الخميس، 23 مايو 2019

• القرد زميل البشر في التشريح والاستيلاء


وقفت كثيرا على حافة ساحة القرود، متحرجا من الكتابة عنها، لاسيما وأن المنطقة التي يقع فيها مسقط رأسي تحتوي على أضخم تمثال لقرد رأته عين، فقد كانت منطقة الأشمونين - وسط صعيد مصر - تعبـد إله الحكمة - ويمثله القـرد - في الأحقاب الوثنية...

يراه السائحون الآن مدهوشين وعيونهم ترمش بإيقاع قـردي جميل، وربما تكـون هذه المنطقة وراء الحكايات والخرافات التي كثيرا ما تحيل أبناء الآمرين والخطاة والعصاة إلى هذا المسخ، مع أنها تخلو من الغابات الكثيفـة ونظرية داروين المرعبة.
وعلماء الحيوان يصنفون القرد - بكل أنواعه - مـع الإنسان في خانة الرئيسيات، وتحتهما تندرج بقية المخلوقات المعروفة، لكن القرد ظل قادرا على التسلل إلى ملامح النـاس وتصرفـاتهم، ابتـداء من الطـريقـة التي يقشر بها القـرد السـوداني وأصابع الموز، وانتهاء بالطريقة التي يتقافـز بها الإنسان صعودا وهبوطا، وبالقفز الثلاثي والرباعي وفنون الجمباز المختلفة، حتى ضـاق الأمر بالقـرد- في العـصر الحـديث- ليقف وراء أسـوار حـدائق الحيـوان وفي ساحـات السيرك ومصادقـة حواة الأسـواق والشـوارع وصيـادي الغابات، ويستمتع علماء التشريح بما اكتشفـوه من تماثل القـرد مع الإنسـان في الجهـاز الهضمي وتكـوين الأصـابع وحجم المخ ورغبـة الـذكـر في السيطـرة على القطيع أو العـائلة، كـما أن كليهما شديد المرح والسعادة بالطعام والنقود والنفاق والدفء ومداعبة الذين سيكونون ورثته، ولهما ولع بالاستعراض والمعابثـة وتصدر الندوات الثقافية وسماع الموسيقى والـوفاء، دعك من الطريقـة التي يفتح بها السكـرتير بـاب مديره العام أو وكيل وزارته، أو نصف الانحناءة التي يقـدم بها الأديب الجديد مؤلفاته إلى رئيس التحرير، أو نصف الإغماضة التي ترمق بها جارك حين يقتني سيارة أو زوجة جديدة، أو الطريقة التي تجلس بها وسط أسرتك - متبسطا على الأرض- عند العجـين والخبز والنوم كـالفلاحين، أو حتى النهج الذي تسلكه حين تفكر في الاستيلاء على أشيـاء أصدقـائك: الكتب والأفلام وآلات التصوير والرياش والإناث والمفاتيح، ذلك كله تحصيل لعلاقة تاريخية مزمنة بيننا وبين كل فصائل القـرود، سواء التي لا يزيـد حجمها على جرو "وليـد الكلب " أو التي يفوق جرمها مارد الأساطير.
ويعاني القرد - الآن - كما يعاني الإنسان الفاضل - من الانقراض، فمنذ القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين - وأكثر - اجتاح الإنسان أنواع القرود صيدا، واجتاحته الطبيعة حرائق وأوبئة وقحطا، وداهمته الحيوانات ذات الفصائل الشرسة اقتناصا، مما ألجأ الدول "الإفريقية بالذات" إلى إقامة محميات عله يعود للتكاثر، ويرجع إلى موضعه الأثير في كوابيس أحلام البشر، وإلى مركزه المعروف في علاج اضطراب الدورة الشهرية والجذام والشلل الرعاش، على أن يتم إنضاج لحم القرد على نار هادئة في ليلة مقمرة، بعد تخليصه من مؤخرته ذات المساحة الحمراء.
مجلة العربي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق