رمز الوفاء في البراري والشوارع والبيوت:
صديقا وقائدا وحارسا مع احتمال تسليمك للشرطة!
أعترف بأني شغوف بالكلب
شغفا لا يقل عما تكنه له العوانس والصيادون والصابرات والباحثات عن العزاء، ولو وزّعت
ما في كلب معدوم النسب من صفة كالوفاء مثلا على الذين حولك، لأصيبوا بحالة حادة من
الإنسانية الدافئة، وهو كلام معروف رصد كثيرا من وقائعه الدميري والجاحظ ودوائر
المعارف المختلفة...
وأشهر كلب هو المصاحب
لأهل الكهف في القرآن الكريم، والكلب المصري هول الذي أصبح علما على كل كلاب
الشرطة، يتحسسون بأنف هذا الكلب رائحة الدم والبارود والمخدرات والمطمور من
الأسرار، وكلب الشاعر الأخطل الذي هجا به قوما: إذا استنبح الأضياف كلبهم، قالوا
لأمهم بولي على النار، وكلب آل باسكر فيلد الذي كشف سره شارلوك هولمز في رواية سير
آرثر كونان دويل، والكلب الملعون الذي يرد يوميا- وأحيانا كل ساعة- على لسان البشر
وصفا تعسفيا عدائيا لآخرين من البشر، وكلب السلطة: نوع من المخلوقات الإنسانية
يفسر كل ما يحدث من أمور بطريقة خاصة تصلح لأن تكون وشاية جيدة للسلطة، وصوت سيده:
علامة تجارية ظلت راسخة على اسطوانات الحاكي في شكل كلب غاص ببوزه في البوق وقد
أقعى مشرعا أذنيه، وقد اختنق كلب صوت سيده تحت مداهمة شرائط المسجلات الحديثة.
والكلب أكثر فصائل الحيوانات تعددا في
أنواعه وأحجامه وأشكاله، حتى أن ثمة نوعا منه ذا شكل معين لو قارنته بنوع آخر لما
استطعت أن تضع الاثنين في فصيلة واحدة، ولذا فقد كادت فصيلة الكلاب تحتوي داخلها
عددا لا بأس به من فصائل أخرى من المخلوقات: أمناء السر، نقاد الأدب، خدم الحريم،
المؤرخين الرازحين تحت وجهة نظر واحدة صبية الورش والمقاهي والنوادي، ناضـورجية
المهربين "أي هؤلاء الذين يكون عملهم مراقبة الطرق والمسالك بالنظر"،
وناضورجية قواد الحملات قبل عصر التقدم العلمي المذهل، وناضورجية الزوجات ذوات
الأزواج الغائبين، وكل هذا غير أنواع الكلاب ذاتها، السلوقي وأصله من بلدة سلوق
باليمن، والأرمنتي وتشتهر به منطقة أرمنت أعلى صعيد مصر، وكلب الصيد ويطلق عليه
علميا كلب الذئب الروسي، وكلب الغنم- أي كلب الرعاة- وهو المشهور بكلب سان برنارد،
وتتفرع منا كل ذلك جنسيات متعددة مثل كلب الصيد الأفغاني، والصيني، والمصري
البلدي، والقوقازي، والإسباني.
وأصغر أنواع الكلاب ما يسمى بالزبزب: صغير
الحجم جدا- أقل من أرنب- قصير القوائم، ويمتـاز بالتهور والشجاعة والذكاء، ويربى
في البيوت حيث لا ينضم إلى الأنواع الضالة الهائمـة في الشوارع والساحات وحول
المذابح والسلخانات ومعامل تفريخ البيض وتربية الكتاكيت.
وكل أنواع الكلاب قابلة للاستئناس
والتدريب، وتحظى- عند تدريبها- بقدرتها على الإمتاع واللهو وإثارة المرح، ويمكنها-
حينئذ - أن تفوق الإنسان في الخداع والمناورة، لكنها تفعل ذلك خالية من الشر،
والذي يظل الإنسان وحده صاحب الامتياز فيه، والذي يسلم قياده- بشكل أو بآخر- لكلب
يقوده من قضية إلى قضية، ومن سعادة إلى سعادة، ومن بؤس إلى بؤس. فإذا كان قد فقد
بصره تماما فعليه أن يعتمد على كلب أمين يخترق به الشوارع والمسالك، العصا وحدها
لا تكفي.
محمد مستجاب / مجلة
العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق