يظن البعض أن الهجرة أمر يخص الرجال
وحدهم، فهم القادرون على اتخاذ قرار بترك الوطن، والترحال إلى بلاد أخرى ينشدون
فيها الرزق أو ينشدون الأمن، وربما ينشدون العلم.
يظن البعض ذلك لكن
الدراسات الدولية تقول إن المرأة ليست أقل إقبالا من الرجل على الهجرة، بل إنها-
في كثير من الأحيان- تكون صاحبة المبادرة، وصاحبة النسبة الأكبر بين المهاجرين.
تؤكد ذلك دراسات صندوق
الأمم المتحدة للأنشطة السكانية والتى أذيعت في منتصف 1993.
ففي أوربا، ووفقا لأبحاث قامت بها
"منظمة التنمية والتعاون " من المتوقع أن تكون النساء- على المدى
المتوسط والطويل- نسبة غالبة في المواليد الأجانب، أيضا، وفي إفريقيا- جنوب
الصحراء الكبرى- تبدو الظاهرة نفسها، بينما تشكل النساء في الهجرة من أمريكا اللاتينية
نسبة عالية.
وإذا كانت الهجرة- في معظم حالاتها-
اقتصادية فإن الأرقام تشير إلى أن النساء أكثر انتظاما في تحويل عوائد العمل إلى
أسرهن داخل البلاد الأصلية.
في إندونيسيا كثير من المهاجرين، لكن 78%
منهم عام 1988 من النساء، أيضا وفي منتصف الثمانينيات كان النساء يشكلن حوالي
"60- 70" بالمائة من اليد العاملة المهاجرة من سيريلانكا، لذلك فقد كانت
متابعة هؤلاء والبحث وراء السلوك الاجتماعي والمالي لهن قضية شغلت بال الباحثين.
و... كانت المفاجأة وهي أن معظم التحويلات
التي تقوم بها المهاجرات قد جاءت من دول الخليج، وأن ترتيب ذلك في مصادر العملة
الأجنبية بسيريلانكا قد جاء في المرتبة الثانية بعد محصول الشاي، وهو أهم المحاصيل
هناك.
المرأة إذن تهاجر بأعداد كبيرة لا تقل عن
أعداد الرجال، وتغذي بلادها بعملات أجنبية قد تفوق ما يفعله الجنس الآخر، وقد
تفسر: لماذا تهاجر المرأة؟
وتسجل الدراسات أن الهجرة تكون عادة من
مجتمعات فقيرة نسبيا إلى مجتمعات تتوافر فيها فرص العمل، وأنه بالنسبة للمجتمعات
الفقيرة يوجد تمايز أيضا بين أهل الريف وأهل المدن.
ويسجل وضع المرأة في البلدان النامية أنها
تحصل على فرصة أقل في التعليم والعمل. ولأنها تتوق إلى مستوى أفضل فإنها تقفز خارج
الحدود، وهي تفعل ذلك مرتين، الأولى في سن مبكرة حيث تتركز المهاجرات في فئة
الأعمار بين سني 16- 24 سنة، وقبل الزواج الأول، ثم تقل نسبة المهاجرات وتقترن
بالحالات الأسرية. وتعود المرأة- مرة ثانية- للظهور كمهاجرة وحيدة في أعمار الخمسينيات
والستينيات.
أيضا تسجل ملاحظات الباحثين حول حالات
الهجرة في بلدان آسيوية وإفريقية، وفي المكسيك أن هجرة النساء ترتبط بحجم الأسرة،
وعدد الأطفال، فكلما زاد حجم الأسرة وقل عدد الأطفال أصبح الوضع متاحا بدرجة أكبر
لهجرة المرأة، فالحاجة الاقتصادية أشد، وعبء الأطفال ورعايتهم يكون أقل، يحدث ذلك
في الفلبين حيث ترتفع نسبة الخصوبة وتقل فرصالمراهقات، وللمسنات، فكلتا المجموعتين
تجد فرصتها خارج البلاد، وتكشف الأرقام عن أوضاع تلفت النظر.
ففي دراسة ميدانية بوسط المكسيك اتضح أن
"37" في المائة من الفتيات في الأسر التي فيها أكثر من سبعة إخوة وأخوات
قد هاجرن، وذلك بالمقارنة بعشرين في المائة فقط من الأولاد الذكور في الأسرة
نفسها!
أيضا، تبرز الدراسة أن وجود حقوق في الأرض
تتصل اتصالا وثيقا بالهجرة، ففي الأسر الكبيرة التي لا توجد لها حقوق في الأرض
هاجر 52 % من الفتيات! و. . ذلك مقابل 30% فقط في الأسر التي تملك أو تحوز أرضا.
أيضا، تشير الدراسات الميدانية في أمريكا
اللاتينية إفريقيا أن الهجرة تتناسب تناسبا عكسيا مع عدد الأطفال، فالنساء
المهاجرات غالبا ما يكون لديهن متوسط 1.6 طفل وذلك بالمقارنة بغير المهاجرات
الريفيات واللاتي لديهن 4.6 طفل.
هكذا تهاجر المراهقة والشابة والعجوز، ذات
الأسرة الكبيرة والأطفال القليلين، والضعيفة اقتصاديا في معظم الأحوال، ولكن، ماذا
بعد الهجرة؟
تقول الدراسات إن الاضطهاد يطارد المرأة،
فهي نادرا ما تحصل على وظيفة تتميز فيها عن الرجل، في العادة تحصل على الوظائف
الدنيا، سواء كانت منزلية أو في قطاع الأعمال، وفي معظم الأحيان فإن قوانين العمل
لا تحميها، ويكون أجرها أقل من أجر الرجل.
وربما كان ذلك- في حد ذاته- سببا لتفضيل
المرأة في كثير من الحالات، فالصناعات التصديرية في شرق آسيا كثيرا ما اعتمدت على
يد عاملة نسائية، فهي توفر في تكلفة الإنتاج، ويقدم لها المشروع التزامات تأمينية
واجتماعية أقل، بل إنه كثيرا ما تفتقد المرأة العاملة للرعاية الصحية، إنها تقدم قوة
العمل، بأرخص سعر، وأسوأ شروط، وهي تبيع جهدها دون التزام مقابل، سوى أجر محدود.
و... بطبيعة الحال، فإن لذلك نتائجه
الاجتماعية، فكما أن المرأة الأقل التزاما بالأطفال تكون أكثر قدرة على الحركة
والهجرة، فإن المرأة المهاجرة تكون أقل رغبة في الإنجاب. لذا، فإن وضعها الاجتماعي
يتراوح بين العزوبية والأسرة الصغيرة، فإذا تجاوزت ذلك فإنها تدور في فلك مجتمع
عرقي صغير، إنها- ولمشاكل التعليم والثقافة واللغة- تنحصر غالبا في مجتمعها
المحدود ولا تنطلق لمجتمع أوسع، ولا تخالط جنسيات أخرى متعددة.
في الوقت نفسه- وكما تقول المنظمة
الدولية- فإنها تواجه مشاكل تتصل بحقوق الإنسان، فالبعض يحاول إساءة استغلالها
جنسيا، وفي معظم الأحوال فإنها لا تلقى رعاية صحية حتى في مجال الحمل والولادة،
وهو ما يحدث فى حالات كثيرة بشكل غير مرغوب فيه. الأسوأ، أن بعض البلدان تطرد
المرأة العاملة الأجنبية إذا أنجبت أو حملت. كما أن القوانين المحلية لا تحميها.
و... مع ذلك فهي مستمرة في الهجرة وتسبق
الرجال في ذلك.
محمد المراغي
مجلة العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق