أنَّا
لِسانُكَ الَّذِي تتكَلَّمُ بِهِ، وأُذُنُكَ الَّتِي تَسْمَعُ بِهَا، وَعَيْنُكَ
الَّتِي تَرى بِهَا، وَعَقْلُكَ الَّذي تُفَكِّرُ بِهِ.
أَنَّا
صَديقُكَ فِي ضيقِكَ، وَمِصْبَاحُكَ السِّحْرِي، الَّذي إذا أضَأْتَهُ، يَقُولُ
حينًا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أنا بَيْنَ يَدَيْكَ...اضْغَطْ عَلَى الزِّرِّ،
اْصِلْكَ حَالاً بمنْ تَطْلُبُ وَتَرْغَبُ.
أَنَا
جِهَازٌ صغيرٌ، تَحْمِلُنِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَتَضَعُنِي فِي جَيْبِكَ
وَحَقيبَتِكَ، وتُعَلِّقُنِي بِحِزامِ سِرْوالِكَ.
الْبَعْضُ
يُسَمِّيني (نقَّالا) لا لأنَّني ثَرثَارٌ، أَنْقُلُ الكَلاَمَ مِنْ هَذَا إلى
ذاكَ، وَمِنْ هَذِهِ إلى تِلْكَ، بَلْ لأنَّهُ يَنْقُلُنِي مِنْ مَكاَنٍ إلى آخَرَ،
سَواءً كانَ قَريبًا أو بَعِيدًا.
والْبَعْضُ
يُسَمِّيني (مَحْمُولاً) لأَنَّهُ يَحْمِلُني مَعَهُ، أنَّى ذَهَبَ وَحلَّ، لاَ
أُفارِقُهُ لَحْظَة، لَيْلَ نَهَارَ، كأنَّنِي صَدِيقُهُ أو ظِلُّهُ.
والْبَعْضُ
يَصِفُنِي بـ(الْخَلَوِي) هَلْ لأنَّهُ يَخْتَلِي بِمُكَلِّمِه، كَيْلاَ
يَسْمَعَهُ الآخَرُونَ؟!...لا أدري!
قُلْتُ
لَكَ إنَّني جِهَازٌ صَغيرُ الْحَجْمِ، تَسَعُني قَبْضَةُ يَدِكَ. لَكِنَّ عَقْلِي
كَبِيرٌ، كَبيرٌ جِدَّا، أَكْبَرُ مِنْ عَقْلِ الإنْسَانِ الَّذي صَنَعَنِي.
فَأنَا لَسْتُ هاتِفاً أوصِلُ الْكَلامَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَطُ، بَلْ بِفَضْلي
تَسْتَطيعُ أنْ تَدْخُلَ الإنْتِرْنتْ، الشَّبَكَةَ الَّتِي تَصِلُكَ بِسُرْعَةٍ
فائقَةٍ إلى الْمَعْلُومَاتِ.
وتَسْتَطِيعُ
أنْ تُرْسِلَ وَتَتَلَقَّى الْبَريدَ الإلِكْتْرُونِي. وأَنْ تَلْعَبَ أَلْعَابًا
ذِهْنيَّةً، وتُشاهِدَ رُسُومًا متحرِّكةً، وَتَسْمَعُ مُوسِيقى عَذْبَةً فِي
سَفَرِكَ الْقَصِيرِ والطَّوِيلِ، وفِي نُزْهَتِكَ، مَثَلاً.
كمَا
تَسْتَطِيعُ أنْ تَلْتَقِطَ بِي صُورًا مُلَوَّنَةً فِي أَيَّةِ لَحْظَةٍ، وَفِي
أَيةِ مُنَاسَبَةٍ، وتُشاهِدَ مُكَلِّمَكَ على شاشتِي.
وتَسْتَطِيعُ
أنْ تَجْعَلَني سَاعَتَكَ الْمُنَبِّهَةَ، وحَاسِبَتَكَ في الْعَمَلِياتِ
الصَّعْبَةِ، ومُفكّرَتَكَ الَّتِي تخْتَزِنُ أسْمَاءً وَأرْقَامًا لا تُحْصى ولا
تُحَدُّ أوْ تُعَدُّ....!
هَلْ
تُرِيدُ أنْ تَعْرِفَ شَيْئا آخَرَ عَنِّي؟
إذَنْ،
اسْمَعْنِي: يَوْمًا مَا، كَانَ أَطْفَالٌ فِي رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ.
وَبَيْنَمَا هُمْ يَلْعَبُونَ فِي غَابَةٍ كَثيفَةٍ، يَجْرونَ، يَقْفِزُونَ
ويَخْتَبِئُونِ، إذا بِهِمْ يَتِيهونَ.
بَحَثوا
وبَحَثوا طَويلاً عَنْ راعٍ أَو قَنَّاصٍ أوْ حَطَّابٍ، أَوْ أَيِّ شَخْصٍ
يَدُلُّهمْ على الطَّرِيقِ فَلَمْ يَجِدوا غَيْرَ الْقُرُودِ والْقَنَافِذِ
والأَرانِبِ والسَّنَاجِبِ...!
إذَنْ،
كَيْفَ يعودونَ، والظَّلامُ يَنْزِلُ يَنْزِلُ؟!
خَطَرَ
بِبَالِ طَفْلٍ صَغيرٍ مِثْلِي، أنْ يُشَغِّلَنِي فَيَتَّصِلَ بمُعَلِّمِهِ.
وهذَا
ما فَعَلَ، وصَفَ لَهُ الْمَكَانَ وَصْفًا دَقيقاً، ولَمْ تَمُرَّ إلاَّ دَقَائقُ
قَلِيلَةٌ، حتّى حَضَرَ الْمُعَلِّمُ، وأَخَذَهُمْ مَعَهُ.
وَفِي
فَصْلِ الشَّتَاءِ الْمَاضِي، سَقَطَتْ كومَةٌ مِنَ الثَّلْجِ على مُتَزَلِّجِينَ
وَمُتَزَحْلِقيِنَ.
فَظَلّوا
فِي كَهْفٍ سَاعَاتٍ طوِيلةً، إلى أن حَضَرَ الْعُمّالُ بِفُؤوسِهِمْ، فَأَزَاحوا
عَنْهُمُ الكومَةَ، وأَخْرَجوهُمْ. فَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلنِي أَحَدُهُمْ، لَمّا
حَضَرَ العُمَّالُ، وَلَظَلّوا فِي الْكَهْفِ أيّامًا وأَسَابِيعَ!
ألا
يدُلُّ هَذا الْعَمَلُ عَلى دَوْري الْكَبيرِ فِي حَيَاتِكَ؟
لَكِنْ...اسْمَعْنِي
جَيِّدًا وافْهَمْنِي:
لاَ
يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَعْمِلَنِي كثيراً، وفي كلِّ حِينٍ، لأَنَّ أشعَّتِي ستُؤْذي
طَبْلَةَ أُذُنِكَ وَيَدَكَ وجِلْدَكَ.
ألا
تُلاحِظُ تَأْثيرَ هَذِهِ الأشَعةِ على شَاشَةِ الْحَاسوبِ والتِّلْفازِ أَيْضًا؟
إذَنْ،
كَيْفَ لاَ تَؤَثِّرُ على الْوَلَدِ الصَّغيِرِ الطَّرِيِّ الْعَودِ وعلى
الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ وجَنِينِهَا؟!
احْذَرْ
واحْتَرِسْ... لاتَسْتَعْمِلْني كَثِيرًا؟
إقرأ أيضاً:
طرق تنمية التفكير الإبداعي عند الأطفال
الاستكشاف والمخاطرة عند الأطفال الفوائد والأضرار
ضرب الأطفال: الآثار الضارة والبدائل الفعّالة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق