ربما لا تفكر النساء في السبب الذي
يدفعهن لارتداء الحلي، بعد
أن أصبحت عادة مستحبة، وتقليدًا
اجتماعيا مقبولاً، ويبقى السؤال الجوهري هو: كيف ورثنا من جداتنا تلك
العادة التي لازمت البشرية على مدى آلاف السنين؟
يبدو أن تاريخ المجوهرات قد يعود إلى
75000 سنة مضت، وهي
إشارة زمنية تقريبية لأول قطع حلي
معروفة تم العثور عليها، وكانت أقرب إلى تصميم متخذ من جلود
الحيوانات، مزينة بأسنان الحيوانات وعظامها وريشها، مع الحصى والتوت الجاف.
من هذه الخامات الطبيعية صنع إنسان ما
قبل التاريخ القلائد والأساور، وطرز القبعات بها،
ووشى بها الثياب.
وتبدو تفسيرات كثيرة محتملة تفسر سر
تزيين الجنس البشري من أسلافنا لأجسادهم، فهرم
العالم الشهير ماسلو يشير إلى التسلسل الهرمي لدينا الذي يرسم الاحتياجات، حيث إننا كبشر لدينا عدة طبقات من الاحتياجات التي
يتعين تلبيتها حتى
يتسنى لنا أن نشعر بالرضا عن حياتنا،
مثل تلبية احتياجاتنا الفسيولوجية، كالجوع والعطش، والأمان،
بعيدًا عن الحيوانات المفترسة، ولكن أعلى هذه المستويات الأساسية تبدأ احتياجات أخرى لدينا، ساهمت في صعود الفكرة إلى حيز
التنفيذ، حيث استعملت مثلا
مثل جاذب للجنس الآخر، تمامًا كما يفعل
الطاووس لأنثاه حين يبسط مروحة ريشه الملون.
من المثير للاهتمام ملاحظة أن العديد من
أعضاء الجسم التي تلفت
الانتباه إليها الحلي هي المثيرة
للشهوة، مثل القلائد التي تلفت الانتباه نحو الصدور، والأقراط
التي توجه النظر إلى الأذنين، وكانت هناك في الماضي حلقات الحلي التي تربط بالجسد نفسه.
كما تأكد القول أن ارتداء المجوهرات
علامة على الوضع الاجتماعي،
وأصبحت الحلي تعبيرًا عن الثروة
والنجاح، وارتبط ذلك بمقتنيات الملوك والأباطرة والأيقونات الشهيرة
في السينما والفن على سبيل المثال.
ومثل ارتداء نوع معين من الحلي الارتباط
كأعضاء بمجموعة لها انتماؤها الموحد كما فعلت
الجماعات القديمة والقبائل في الماضي، سنجد في العصر الحديث لا تزال هناك جماعات - مثل الأخويات الجامعية - ترتدي المجوهرات
لهذا السبب.
ويبدو كذلك أن أسلافنا أصبحوا أكثر
وعيًا بذواتهم، وبدأ لديهم مبكرًا التفكير في هويتهم
كأفراد، فأصبحت المجوهرات وسيلة للتعبير عن الذات. ويقول د. زيهاو أستاذ علم
الآثار للعصر الحجري القديم في جامعة بريستول إنه منذ عصور ما قبل التاريخ حدد العمر، والجنس، والأسرة، والانتماء العشائري،
الشكل والقيمة المتخذة
للمجوهرات.
تمثل الحلي اليوم رسالة من الفرد إلى
العالم، ولم تعد قاصرة على
النساء، بعد أن أفرزت العادات والتقاليد
الاجتماعية الجديدة عودة الإنسان إناثًا وذكورًا إلى الحال التي
كان عليها الأسلاف بارتداء الحلي للتعبير عن الذات، ووسيلة لإخبار الناس عن
المشاعر، والإعراب عن الحب.
ويبدو ارتداء حلي الرموز الدينية نوعًا
آخر من التعبير عن الذات، يبرز الإخلاص والتفاني،
حيث تصل هذه الرموز بالمعتقد الديني السماوي، وقد يصل إلى حد التطرف، ويمكن أيضا
للمعلقات الدينية استخدامها لأغراض وقائية. كما يعتقد البعض أن ارتداء الحلي ذات الرموز الخاصة تعطي الطاقة والقوة، كما فعل
قدماء المصريين منذ
آلاف السنين، بالعديد من التمائم
والتعويذات.
إن كلمة «مجوهرات«jewelry الإنجليزية
مشتقة من الفرنسية القديمة
«jouel» والمشتقة بدورها من الكلمة اللاتينية «jocale» ومعناها
«ألعوبة»، وهذا يعني
تلميحا أن الأصل في المجوهرات أن تكون
مثل الألعوبة، لامعة وجميلة، ولكنها لم تصبح اليوم كذلك بعد أن
أصبحت جزءًا من تقاليد الحياة وأعرافها، وكذلك رصيدًا بنكيًا لا يستهان به.
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق