تقع القدم في نهاية
الساق عند فصيلة الثدييات العليا- والتي ننتمي إليها نحن، ونهاية القوائم عند
الفقاريات ذوات الأربع، وهي مركز الارتكاز والرقص والركل والحركة والتحرك، لكنها
تستخدم- في كثير من الأحيان- في إبراز الكبرياء "وضع الساق على الساق مع هز
القدم"، وفي التفكير "مخه في قدمه"، وفي التلامس الحذر للأمور
الأنثوية الحرجة...
كما أن بعض الأقدام تدر
على أصحابها عيشهم: في الرياضيين ومحركي أنوال النسيج- من الطراز القديم - ودواليب
القلل الفخارية، والمتراقصين أمام الأفراح، والضاربين الأرض بأقدامهم اعتزازا
بالقانون والدستور، والمتربصين صمتا في التواءة مظلمة وبأيديهم السلاح، وفي هذه
الحالة بالذات - التربص للقتل- نجد الوجه جامدا والأصبع مهيأ لتحريك الزناد في
ثبات، اما القدم فتضطرب اضطراب الوتر، إنها تشي عما يعتمل أكثر من بقية أعضاء
الجسد.
وأقدم قدم تاريخية هي للغراب الذي نبش
الأرض ليحفر حفرة لجثمان هابيل بن آدم كأول درس لنا في الدفن، وقدم سراقة بن مالك
التي ساخت في الرمال بعد أن ساخت قدما جواده حينما أسرع مبلغا قريشا عن اكتشافه
مكان الرسول الكريم خلال هجرته، وقدم نابليون التي كانت تزداد اضطرابا حينما يواجه
الأهوال، حتى أن البعض كان يظنه أعرج، وقدم المغني المصري عبدالعزيز محمود- وكانت
من الخشب- وقد حاولنا استكشاف أيهما من قدميه دون جدوى، وقدم الممثلة مارلين
ديتريش ذات الساق المتألقة والتي فتنت مشاهديها أعواما لابأس بها من القرن
العشرين، وهناك أقدام تاريخية أخرى أقل أهمية عند تيمورلنك وعشيق الجاسوسة الشهيرة
ماتا هاري، والمواطن الذي قاد الشرطة إلى مدافن ضحايا ريا وسكينة في الإسكندرية.
وأكثر الأقدام قوة ونحافة تجدها عند قادة
الأوركسترا والسقائين والحمير والنشالين والنعام والخطافين وسقاة المطاعم وأبي
قردان وحصان الفوارس- أي قبل أن يصل إلى مرحلة جر العربات- وأكثرها بطئا وهدوءا
أقدام السفراء والأوز والبغال ومسترقي السمع وجامعي الأخبار وبائعي الكوارع وملاحي
السفن حينما يصلون إلى البر. أما أكثر الأقدام مرونة ورهافة ودقة ورقة ونعومة
فنجدها عند هواة استخراج الثعابين والعقارب، وراقصات الباليه، ولصوص تسلق الحوائط،
وأبطال القفز الثلاثي والرباعي، والخصيان من حرس النساء في الأيام السالفة،
والثعالب، وسندريللا، وأبي فصادة، ووزير الدولة المختص بأختام الملكة، واليمام-
دون الحمام- والمصابين بالأنيميا الحادة، والشعراء الصعاليك- تأبط شرا والشنفرى-
والغزلان، وقصاص الأثر، وكلاب الصيد، والذين يفسحون الطريق لمواكب السلطة، والزنابير،
وموظفي البنوك والمصارف المالية، وراقصات الأفراح المبتدئات..
أما أضخم الأقدام فيمتلكها المصابون
بالنقرس والأفيال والخراتيت، ومضحكو الكبراء، ومديرو مكاتب ذوي الشأن، وأرامل
الأثرياء، والعاملون في عصارات القصب والسمسم، وقراء الماتم، وكبار رجال الشرطة،
وجمال الحقول- دون جمال الصحراء - والملك فاروق ، والذكر الأول المولود على خمس
بنات، والخنزير، وعيدي أمين. أما الذين أجسادهم ضخمة دون أقدامهم فمنهم تشرشل
والخليفة عبد الملك بن مروان والممثل عبدالفتاح القصري وكافور الإخشيدي والممثل
تشارلز لوتون والشاعر كامل الشناوي وكلاب البوكسر الألمانية والإمبراطورية
العثمانية. فى حين أن الذين اشتهروا بصغر أقدامهم "الأقدام اليابانية"
بما لا يتناسب مع حجم أجسادهم فمنهم بيرم التونسي وفكري أباظة وأم كلثوم ومكرم
عبيد وماوتسي تونج وفاطمة رشدي وجان دارك والخبازون والعجانون والطائر أبيس. وهناك
الذين يملكون أقداما قوية عريضة تتناسب مع هياكلهم "وتتجاوز مقاس 44 "
مثل ديجول وتاليران وليندون جونسون وجمال عبدالناصر ويوليوس قيصر وعبدالحكيم عامر
ويحيى شاهين وعباس فارس وإيف مونتان وأنطوني كوين وعباس العقاد وعبدالمنعم
القيسوني وموسوليني وجورج أبيض ويوسف وهبي.ولا توجد من النساء من تجاوزت قدماها
هذا المقاس لأنهن لا يعترفن بذلك.
ولقدم الأنثى سحر معروف ينبع من قدرة
القدم على اختزال كل جمال الجسد، مثل مارلين مونرو وجريتا جاربو، وأميرات الأساطير
وحوريات النحل والفراشات والبنات الصغيرات قبل أن تداهمهن عوامل الطقس والتقلص
والتمدد، وهو ما يسميه الجغرافيون: عوامل التعرية، ولعل ذلك ما أدى إلى هذه القيود
المعدنية التي زين بها الشرقيون أقدام إناثهم- الخلاخيل- زمنا طويلا، ليس شكا في
حركتهن بل إعلانا عن سحرهن، أو الشك والإعلان معا.
محمد مستجاب مجلة
العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق