الجمعة، 18 يناير 2013

• الصندوق الأسود.. (كل ما تريد أن تعرف عنه)



          الصندوق الأسود... تلك العلبة التي تعتبر أغلى قطعة في الطائرة، وتشكِّل تقدمًا علميًا وتقنيًا أشبه ما يكون بالخيال، وتمثِّل الناجي الوحيد، بل الدليل والشاهد الأوحد الذي يزوِّد المحققين بالمعلومات المطلوبة بعد تحطم الطائرة والواجب توافرها بعد الحادث لمعرفة أسباب وقوع الكارثة.

          ذلك الصندوق المخصص لتحليل أسباب حوادث الطائرات، والذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة في ضوء تكرار حوادث الطيران، والذي على الرغم من أن البعض قد يتصور أن أهميته قد تراجعت خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الفشل المتكرر الذي تعرضت له عمليات البحث عن أسباب سقوط بعض الطائرات، إلا أن المختصين مازالوا يؤكدون على الأهمية الكبيرة التي يلعبها ذلك الصندوق في التعرف على النسبة الغالبة من حوادث الطيران التي أخذت في الازدياد خلال السنوات الأخيرة.
          لنرَ معًا ما هو هذا الصندوق، وما هي فوائده، ومتى تمّ اختراعه، وكيف يعمل، وما هي مراحل تطوّره؟
ما هو الصندوق الأسود؟
          في الواقع، إن تسمية «الصندوق الأسود» هي تسمية عامة تطلق على الصندوقين المسجلين لبيانات الطيران وللأصوات التي تجري في قُمرة (كابينة) القيادة، حيث لا يمكن للمحققين أن يحددوا أسباب الحادث من مسجل البيانات فقط، ولكن من الممكن عند تسجيل محادثات طاقم الطائرة والاستماع إليها، ثم دمجها مع بيانات الرحلة المسجَّلة، أن يعرفوا سبب الحادث.
          في الأصل نجد أن مسجلات البيانات قد صنعت باستخدام بكر لشرائط من صلب لا يصدأ أو أسلاك كوسط للتسجيل. أما الصندوق الذي توضع به أجهزة التسجيل، فمصنوع من معدن «التيتانيوم» ومُبطَّن بمادة عازلة للحرارة، والإشارات مصنوعة من محولات متنوعة تسجل على أسلاك أو شريط كل ثانية بنموذج متكرر.
          وفي الولايات المتحدة، قام العلماء والمهندسون باستخدام الشريط الممغنط بدلاً من الصلب لصندوق مسجِّل بيانات الطيران، وأصبحت أمامهم مشكلة رئيسية عليهم أن يتغلبوا عليها، ألا وهي عدم مقاومة الشريط للنيران حتى يضمن مزية احتفاظه بمدة تسجيل أطول، بالمقارنة مع السلك الصلب. ومع التطور في الهياكل العريضة للطائرات مثل «بوينغ 747» و«دي سي 10» التي تسمح بحمولات إضافية من الركاب، كان هناك قلق من وقوع حوادث لا يمكن تفسير أسبابها نظرًا للنقص في المتغيرات التي تقوم بالتسجيل، وهذا ما دفع الحكومة البريطانية إلى أن تجري تغييرات في مواصفات أجهزة تسجيل البيانات، بحيث تسجل قراءات ما بين 17 إلى 32 متغيرًا كل ثانية، وكان ذلك عام 1967، كي يتمكن محققو الحوادث من إيجاد أسباب الحوادث بسهولة أكثر.
          وحديثًا، تمّ تطوير أجهزة تسجيل بيانات الطيران من الوحدات الصلبة، لتقوم بتخزين البيانات في ذاكرات من أشباه الموصلات أو دوائر متكاملة، بدلاً من استعمال طرق كهربائية ميكانيكية، حيث إن هذا النوع من الأجهزة لا يحتاج إلى صيانة دورية أو إصلاح، وبذلك تسمح للمستخدم بأن يصل إلى المعلومات في غضون دقائق. أما بالنسبة لمسجل صوت قُمرة القيادة، فهو يسجل محادثات الطيار ومساعده، بالإضافة إلى اتصالات المراقبة الجوية وإعلانات الركاب وتشويشات الطائرة. ويعمل لمدة ثلاثين دقيقة مستمرة، الأمر الذي يسمح لفريق التحقيق بأن يستمع لنصف الساعة الأخير وتغيراتها التي تحدث في الطائرة، والتي تعطيهم دلائل حيَّة عن لماذا وقع الحادث؟ فلا يمكن للمحققين أن يحددوا أسباب الحادث من مسجل البيانات فقط، ولكن من الممكن عند تسجيل محادثات طاقم الطائرة والاستماع إليها أن يعرفوا سبب الحادث، من هنا كانت فكرة تسجيل الصوت داخل قُمرة القيادة.
          أما مسجل الصوت ذو الوحدة الصلبة، فقد تمَّ تطويره أخيرًا نظرًا للحاجة إلى ذاكرة ذات سعة أكبر. وفي عام 1992، أصبح مسجل الصوت ذو الوحدة الصلبة متوافرًا بمدة تسجيل تبلغ ثلاثين دقيقة، تلاه نوع مطوَّر بمدة ساعتين للتسجيل عام 1995.
          جديرٌ بالذكر، أن موضع مسجلي البيانات والصوت ضمن الطائرة، هو في مؤخرة الطائرة، لأن المقدمة عادة تأخذ قوة الاصطدام الكبرى، ولذلك فالذيل والمؤخرة أفضل حالاً. وهناك أسهم على السطح الخارجي لجسم الطائرة، تشير إلى مكان الصندوق الأسود (وحدتي التسجيل).
          و يعتبر الصندوق الأسود الوسيلة الفعالة لتحديد سبب حوادث الطيران، وهو يشكِّل سببًا ودافعًا لتطوير صناعة الطيران وسلامة النقل الجوي.
تاريخ الصندوق الأسود الخاص بالطائرات
          كانت بداية التفكير في ضرورة وجود جهاز يقوم بمهمة نقل اللحظات الأخيرة لأي حادث طيران مع الحرب العالمية الثانية، حيث ظهر تطور سريع في الملاحة الجوية، وأدى هذا الأمر إلى تطوير الطائرات النفاثة، لكن في المقابل أصبح هناك الكثير من الحوادث التي لا يمكن تفسير أسبابها، ومن ثمّ أصبحت سلامة الطيران مهددة بأسباب غير معروفة في ذلك الوقت.
          ومنذ الستينيات بدأ الإنسان يفكر في جهاز يستطيع تحمل الانفجارات وتحطّم الطائرات والنيران وتحمّل المكوث في المحيطات، والسقوط من عشرات بل آلاف الكيلو مترات.
          ففي العام 1953، كان خبراء الطيران يجاهدون في سبيل معرفة أسباب حوادث سقوط عدد من طائرات شركة «كوميت»، التي بدأت تلقي بظلال الشك على مستقبل الطيران المدني برمته. وبعد عام اقترح عالم طيران أسترالي يدعى «ديفيد وارن» (من معامل أبحاث الملاحة الجوية في ملبورن بأستراليا) صنع جهاز لتسجيل تفاصيل رحلات الطيران. وكان الجهاز الأول أكبر من حجم اليد، ولكنه يستطيع تسجيل نحو أربع ساعات من الأحاديث التي تجري داخل مقصورة القيادة وتفاصيل وقراءات أداء أجهزة الطائرة. وهذا الجهاز ضد الحوادث والتلف، ويمكن بعد الحادث الحصول عليه واستخدام المعلومات المخزنة به، لمساعدة فرق التحقيق أثناء البحث في التعرُّف على أسباب الحادث، وفي ذلك العام قام «وارن» بطباعة تقرير، إلا أنه لم يحظ بالاستقبال المطلوب. وأُصيب الدكتور وارن بالدهشة عندما رفضت سلطات الطيران الأسترالية جهازه، وقالت إنه «عديم الفائدة في مجال الطيران المدني»، وأطلق عليه الطيارون اسم «الأخ الكبير» الذي يتجسس على أحاديثهم. وهنا قرر «وارن» عمل أنموذج للجهاز المبدئي بمساعدة مدير أعماله «توم آيبل» ومهندس الأجهزة «ت. ميرفيلر»، وقاموا بعمل الوحدة التي أسموها «وحدة ذاكرة الطيران لمعامل أبحاث الملاحة الجوية». واستخدم سلك صلب كوسط تسجيلي على أساس أنه مقاوم للنيران، وله قدرة على التسجيل حتى أربع ساعات لصوت قائد الطائرات وقراءات الأجهزة بمعدل ثماني قراءات في الثانية، بالإضافة إلى قدرته على أن يسجل تلقائيًا فوق التسجيلات القديمة، وبذلك يمكن للسلك أن يستعمل مرة أخرى. تمّ بعدها اختبار الجهاز في الجو بنجاح، ثم طُلب استخدامه من قِبل عدد من سلطات الطيران، ولكن لسوء الحظ لم تكن الاستجابة جيدة. وفي عام 1958، قام أمين مجلس التسجيل الجوي البريطاني «روبرت هاردينجهام» بزيارة معامل أبحاث الملاحة الجوية بأستراليا، وشاهد مسجل الطيران، وتحمَّس الرجل لإمكانات الجهاز، ورتَّب لاصطحاب «وارن» معه إلى إنجلترا، ليقوم بتقديم هذا الجهاز. كان الرد البريطاني مشجعًا من المصنعين، فقدموا للجهاز الدعم اللازم. وبعد أن بثت إذاعة «بي بي سي» تقريرًا حول الجهاز، تقدَّمت الشركات بعروضها لتطويره وصناعته، أتبع ذلك فرض مسجل الطيران على جميع الطائرات البريطانية. ثم قام «وارن» بمساعدة من «ألان سير» و«آن فرازر» و«والتر بوسول»، بتطوير جهازه المبكر، حيث أصبح الأنموذج المطوَّر يعمل بدرجة عالية من الدقة، وسجَّل 24 قراءة في الثانية، وقامت الشركة البريطانية «سز دافال وأولاده» بالحصول على حق الإنتاج لمسجل الطيران.
          في غضون ذلك، كان جهاز آخر يتم تطويره في الولايات المتحدة. وفي العام 1960، بدأت الإجراءات الأولى لجعل وضع الجهاز على متن الطائرات أمرًا إلزاميًا. ومع مرور السنين وتقدم التكنولوجيا الحديثة، استبدلت الأشرطة المغناطيسية بأجهزة كمبيوتر، وأصبحت الأجهزة أكثر تطورًا، حيث تستطيع تسجيل كمية أكبر من المعلومات والبيانات وأن تتحمل الصدمات والبقاء في أسوأ الظروف الطبيعية.
          في أستراليا أدى تحطم طائرة الـ «فوكر» في «ماكاي» بأرض الملكات عام 1960، إلى صدور أمر قضائي بتجهيز الطائرات الأسترالية بمسجل الطيران. وقامت شركة أمريكية تُدعى «المتحدة للتحكم في المعلومات»، بتطوير هذه الأجهزة في الطائرات الأسترالية، وغيَّرت وسط التسجيل إلى شريط مغناطيسي، إلا أن هذا الشريط لم يكن مقاومًا للنيران، وأدى هذا إلى إبطاء في تطوير الجهاز. وعلى الرغم من هذا الإبطاء، فإن أستراليا أصبحت عام 1967 أول دولة تفرض تركيب جهاز تسجيل البيانات والصوت في طائراتها. وأمرت وكالة الطيران الاتحادية بحمل مسجل رقمي منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، وهو قادر على تسجيل ما لا يقل عن 17 نوعًا من المعلومات. وبعد تطور المسجلات النظرية والرقمية تستطيع تسجيل ما لا يقل عن 100 نوع من المعلومات في وقت واحد، وذلك عن طريق تلقي المعلومات عن طريق أجهزة التجسس الموجودة بداخلها من سرعة الرياح والارتفاع والبوصلة والساعة الزمنية ودرجة الحرارة خارج الطائرة ووضع الطائرة في الجو... وكل هذا يرتبط بإبرة تسجيل تقوم بتسجيل كل الضغوط الواقعة والطارئة، وهي شبيهة بإبرة رسم تخطيط القلب.
          والآن أصبحت كل الطائرات مجهزة بتلك الأجهزة التي سمحت لمحققي الحوادث بأن يجدوا أسبابًا للعديد من حوادث الطيران.
استخدامات وفوائد الصندوق الأسود
          فضلاً عن استخدام الصندوق الأسود في مجال الطيران من قبل دوائر هندسة الطيران لرصد أداء الطائرات وتطويرها، وتحسين مستوى صيانتها، وتحسين مستوى السلامة والأمان، وتحسين تدريب وكفاءة الطيارين، وتزويد المدربين بسيناريوهات أكثر واقعية، وتطوير الصناديق السوداء نفسها.. تستخدم معلومات الصندوق الأسود من قبل دوائر ملاحي الطيران للارتقاء بمستوى الملاحين، ومن قبل شركات صناعة الطائرات لرفع مستوى السلامة في الطائرات الحديثة والقديمة، كما تفيد المعلومات الموجودة في الصندوق الأسود خبراء الأرصاد الجوية، فهي تقدِّم لهم معلومات دقيقة عن الظواهر الجوية الخطرة، مثل المقصاة الجوية والانفجارات الهوائية الصغيرة.
آلية عمل الصندوق الأسود الخاص بالطائرات
          كما ذكرنا، فإنه يوجد في كل طائرة صندوقان يقبعان في مؤخرة الطائرة، يسجلان ما يحدث للطائرة طوال فترة سفرها. وتقتضي وظيفة الصندوق الأسود الأول حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية (الوقت، السرعة، الاتجاه...). أما الصندوق الأسود الثاني، فوظيفته تسجيل الأصوات (مشاحنات، استنجاد، حوارات...). ويتشابه الصندوقان بالمظهر الخارجي، ويختلفان في التركيب من الداخل، ويبلغ طول كل من الصندوقين 20 بوصة، بعرض 5 بوصات، وارتفاع 7 بوصات.
          وتعتمد الصناديق السوداء على أشرطة ممغنطة للتسجيل، وقد بدأ استخدامها منذ عام 1960، أو الكروت الإلكترونية التي استُحدثت عام 1990. ويوضح «رون كروتي» من شركة «هنيويل» المنتجة للصناديق السوداء، أن الاتجاه الحالي يسير نحو استخدام الرقائق الإلكترونية للتسجيل، لأن صيانتها أسهل وكفاءتها أعلى ولا تتلف عند تحطم الطائرة، ويمكنها تخزين ساعتين من التسجيلات الصوتية و25 ساعة من البيانات عن رحلة الطيران.
          إن جميع الطائرات مزودة بأجهزة استشعار لجمع البيانات، مثل معدل السرعة وسرعة الرياح والارتفاع ووضع الأجنحة والحرارة الخارجية وحرارة الكابينة والضغط داخل الطائرة وأداء المحركات، فالشرائط الممغنطة تسجل مائة عامل، بينما تسجل الرقائق الإلكترونية 700 عامل. وجميع البيانات التي يتم تجميعها من الطائرة والرحلة يتم إرسالها إلى وحدة تجميع البيانات في مقدمة الطائرة، التي ترسلها بدورها إلى الصندوق الأسود.
          والصندوقان الأسودان يتم تشغيلهما بواسطة مولدات كهربائية توجد داخل محرك الطائرة، وعادة يوجد مولدان في كل طائرة، أحدهما يولِّد تيارًا كهربائيًا مترددًا بجهد 115 فولت وذبذبة 400 هرتز، والآخر يولِّد تيارًا مستمرًا بجهد 28 فولتًا. ويتم التسجيل داخل الكابينة، حيث إنه توجد في معظم الطائرات التجارية عدة ميكروفونات داخل كابينة الطائرة لتسجيل المحادثات بين الطاقم الجوي، وكذلك تسجيل أصوات تشغيل المفاتيح بفتحها أو إغلاقها. وفي الغالب توجد أربعة ميكروفونات داخل الكابينة، جميعها متصلة بالصندوق الأسود، وميكروفون في سماعة قائد الطائرة، وآخر في سماعة مساعد الطيار، وثالث مع المساعد الثالث - إن وُجد، والرابع في منتصف الكابينة. ومعظم التسجيلات الممغنطة تخزن آخر ثلاثين دقيقة من زمن الرحلة، أي حتى توقف الطائرة عن العمل، حيث يسجِّل الصندوق كل ما يقع في مداه، بما في ذلك طنان 400 هرتز الصادر عن الشبكة التي تبلغ قوتها 28 فولتًا، وأصوات مراوح التبريد، حتى الاهتزازات الضعيفة.
          أما بيانات الرحلة «العوامل الثابتة» فيتم تسجيلها من نظام الطيران، حيث توجد مستشعرات موزَّعة داخل الطائرة، ومتصلة بوحدة تخزين البيانات، فعند فتح أو إغلاق أي مفتاح، يتم تسجيل هذه العملية. تحفظ أجهزة الصندوق الأسود في قوالب متينة للغاية مصنوعة من مواد قوية، مثل عنصر التيتانيوم، وتحيطها مادة عازلة لتتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، لتتحمل حرارة تفوق 1000 درجة مئوية وضغطًا قويًا يعادل ضغط المياه على عمق 20000 قدم تحت البحر. وتُلف قطع التسجيل عادة بمادة عازلة تحميها من التعرض لمسح المعلومات المسجلة عليها، وكذلك من العطب والتآكل جراء مياه البحر لمدة 30 يومًا، فالصندوق الأسود يتكون من ثلاث طبقات من المواد تحيط برقائق التسجيل:
          الطبقة الأولى: هي غلاف من الألمنيوم حول الرقائق.
          الطبقة الثانية: عازل حراري من السيليكا الجافة بسمك بوصة، يحافظ على الرقائق في حالة الحرائق.
          الطبقة الثالثة: مصنوعة من الصلب الذي لا يصدأ، بسماكة ربع بوصة. وقد يستخدم التيتانيوم لصناعة هذه الدرع التي تحيط بالسيليكا العازلة.
اختبارات المتانة
          يتعرض الصندوق الأسود لاختبارات شديدة لضمان تحمله، ومن هذه الاختبارات:
          اختبار الصدمة: حيث يُلقى الصندوق الأسود في مدفع ليتعرض لضغط مقداره ثلاثة آلاف وزنه.
          اختبار الاختراق: لاختبار قدرة الصندوق على مقاومة الاختراق، حيث يتعرض الصندوق الأسود لقضيب من الصلب وزنه ربع طن وقطره ربع بوصة، يسقط من ارتفاع 3 أمتار على جدار الصندوق.
          الضغط الاستاتيكي: حيث يتعرض الصندوق الأسود لضغط مقداره 350 كجم /سم2 لمدة خمس دقائق.
          اختبار الحريق: حيث يوضع الصندوق الأسود داخل فرن حرارته تصل إلى 1100 درجة مئوية لمدة ساعة كاملة. اختبار ضغط الماء: ويوضع الصندوق الأسود لمدة 24 ساعة في خزان من الماء المالح تحت ضغط عال.
          مقاومة الماء المالح: حيث يوضع الصندوق الأسود في الماء المالح لمدة 30 يومًا.
          مقاومة الكيماويات: يوضع الصندوق الأسود في السوائل التي تستخدم في الطائرات، مثل الوقود والزيوت، لاختبار مقاومته للتآكل.
أسود أم برتقالي؟
          على الرغم من تسميتهما بالصندوقين الأسودين، وعلى الرغم من الاعتقاد الخاطئ السائد بأن لونهما أسود، إلا أن لونهما برتقالي لامع، لتمييزهما بين حطام الطائرة. ولايزال سبب التسمية غامضًا تاريخيًا، فقد ذهب البعض إلى أنه سمي بالأسود لارتباطه بالكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات. وهناك رأي آخر يعود بالتسمية إلى أن مسجلات المعلومات الأولى نفسها كانت عاتمة اللون وسوداء من الداخل، لمنع التسريبات الضوئية من تدمير شريط التسجيل، كما في غرف التصوير الفوتوغرافي, كما أن هناك تفسيرًا آخر للسبب، يتعلق بمقابلة كانت بين صحفي وخبير حوادث الطائرات الدكتور «وارن»، حين قال له الصحفي: "This is a wonderful black box". والصندوقان الأسودان مغطيان بأشرطة عاكسة، وذلك لتحديد مكانهما بعد الحادثة، وخاصة إذا كانت الحادثة سقوطًا في الماء. وبالإضافة إلى لون الصندوق الزاهي والشريط العاكس، فإن الصندوق الأسود مزوَّد بجهاز لإرسال موجات فوق صوتية لا يسمعها البشر، تساعد على العثور عليه. كما أن أجهزة السونار وأجهزة رصد الصوتيات يمكنها تحديد مكانه، ذلك أن الصندوق مزوَّد برقيقة استشعار تشبه العين الواسعة، تصدر الموجات فوق الصوتية عندما تمسّها المياه. ويبلغ تردد الموجات فوق الصوتية المنطلقة من الصندوق الأسود 37.5 كيلو هرتز، يمكن رصدها من على عمق 4000 متر تحت سطح الماء، ويظل الصندوق يرسل الإشارات لمدة 30 يومًا، بمعدل نبضة كل ثانية، وفي حالات نادرة يحدث عطب لجهاز إرسال الموجات الصوتية.
          وبعد تحديد مكاني الصندوقين الأسودين في حوادث الطائرات، فإن المحققين يستخرجون المعلومات والتسجيلات من رقائق التسجيل، وإعادة تكوين السيناريو والظروف التي وقعت فيها حادثة الطائرة، بمساعدة أجهزة الكمبيوتر ومحاكيات الطيران. بقي أن نشير إلى أن سعر الصندوق الأسود يتراوح بين 10 و30 ألف دولار تقريبًا. 
ما الجديد في مجال تحليل حوادث الطائرات؟
          في محاولة لوقف البحث عن صندوق الطائرة الأسود، والذي يشغل اهتمام المحللين ولجان التحقيقات عقب سقوط الطائرات، ابتكر مركز «آي آي تي» لسلامة الطيران في أستراليا جاسوسا جويا على الطائرات المحلقة المدنية والعسكرية كنوع من مراقبة الطائرات بالأقمار الاصطناعية لمعرفة جميع التفاصيل التي تجري في الطائرات، خاصة الدقائق الأخيرة عقب سقوط أو اقتحام الطائرات.
          يعتمد الجاسوس على اتصال الصندوق الأسود بالأقمار الاصطناعية بوصلات عالية التقنية، بهدف تفريغ التسجيلات التي يتم تسجيلها على متن الطائرة، خاصة في كابينة الطيارين ومناقشاتهم، مباشرة وبمعرفة وحدات المراقبة بالميناء الجوي، وبذلك يسهل على المحققين معرفة التفاصيل الأخيرة بالطائرات المنكوبة. ويرى «بيير جننيوت» المدير العام للمركز، أن الهدف من الجاسوس الجوي هو الكشف عن جميع التفاصيل التي تدور بالطائرة، خاصة أن الصندوق الأسود يصعب الوصول إليه في حالة سقوط الطائرة في البحار أو المحيطات أو المناطق الجبلية، الأمر الذي يكلف الكثير من العناء في البحث عنه، كما يعرض تسجيلاته للتلف. ويضيف «جننيوت»: إن الجاسوس الجوي سيفيد في التدابير الأمنية للتعامل مع مختطفي الطائرات أو الجماعات الإرهابية، خاصة مع تصاعد الخسائر العالمية من حوادث الطيران، والتي وصلت حتى العام 2004 إلى 25 مليار دولار نتيجة حوادث اختطاف أو إرهاب أو سقوط الطائرات لأعطال فنية. ويتوقع «جننيوت» بدء صناعة الجاسوس الجوي عقب الموافقة عليه من قبل جمعية النقل الجوي الدولية، والتي تقوم بدراسته الآن. يذكر أن أستراليا تسعى باختراعها الجديد إلى المحافظة على ريادتها في الابتكارات التكنولوجية المتخصصة في سلامة الطيران، خصوصًا أن الصندوق الأسود وكما ذكرنا - من اختراع العالم الأسترالي «ديفيد وارن» بغرض معرفة أسباب حوادث الطائرات.
إقرأ أيضًا
               مأكولات تمنع تجاعيد البشرة وتكافح شيخوختها





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق