مسلسل الخواجه عبدالقادر يكشف حقيقة الشخصية المصرية
لقد أجاد المؤلف عبدالرحيم كمال (صاحب العمل الرائع: شيخ العرب همام)، وأبدع في الأداء يحيى الفخراني الذي يثبت أنه ماكينة تمثيلية ضخمة وجميلة وشفافة ورقيقة تناطح أعظم الممثلين العالميين، بل إنها العبقرية في اختيار الموضوع وفي اختيار التوقيت وفي طريقة المعالجة.
ويبقى فقط في المشهد شخصيتين تتميزان بالسواء والنقاء والقدرة على العطاء والتطور وهما الخواجة عبدالقادر وتلميذه الطفل كمال (الصغير) ويبدو التناقض واضحًا والتعرية مكتملة لتؤدي في النهاية بشكل درامي متماسك وغير مباشر إلى رؤية ورفض وكراهية النماذج المشوهة في المجتمع المصري والتي نكتشف أنها تعيش بيننا منذ زمن وإلى الآن وكل لحظة، ومن كثرة اعتيادنا عليها فقدنا القدرة على رؤية تشوهاتها، ولولا نموذج الخواجة عبدالقادر بنقائه وصفائه وبراءته لألفنا هذا التشوه واعتبرناه من المسلمات في السلوك المصري. والمسلسل به مستويين زمنيين ومع هذا لا يشعر المشاهد بصعوبة في متابعة النقلات الزمنية.
ويتبدى في المسلسل نوعين من الخطاب الديني نوع يتبناه الخواجة عبدالقادر وهونوع بسيط للغاية ويزيد من بساطته ضعف القدرة اللغوية عند الخواجة فيتحدث وكأنه طفل يتعلم الكلام ولكن درجة الصدق والإخلاص والشفافية والروحانية تجعل خطابه الطفولي البسيط أكثر تأثيرًا في الناس حيث يقربهم من حقيقة محبة الله ومحبة الناس ويقربهم من جوهر الدين وجوهر الإنسان وقد نجح في ذلك مع شخصيات شديدة الصعوبة مثل صابر الأعمى (المجرم المحترف) وشهاوية (بائعة المتعة)، أما الخطاب الآخر فيمثله الداعية الشاب عبدالقادر(الصغير) ابن كمال وهو يميل إلى التنطع والفذلكة والإبهار بالمصطلحات والتهديد والوعيد والإستعراض والرغبة في السيطرة على آلاف الجماهير، وأيضا الشيخ منصور شيخ القرية الذي يحفظ النصوص الدينية القديمة بلا فهم ويلوي عنق الأحكام ويسخرها لأغراض دنيوية وبناؤه الأخلاقي مشوه ومضطرب فهو كثير الكذب والإحتيال والإدعاء مع سطحية في الفهم وغباء في التعامل.
ومتانة النص مع عبقرية الأداء تجعلك لا تشعر بفجوات أو شروخات نتيجة هذا التناقض الصارخ بل تكتشف ذلك في سلاسة ويسر وتجد نفسك متعاطفًا مع ومحبًا للخواجة عبدالقادر رغم ما يلاقيه من صعوبات حياتية نتيجة تعامله البرئ الصافي الطيب (والساذج أحيانا) مع واقع خبيث ملوث وملئ بالشر. رسالة عميقة وبسيطة ورائعة يحملها عمل فني راق تفوق كل من فيه في الأداء الدرامي يتقدمهم ممثل عبقري محترم بحجم وقامة يحيى الفخراني فشكرا للجميع ولننتبه لما أصابنا من تشوه ولنعد إلى الفطرة الإنسانية البسيطة عسانا نقترب من أنفسنا ومن بعضنا وقبل هذا من ربنا.
إقرأ ايضًا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق