الجمعة، 24 مايو 2019

• اليد ذات الأصابع العبقرية

اليد ذات الأصابع العبقرية في العزف والذبح والخطف والرسم الجميل.
تعتبر اليد أخطر جهاز تنفيذي في الإنسان وبعض الأحياء الأخرى، وهي بأصابعها تختمر سماته الأساسية من جمال وشراسة ونظافة ونعومة وخفة وذكاء، تحدد المجال الجغرافي الذي يمكن للإنسان أن يعمل فيه، وعندما تصيبها العوائق تبدأ الأجهزة (الإنسانية) الأخرى في إعادة صياغة نفسها، وقد يقضي الإنسان عمره كله تحت وطأة إعادة الصياغة وستظل اليد العليا تعبيرا أثيرا عن النظافة والفضل والأخلاق الكريمة...

وأخطر يد تلك التي تفتل أصابعها خيوط المشانق أو تشعل النيران أو تمتد إلى دمعة تمسحها من فوق خدّ محزون، لكنها- هذه اليد- تصل إلى شموخها حينما ترتفع إلى أعلى الأعلى رافعة لواء الوطن، أو متوسلة الطريق إلى اجتزاء المصدر الداخلي للألم، أو متلمسة أوتار الموسيقى، أو معترفة بالإقرار كتابة عن حق لا يعرف طريقه أحد، أو مشيرة إلى ما قد يغيب عن الآخرين من أخطار.
وعبقرية اليد في أصابعها، ولها سحرها في الرسم والنحت والتدوين وكتابة الخط الجميل، وفي النشل من الجيوب، وفي التشبث بالصيد، وفي حياكة الملابس والمؤامرات وخدع السحرة والذبح والسلخ وخلع ذوي المناصب الكبرى، وهي قادرة على إبراز الإعجاب والاستحسان والرفض والقبول والتصفيق، ودرايتها معروفة في حك مصباح علاء الدين لإطلاق العفاريت والصواريخ والهيمنة على عجلات قيادة الطائرات، والسيارات، والجماعات والأفراد وسفن الفضاء، وخيول الأرض، والتقاط الديدان، وحفر القبور، واقتطاف الورد، وبعثرة الأموال، ونقب الحوائط، وتغيير صمامات القلوب، والسطوة على النساء والقوانين، وقطع الحبل السري للولائد، وتصل إلى قمة براعتها في التدليس والتزوير وبناء الشواهد وفقء العيون وإعادة صياغة التاريخ.
وأشهر الأيدي: استعمالا للسيوف عند خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص، وفي إطلاق النار عند أرسين لوبين (اللص الظريف)، وفي تقليب جيوب الآخرين عند على الزيبق، وفي فتح مغاليق الغموض عند شرلوك هولمز، وفي العزف عند روبنشتين شيطان البيانو، وعند الريس متقال في العزف على الربابة، وفي العزف على الكمان عند الإيطالي فيفالدي والمصري أحمد الحفناوي، وفي العزف على العود عند الإسباني رودريجو والعربي الشهير فريد الأطرش وجورج ميشيل، وفي الإمساك بعصا قيادة الأوركسترا عند الأرمني كرايان.
وقد انقضى العصر الذي كانت اليد فيه ترتاح لتضميخها بالحناء في الليلة السابقة على ليلة الهنا، وأصبحت نظيفة كريمة خاوية كيد حاتم الطائي، وانتهى بها الأمر إلى نوع من المبارزة أو المصارعة أو الملاكمة، حتى ولو كانت منسابة كأيدي راقصي الباليه وممثلي البانتوميم (التمثيل الصامت)، أو رؤما كالأيدى الممسكة بالطباشير تخط على السبورة السوداء ألف باء للأطفال، أو معقدة كتلك التي تستخرج من الكمبيوتر معلومات وبيانات مجهدة للعقل، أو هذه التي تمارس في عبقرية مستترة: إخراج الصفحات المطبوعة كل ساعة في جميع أنحاء الأرض، وهي التي تسبغ على حياتنا نوعا من الجمال اليومي المريح، لقد نجحت أحبار وألوان المطابع في احتلال المساحة التي كانت متاحة من اليد للحناء، دون اهتمام بفلسفة ليلة الهنا المأمولة دائما.
محمد مستجاب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق