمية في المعمل! وكأنها لم تكن ملكة وحاكمة في الماضي! ورئيسة للوزراء في
الحاضر في باكستان وتركيا (الإسلاميتين) أما عندنا فالقانون (هي تطبخ وهو يكتب).
تقول كاتبة أطفال أمريكية:
ـ
إن زوجي في غرفة مكتبه! بين حين وآخر يفتح الباب ويطلب مني فنجان قهوة! سرعان ما
ألبي.. وساعة الغداء يخرج ليجد الطعام مطهوا جاهزا! ويأكل.. ثم يأوي إلى غرفته
ليستريح! ثم يعمل.. وأصرح بيني وبين نفسي: أنا كاتبة مثله تماما! وحققت النجاح!
فلماذا لا يسهم معي في أعمال البيت?
أدهشني
قولها! فالذي رأيته ولاحظته أن الرجل الأمريكي يشارك بإيجابية كاملة في أعمال
البيت! وعندما ذكرت لها ذلك! عقبت ضاحكة:
ـ
لا تصدق..إنه عمل تطوعي يقوم به أحيانا! ومن حقه أن يمتنع عنه في أي وقت..
أدهشني
أن يكون هناك في أمريكا أيضا (هي تطبخ وهو يكتب)! (هي تكنس! وهو يؤلف)! (هي تصنع
الشاي! وهو يحضر الاجتماعات).
المساواة مطلب نسائي
وعندما
سألت الكاتبة الإفريقية ـ البيضاء ـ د. مورتون من جنوب إفريقيا: كيف تسنى لك
الحصول على جائزة نوبل؟ هل كان يمكن لكاتبة ملونة أي سوداء أن تفوز بها؟
قالت:
طبعا.. لسبب بسيط! هو أن أمي في طفولتي أخذت بيدي إلى المكتبة! ولو كنت زنجية لما
سمحوا لي يومها بالدخول! ولو كنت طفلة سوداء لما استطعت أن أمارس حريتي في التعبير
عن نفسي.. إن التفرقة العنصرية بين السود والبيض أوجدت ألوانا من التفرقة لا تحصى!
وعندما كنت أدخل إلى قاعات الرقص أجد أن الجميع بيض! وهم أيضا كذلك في أفلام
السينما اللهم إلا الخادمات! لذلك فإن الطفولة هي بداية الطريق للإحساس بالتفرقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق