أرهقتني عـلاقتي
بالتفاح: ظللت ثلاثيـن عاما أتصـور التفـاح فاكهـة غامضـة لها إشعاع الراديوم
وتألق القمر وسطـوة إنـاث الجان اللاتي تزوجن من حكماء وجذبوهن إلى الهلاك، وبعـد
أن تـوقفت عن الدراسة التي كنا أثنـاءها نرسم تفاحا لم نشاهده، ونقرأ عـن شفة أنثى
شهية كالكـريز الذي فشلنا في تصوره...
أي بعـد أن تقلبت بي شتى
صنوف الفـاكهة في شتـى صنوف الأنظمة التي حكمـت مصر، وبعد رحيل جمال عبدالناصر
مباشرة رأيت التفاح، بوادر انفتاح كان يطل على استحيـاء، لكنـه انتشر في جميع
الأرجاء فـور انتصـار أكتـوبـر 1973، حرمـاني منـه ثلـث قرن ويزيـد جعلني شديـد
النهم في طلبه، حتى أنني كثيرا ما اشتريت التفاح على تفاح، أحـس به يتقلب في
المواويل الشعبية رمزا للمتعة، وفي الأسماء الأنثـويـة إشـارة لطمـوح دنيـوي
للوالـدين- لم يتحقق، وفي بروزه شريكا مـع الثعبان- عنصرا أساسيا لفاجعة نزول آدم
وحواء من الجنـة إلى الأرض، وفي قصـائد التشبيب عنـدما نتجـاوز مرحلـة الغزل، وفي
سلاسة طعمه التي تعلو فـوق أي طعـم مرافق، ولـو كـان مرا، وفي تدرج لونـه أثناء
استـدارة الخد الجميل الحار لأنثى تـدرك معنى الوهج.
والتفـاح- في تصنيفه العلمي- يتبع الفصيلة
الورديـة، لا أعرف كيف ولماذا، ولا أريـد أن أعـرف لأنني مقتنع بذلك، وموطنه
أوروبا والأناضول (تركيا وأطراف من أقطار أخرى) وجنوب القـوقـاز وشمال الهند، لكنه
سيظل فاكهة قومية في لبنان حتى ولـو لم تـذكـر المراجـع ذلك، ونجحـت زراعتـه في
مصر خلال الحقبة الأخيرة، كـما أن الأرض الأمريكية تنتج منه حـاليـا أنواعـا
وأصنافـا جديـدة ومتعددة، ويصل عـدد أنواع التفـاح في العـالم إلى 7500 صنف،
خمسـون فقط لها أهميـة تجارية، وثماره تنضج حسب الأنواع في جميـع فصـول العـام،
وتختلف الثمـرة حجما ونـوعا، وطعما أيضـا، وأنـا وكـل من أعرف من الأصدقـاء نعرف
التفاح فاكهـة طازجة أو مـربى، لكن البعض أكل ثمار التفاح مطبـوخـة ومقددة، ولا
أشك أبـدا أن البعض قـد حقق فوزا إذا ما ذكـر أنه أكـل فطيرة التفـاح، أو حلـوى
التفـاح وبعض أصنافه يعتصر شرابا يسمى (سيـدر)، كـما تصنع من التفـاح- أعـوذ
بـالله من الشيطـان الرجيم- أنوع من المشروبات المحرمة المذهبة للعقل، وقـد اعتقـد
الكثيرون أن (الشمبـانيـا) بصفتهـا أثمن المشروبـات: مصنـوعـة من التفاح، والصحيح
أن هذا المشروب اللعين- إنما هـو مجرد نبيـذ أبيض يتـلألأ بالحبب، وأفضل أنـواعه
ما صنع من العنب المزروع في مقاطعة شمبـانيا بفرنسـا، لعن الله صانعـه وحاملـه
وشاربـه، لكن الملاحظ أن ثمرة التفاح تصاب بتغير سريع فور تقطيعها، ثم يصيبها فساد
سريع أيضا (تخمر كحولي) إن وضعت في الماء، مع أن الثمرة - ذاتها- قـادرة على تحمل
مشـاق تغير الجو نقـلا وسفرا وتخزينا وقتا طويلا، حتى أن هذه الثمرة تنضج خارج
شجرتها إذا ما قطفت مبكرة.
ويـروق لكثير من الشعـراء المحـدثين
التهـويم حـول تفاحـة القلب بصفتها فاكهة محرمة، تشعل نار الرغبة في أفئدة
العاشقين، ومن النـادر أن تتفـاعل تعبيراتهم حول فـاكـهة أخرى، كـالموز والرمان والبرتقال
والجميز والفراولة، ولعل التكوين اللفظي للتفاحة بما فيه من موسيقى تصنعها علاقات
الحروف سبب آخر مع كونها كـانت فاكهة محرمـة تقود للمعرفة، إضـافة إلى تدرج لونها
المميز من الأصفر الفاتح حتى الأحمر الفاتح والغامق- وكل درجات الأحمر الملتهب
بـالموسيقى اللونية أيضا. يبقى من أمر التفاح شيء يسير: أن أجد من يهديني إلى
فطيرة التفـاح، أو يهديني فطيرة التفاح أيهما أقرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق