البريد هوالبغل محذوف الذنب، لأن بغال البريد كانت محذوفة الذيول تمييزًا لها ، وسُمِّي الرسول الذي يركبه «بريدًا» والبريد أيضًا إثنا عشر ميلاً، وهي المسافة التي بين محطات البريد.
البريد البري
إعتمد البريد البري على السُعاة، وهم رجال
تعودوا الجري والصبر في السير، واستُخدمت البغال المحذوفة أذيالها، كما
استخدمت الجمال والخيول السريعة على نطاق واسع، وكانت محطات البريد المنتشرة على
الطرق بين البلاد الإسلامية، تقوم برعاية دواب البريد، وعند الحاجة تستبدل بها
دواب أخرى ليتابع حامل الرسائل سفره مسرعًا، وخاصة إذا كانت رسائل متبادلة بين
الخليفة وعماله، تخص شؤون الدولة وأمنها. وتحدّث ابن بطوطة عن نظام البريد
الإسلامي فقال: والبريد ببلاد الهند صنفان، فإما بريد الخيل فيسمونه الولاق وهو خيل
تكون في كل مسافة أربعة اميال، وإما بريد الرجّالة فيكون في مسافة الميل الواحد منه
ثلاث رتب ويسمونها الداوة، وترتيب ذلك أن يكون في كل ثلث ميل قرية معمورة ويكون
بخارجها ثلاث قباب يقعد فيها الرجال مستعدين للحركة وعند كل واحد منهم مقرعة مقدار
ذراعين بأعلاها جلاجل نحاس، فإذا خرج البريد من المدينة أخذ الكتاب بأعلى يده
والمقرعة ذات الجلاجل باليد الأخرى وخرج يشتد بمنتهى جهده، فإذا سمع الرجال الذين
بالقباب صوت الجلاجل تأهبوا له فإذا وصلهم أخذ أحدهم الكتاب من يده ومر بأقصى جهده وهو
يحرك المقرعة حتى يصل إلى الداوة الأخرى، ولايزالون كذلك حتى يصل الكتاب، وهذا
البريد أسرع من بريد الخيل وربما حملوا على هذا البريد الفواكه المستطرفة بالهند
يجعلونها في الأطباق ويسرعون بها حتى تصل إلى السلطان، وكذلك يحملون الكبار من
ذوي الجنايات، يجعلون الرجل على سرير ويرفعونه فوق رؤوسهم.
نظارة البريد
اتسعت مهام صاحب البريد في العصر العباسي، فلم
تقتصر على نقل الرسائل بين الخلفاء والولاة، بل أصبح عليه موافاة
الخليفة بكل الأخبار والحوادث، التي يمده بها أعوانه المنتشرون في أنحاء الأقاليم، كما
كان من أعماله أيضًا حفظ الطرق وصيانتها من قطاع الطرق والأعداء والجواسيس.
ومن أمارات اهتمام أبي جعفر المنصور، وعنايته
بالبريد أنه كان إذا صلى المغرب وافاه صاحب البريد بما حدث في
بياض النهار، وإذا صلى الصبح كتب إليه بما جرى في سواد الليل، وقد مكنه هذا الاطلاع
الدقيق من الإشراف بنفسه على شؤون الرعية.
ثقافة البريدي
وعلى البريدي أن يتقن كتابة الرسائل، وفن
التوقيعات، ويحسن مخاطبة الخلفاء وعظماء الدولة، وأن يكون على معرفة
كاملة بالطرق والأنهاروالتضاريس، والمسافات بين المدن، ويحسن إدارة من يعمل تحت
يده من السعاة والنجابين والبراجين، ويملك شيئًا من معرفة طبائع الحمام والخيول
والبغال.
سُمّي ناقل البريد على الخيل بالبريدي، وناقل
البريد على ظهور الإبل بالنجّاب، أما من كان يشرف على (أبراج) حمام
الزاجل، فكان يدعى بالبرّاج. ولم تكن قلعة من قلاع المسلمين تخلو من برج لحمام
الزاجل، ولا من حظيرة للعناية به وتكثيره، ولا من عمال متخصصين في تربيته وتدريبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق