الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

• مسلسلات السير الذاتية العربية



          مثلت المسلسلات التلفزيونية العربية التي عرضت على شاشات القنوات الفضائية امتدادًا لما سبقها من سنوات، بشأن زيادة الجرعة كمًا وكيفًا بتكثيف شديد خلال شهر واحد. وتبقى مسلسلات السيرة الذاتية هي الأكثر إثارة للجدل. وقد ظهرت السيرة الذاتية عند العرب كفن تقليدي يتحدث عن البطولات (سير الأبطال الشعبيين)، وتطورت لتصبح كتب السيرة الذاتية بمنزلة سرد لبطولات وتكريم لشخصيات أكثر من كونها سيرا ذاتية حقيقية. وبالرغم من كل ذلك الجدل فإن المسلسلات المجسدة للسير الذاتية تتواصل، وهي تتناول:


·      قصص حياة شخصيات تاريخية
·      سير ذاتية لشخصيات دينية
·       مسيرة نجوم عالم الفن
·      أعلامًا وطنيين
          هذا العام 2012 تابعت الجماهير مسلسل «كاريوكا» الذي يتناول قصة حياة الفنانة تحية كاريوكا (وفاء عامر) بقلم فتحي الجندي، وإخراج عمر الشيخ. بالمقابل عرض مسلسل (الإمام الغزالي) عن سيرة حياة الإمام الكبير أحد أعظم مفكري أهل السنة من بطولة الفنان محمد رياض، وإخراج إبراهيم الشوادي. لكن المسلسل الأكثر جدلا هو (عُمر) الذي عرض السيرة الذاتية للفاروق عمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين، وبالرغم من صدور فتاوى من الأزهر الشريف ومفتي عام المملكة العربية السعودية بتحريم المسلسل، فإن المسلسل الذي أنتج بمشاركة رؤوس أموال سعودية قطرية وأدى معظم أدواره نجوم سوريون، تواصل عرضه عن نص كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي.
          المشكلات التي تتعرض لها مسلسلات السيرة الذاتية لا تقف عند حد الفتوى بتحريمها وتجريمها، بل تمتد لتقع تحت يد القانون، خاصة حين تتعلق السير الذاتية بأسر النجوم والشخصيات التي تتناولها هذه المسلسلات. حتى أن بعض النقاد أطلق على تلك المسلسلات قنابل درامية موقوتة. كما يظهر نوع آخر من المشكلات وهو سرقة النصوص التي يدعي أصحابها أنهم الأسبق إلى كتابتها حول بعض السير الذاتية للشخصيات العربية. كما تظهر نوعية ثالثة من المشكلات، كما في مسلسل «عمر المختار» الذي رشح لبطولته عمر الشريف ودخل نفقا مظلما بعد اعتذاره، وحين رشح نور الشريف للدور انسحبت شركة الإنتاج الليبية التي كانت ستشارك في تمويل وتسويق العمل.
          وقد تبرز مشكلة أخرى في تحديد الشخصية التي تقوم بالبطولة، فمسلسل "أهل الهوى" الذي يتناول قصة حياة الشاعر بيرم التونسي واجه مشكلة عدم العثور على ممثل وتناوب إسناد الدور إلى محمود عبدالعزيز وتيم الحسن (الذي قدم من قبل شخصيتي نزار قباني والملك فاروق) وفاروق الفيشاوي.
          وتبدو الأزمة الحقيقية في تصوير الشخصيات المعاصرة كما حدث مع مسلسلين تناولا سيرة الرسام ناجي العلي والشاعر محمود درويش، حيث كان تجسيدها توصيرا لرؤية الكاتب والمخرج وليس أمانة تاريخية تستعيد بصدق التاريخ.
          وأحيانًا ما تكون الشخصية نفسها مثيرة للجدل، وهو ما يلقي بظلاله على المسلسل كما حدث مع «الريان» الذي يتناول قصة حياة رجل توظيف الأموال خلال ثمانينيات القرن الماضي وأضاع ملايين الجنيهات من أموال المودعين لديه، حيث اتفق بعد خروجه من السجن مع المنتج محمود بركة على تقديم قصة حياته في عمل درامي، وجلس مع المؤلفين محمود البزاوي وحازم الحديدي لعدة أشهر يتحدث عن أدق تفاصيل حياته وعلاقاته بالمسئولين ونشأته الاجتماعية، ومع ذلك فتح الريان نفسه النار على هؤلاء، واضطروا لكتابة أن العمل من نسج الخيال.
بين العراق وتونس ومصر
          مع الفورة العددية للقنوات الفضائية العراقية أصبح تقديم تلك الشخصيات يعتمد على توجه القنوات المنتجة. وفي العراق - مثالاً - لا يتحمس كثيرون من صناع الفن لهذا اللون، فالمخرج العراقي فارس طعمة التميمي يرى أن المواضيع المختارة غير صحيحة، لأن بناء الشخصية العراقية الحقيقية أهم من السير الذاتية التي يمكن أن يتم التوجه إليها بعد الاستقرار الاجتماعي. ويوافقه الفنان عدنان شلاش الذي يرى حاجة مجتمعه لمعالجة الوضع المتأزم، وأن تناول الشخصيات غير مناسب خاصة مع سير مثل أبو طبر والقناص وعلي الوردي وسليمة مراد وغيرها. ومواطنهما الفنان حمودي الحارثي يرى أنها لملء الفراغ لا أكثر، لأن هناك قضايا أهم مثل تواجد أكثر من 3 ملايين لاجئ عراقي في أوربا، يعيشون محترمين وكل واحد منهم توفر له الدول متطلباته، وأن على الدراما أن تقدم أعمالًا لشرح كيفية إعادة هؤلاء. فيما يرى المخرج عزام صالح أن الكاتب العراقي لا يستطيع أن يتناول الواقع بتناقضاته، ولذلك لا تهتم الفضائيات بالنوعية سواء كانت القضية سيرة ذاتية أو موضوعًا هزليا، فهو يريد فقط أن يسقط أفكاره على هذا النص ويعرضه للمشاهدين.
          في المقابل تشكو بعض الشاشات من شح الأعمال الخاصة بسير ذاتية لمبدعي بلادها، فالتلفزيون التونسي لم يقدم سوى مسلسل وحيد بعنوان «خميّس ترنان» للكاتب الطاهر الفازع في تسعينيات القرن الماضي جسد فيه الممثل عبد القادر مقداد شخصية الموسيقار التونسي الشهير خميّس ترنان أحد أعلام الرشديية وأحد الرموز التاريخيين في تاريخ الموسيقى التونسية. وهو ما يعني أن عجلة الإنتاج مرتبطة كذلك بسوق عربية شاملة تحكمها المصالح. وإن كنت أرى أن مسلسلا مثل بيرم التونسي يمكن أن يكون فرصة للربط بين حياة الشاعر الكبير في وطنه ومهجره ومنفاه أيضا. كما أن آخرين لهم المكانة التي تسمح بإنتاج أفلام عن سيرهم الذاتية، في تونس وبلدان عربية أخرى.
          والواقع أن زخم الإنتاج التلفزيوني للسير الذاتية قد وجد أرضا خصبة في مصر، ليس فقط لثراء شخصياتها، وكتابها، وإنما لأن فنانيها جسدوا شخصيات غير مصرية كذلك، كما أن الشخصيات المصرية التي قدموها تخطى تأثيرها الحدود الجغرافية لمصر، باعتبارهم ملكًا للأمة العربية كلها. ومازلنا نذكر الشخصيات التي قدمها الفنان محمود ياسين ومنها جمال الدين الأفغاني وأمير الشعراء أحمد شوقي، وقدم الراحل أحمد زكي أيام عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وقدمت رانيا محمود ياسين مسلسل «أم الصابرين» عن السيره الذاتية لزينب الغزالي ودورها في الاتحاد النسائي مع هدى شعراوي.
          يبقى أدب السيرة الذاتية عند العرب مكتوبا ومجسدا على الشاشة الصغيرة مثيرًا للجدل. ربما بسبب ما يحيط بتلك السير من قداسة تاريخية، أو بسبب تعارض الخطوط الفاصلة بين الخاص والعام، بين السيرة الذاتية التي يؤرخ لها أحد الكتاب عن شخصية معاصرة أو تاريخية (بيوجرافي)، والسيرة التي يكتبها أحد الأعلام (أوتوبيوجرافي). وما بين هذين الفنين ستظل المسلسلات التلفزيونية المجسدة للسيرة الذاتية تتأرجح بين الرفض والقبول.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق