الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

• الكون... كيف خلق؟ لماذاخلق؟ من خلقه؟



          بدءًا من القرن الخامس عشر انتشرت نظرية كوبرنيكوس بأن الشمس هي المركز وليس الأرض. هذا التغيير لموقع الأرض أدى بطبيعة الحال إلى تغيير موقع الإنسان من مركز الكون إلى أي موقع لا أهمية له. هذه الفكرة أدت إلى عدم وجود قيمة للإنسان وبالتالي عدم وجود هدف من وراء الكون.
          في الذكرى المئوية الخامسة لولادة كوبرنيكس (سنة 1973) ألقى الفيزيائي الإنجليزي Brandon Carter براندن كارتر محاضرة أعلن فيها عن مبدأ جديد يسمى «المبدأ الأنثروبي» ومما استنتج من بحثه أن الكون له ميزات تم اختيارها بدقة حتى يتمكن الإنسان من الظهور في هذا الكون. هذا يعني أن للإنسان أهمية وقيمة خاصة بعكس الفلسفة المبنية على نظرة كوبرنيكوس للكون. الرافضون لمبدأ وجود مصمم ما وراء الطبيعة لتفسير تصميم الكون للحياة يبنون رفضهم على أساس فلسفي وليس علميًا لأنهم بالأساس يتخذون الفلسفة المادية كنظرة للوجود لذلك يحاول هؤلاء إيجاد مخرج آخر لتفادي الإقرار بوجود مصمم ما وراء الطبيعة. أحد الأمور التي يستعينون بها هي فرضية الصدفة لنشأة الحياة من ترتيب حصل للذرات للوصول إلى الخلية الحية أو أية محاولة أخرى لتفسير أمور لتفادي الإقرار بالمصمم بما وراء المادة وسأتعرض لها خلال المقال.
الصدفة
          كم هي الصدفة أن تلقي نردًا واحدًا وتحصل على الوجه ذي الـ 4 نقاط؟ الجواب 1 من 6 لكن ماذا أن تلقي 2 نرد وتحصل على الوجه ذي الـ4 نقاط في نفس الاتجاه؟ الجواب 1: 36 أيضا كم هي الصدفة أن تلقي 100 من النرد وتحصل على الوجه ذي الـ4 نقاط كلها في نفس الاتجاه؟ سيكون العدد كبيرًا جدًا مما يعني أن احتمال تحقيق ذلك ضعيف جدًا جدًا.
وجودك في الكون ناتج من تصميم
          الحسابات الرياضية في الاحتمال تدحض الصدفة بالنسبة للأمور المتوازنة من أصغر جزء في الكون إلى الكون نفسه فالتوازنات الغريبة بين المتغيرات المختلفة وهي كثيرة (ممكن تصل إلى أكثر من 100 متغير).
          لقد رأينا كم كان الاحتمال يضعف كلما كبرت عدد مرات رمي النرد (حالة إلقاء 100 من النرد للحصول على الوجه ذي الـ4 نقاط كلها في الاتجاه نفسه، تبين أن الاحتمال ضعيف جدا) فما بالك بالحصول على الصدفة لتحقيق كل هذا التوازن العجيب في الذرة والخلية الحية والكون نفسه!
          سنذكر بعض الأمثلة لكي يتبين مدى ضعف الصدفة.
التصميم  Design
          إن كان وجودنا صدفة فالنتيجة لا قيمة ولا هدف لوجود الكون ولا وجودنا. أما إذا كان الكون مصممًا من قبل قوة ما وراء الطبيعة للحياة والإنسان بالذات فإن التصميم يعطينا قيمة عليا ولا نكون غرباء في كون مصمم لنا! بالمناسبة الإقرار بوجود التصميم لا يعني أن الأمور تسير وفق التصور الأسطوري في تدخل الآلهة بل يجب أن نقرر أن الوجود كله يسير وفق قوانين تحكم الكون بكل أجزائه ويجب علينا الاستمرار بنفس الأسلوب العلمي المتبع حاليًا في البحث عن هذه القوانين للكشف عن أسرار الكون لمصلحة الإنسان وإشباع فضوله المعرفي.
ما الدليل الذي يعتمد عليه العلماء بالنسبة لتصميم الكون؟
          الاكتشافات العلمية وبالذات في الخمسين سنة الماضية بينت أن الكون مصمم بدقة جدًا حتى يكون الكون كما هو الآن ويكون لنا وجود فيه!
بعض الأمثلة
·        ميلان محور الأرض 23.5 درجة
          لو كانت الزاوية أكثر بمقدار 2 درجة ستكون الأرض حارة جدًا.
          لو كانت الزاوية أقل بمقدار 2 درجة ستكون الأرض باردة جدًا.
·       موقعنا في المجموعة الشمسية والمجرة
          الموقع المناسب للأرض بالنسبة للشمس والموقع المناسب للشمس في مجرتنا. موقع الأرض من الشمس وموقع الشمس من المجرة تقع كلها ضمن نطاق الحياة. المقصود بنطاق الحياة هو البعد المناسب للأرض من الشمس التي تسمح للحياة وكذلك البعد المناسب للشمس من مركز المجرة الذي يسمح للحياة على كوكب الأرض.
·       الكوكب الثالث من الشمس هو الموقع المناسب للحياة!
          اللون الأخضر يبين نطاق الحياة في المجرة لتظهر الحياة يجب أن يقع النجم الشمس- ضمن المنطقة الواقعة لا بالقرب من مركز المجرة ولا بعيدًا عن المركز.
·       عمر الشمس
يجب أن تكون الشمس مستقرة لفترة طويلة وإلا لا يمكن أن تقوم الحياة على كوكب الأرض بالإضافة إلى أن الشمس هي النجم المناسب جدا للحياة من ناحية لونها وكتلتها علما بأن النجوم أنواع تختلف من ناحية اللون والكتلة!
من أدلة التصميم حماية الحياة من أي مؤثر خارجي
للتوضيح المثال التالي:
          تصوّر أن أحدهم وهو مقيد وجهوا له البنادق وقذفوه بـ 1000 طلقة ولم يصب بطلقة واحدة ولم يقتل كيف نفسر ذلك؟
          هل هي صدفة أم هناك حماية من قوة خارجية؟!
          هذا بالضبط ما يجري مع كل البشر على كوكب الأرض بل مع كل الكائنات الحية تقريبًا، كيف؟
          الشمس مصدر إطلاق جسيمات قاتلة على كل كوكب الأرض طوال النهار وطوال السنة وليست 1000 طلقة فقط ولكن مع ذلك هناك على الأقل 6 بلايين من البشر غير الكائنات الأخرى! والسؤال كيف حدثت الحماية؟
          الشمس كما أنها مصدر للضوء والحرارة لكنها أيضا تُصدر وباستمرار جسيمات قاتلة. إن معظم هذه الجسيمات بروتونات وإلكترونات تسير بسرعة تتفاوت من 250 إلى 2000 كيلومتر في الثانية! لكن مع ذلك لا تتعرض الحياة على الأرض إلى أي ضرر؟ فمن الذي يحمي الحياة على الأرض؟
          يوجد في مركز الأرض الحديد والنيكل ونتيجة لدورانها يتولد مجال مغناطيسي يبعد هذه الجسيمات عن كوكب الأرض أي يد تحمي هذه الحياة؟
          الحديد والنيكل المصهور الموجود في مركز الأرض والمتسبب للمجال المغناطيسي الذي يحمينا من الجسيمات القاتلة من الشمس.
          خطوط المجال المغناطيسي للأرض تبعد الجسيمات الخطرة لحمايتنا!
          صورتان: الأولى على اليسار حماية كل الكوكب والثانية على اليمين حماية في الرحم حماية خاصة للفرد! إن الذي يحميك في كلتا الحالتين واحد! إنه التصميم الدقيق لحفظ الإنسان!
أقوال بعض المتخصصين في علم الكون والفيزياء يبينون دقة الكون
          الفيزيائي فريد هويل (1915-2001) Fred Hoyle يقول عن الدقة في الكون: «لقد تلاعب كائن ذكي فوق العادة بالفيزياء والكيمياء وعلم الحياة متناغمة إلى درجة أن هناك شيئًا ما أو كائنًا ما يجب أن يكون قد اخترع تصميم الكون». كان هويل ملحدًا ولكن بعد هذه الاكتشافات هز إلحاده ويقال إنه تحول إلى اللاأدرية.
          الفيزيائي (ستيفن هوكنغ) Stephen Hawking اعترف بالتوازن العجيب في معدل تمدد الكون، إن الدقة في سرعة تمدد الكون، حسب الحسابات التي حسبها هذا الفيزيائي توصل إلى أنه لو كان سرعة تمدد الكون بعد الانفجار العظيم بثانية واحدة أسرع بمقدار 1 من 100,000,000,000,000,000  لتفرقت المادة بسرعة ولم تتكون النجوم والمجرات - لا حياة في الكون أبطأ بمقدار 1 من 100,000,000,000,000,000 لانهدم الكون على نفسه ولم يصل إلى الذي نراه الآن! - لا حياة في الكون.
          د. بول ديفيس فيزيائي كاتب نشط ألف عدة كتب علمية يقول: المدهش ليس أن الحياة على كوكب الأرض بها اتزان دقيق كاتزان جسم كبير جدًا على طرف مسمار ولكن الكون كله متزن باتزان على طرف مسمار وتحدث فوضى عارمة لو إنحرفت قيمة أي من الثوابت الطبيعية انحرافا صغيرا جدًا!
          كلما أتفحص الكون أكثر وأتفحص تفاصيل بنائه يكبر الدليل على أن الكون يجب أن يكون قد عرف بقدومنا نحن البشر!
          الفيزيائي  Freeman Dyson
          ماكس بلانك (1858 1947) فيزيائي حاصل على جائزة نوبل سنة 1918 ومؤسس ميكانيكا الكم سنة 1900 المعروف عنه أنه كان متدينًا، يقول: بناء على كل ما تعلمناه عن طريق العلم عن عالم الطبيعة الهائل فإن ترتيبًا معينًا يسود. هذا الترتيب يمكن أن يصاغ على أنه عمل هادف وهناك أدلة على وجود نظام ذكي في الكون والذي يخضع له كل من الإنسان والطبيعة.
الثابت الكوني الكوزمولوجي - الثابت الذي حير العلماء!
          تعريف الثابت الكوني: الطاقة الموجودة في الفراغ في الكون.
          هذا الثابت هو المتسبب في تمدد الكون ويعمل بعكس الجاذبية! وهذا الثابت من الكميات المهمة جدا لمعرفة الكون فقيمته أكبر لغز حير العلماء ويقع ضمن نطاق ضيق فأي إضافة أو نقصان يؤدي إلى عدم وجود الكون بالصورة التي نراها الآن:
          00 0.0000 قيمة غير مقبولة إلى 120 صفرًا!
          01 0.0000 قيمة مقبولة إلى 120 صفرًا!
          02 0.0000 قيمة غير مقبولة إلى 120 صفرًا!
          إلى 120 صفرًا! المقصود أنه جزء من 1 بجانبه 120 صفرًا! 
هذا الكون بكل هذه الدقة هناك من يحاول الابتعاد عن فكرة وجود مصمم لكون بهذه العظمة والدقة! 
          من عجائب تفكير الإنسان أنه لا يوجد من يقول إن الساعة لا يوجد لها مصمم!! ولكن البعض ينكر وجود مصمم للعين بكل تعقيداتها!
          مؤسسة تمبلتون والسؤال هل للكون هدف؟: وجهت تمبلتون - (مؤسسة لها اهتمام بالعلم والدين والعلاقة بينهما) إلى علماء ومفكرين السؤال التالي هل للكون هدف؟ واخترت نموذجين من الإجابات ، أحدهما مؤيد والآخر معارض.
أولا: الرأي المعارض لوجود هدف
          لورانس كروس Lawrence M. Krauss أحد أساتذة الفيزياء في إحدى الجامعات الأمريكية - الجواب السريع: احتمال بعيد.
          يقول هذا الفيزيائي إنه من المحتمل ان تكون الإجابة أقوى من هذه الإجابة وهي (احتمال بعيد). لكني كعالم لا أعتقد أني أستطيع إعطاء إجابة أقوى. حيث إنه لم يكن واضحا في علوم الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء والجيولوجيا والفلك أو حتى علم الكون دليل مباشر لوجود هدف في الطبيعة لأن العلم لا يستطيع إثبات عدم وجود هدف فكما قال الفلكي كارل ساغان اختفاء الدليل ليس دليلا على الاختفاء. من الطبيعي أنه لا يوجد شيء يوقف العلم من الكشف عن أدلة إيجابية لوجود هدف من طرف مقدس إذا كان من السهل الحصول عليه.
ثانيا: الرأي المؤيد لوجود هدف
          أوين جينريج Owen Gingerich استاذ فخري في علم الفلك وتاريخ العلوم بجامعة هارفارد. الجواب السريع نعم
          يقول بصراحة من الناحية النفسية أنا غير قادر على الاعتقاد أن الكون لا معنى له. إني أعتقد أن الكون له هدف والتحدي الحقيقي لنا نحن البشر هو في إلقاء نظرة لما هو ممكن أن يكون هذا الهدف؟..إلى أن يقول: تدريجيا وصلت إلى قبول كيف تم تقدير الكون بشكل رائع ليخرج منه الحياة الذكية الإنسان. إن ذرات الكربون لها خاصية لا يمكن توافرها في أي ذرة أخرى بالنسبة للحياة. لكن المعروف أن الكربون لم ينتج مباشرة من الانفجار العظيم ولكن تم إنتاج الكربون بعملية بطيئة بمرور بلايين السنين وفي قلب النجوم. لو أن اختلافا قليلا جدا حدث في أي من الثوابت الفيزيائية لكانت النتيجة عدم إنتاج الكربون بهذه الكمية.
          إنه من الصعب جدا تصور وجود الكائن الذكي الإنسان - من غير توافر عنصر الكربون. إن توافر الكربون هو أحد الشروط من بين العشرات لإنتاج المخلوق الذكي الإنسان.
ماذا يمكن للعلم أن يخبرنا عن أسرار الكون؟
          السؤال الكبير ليس فقط كيف ظهر هذا الكون ولكن من أين أتت هذه القوانين التي تحكم هذا الكون؟ هل المادة عاقلة لتتبع القوانين! أم أن المادة هي التي خلقت هذه القوانين؟ لابد من مصدر لهذه القوانين، واللافت للنظر أن هذه القوانين هي التي سمحت لنا بالوجود في الكون! الموضوع الآخر الذي يثيره الفيزيائي بول ديفس هو السؤال التالي: لماذا يستطيع الإنسان فهم القوانين التي تحكم الكون؟
          لما ثبت أن للكون مصممًا وأن الإنسان يمكنه فهم القوانين فمعناه أن للكون هدفا والذي صمم هذا الكون يريد للإنسان أن يدرك أن للكون هدفا! لأنه لو كان الكون عبثا لكان غير قابل للفهم!
          إن الإجابة عن السؤال هل للكون هدف؟ أعتقد شخصيا أنه لا يمكن للعلم التجريبي بطريقة مباشرة أن يجيب عنه لكن من ناحية ثانية ثبت علميا أن حياتنا لا يمكن أن تكون إلا بوجود كون بهذا التصميم وأن قصة وجودنا لا تنتهي بانتهاء حياتنا على هذا الكوكب بل هي مرحلة سبقتها مراحل وتليها مراحل وعند الاستقرار يتحقق الهدف وهو ما سنراه في المستقبل وحياتنا ما بعد هذه الحياة رهن بما عملنا بهذه الحياة على هذا الكوكب وبعلاقتنا بالذي صمم الكون!
          القرآن يخبرنا عن الكون الهادف وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ    »سورة ص 27«.
          وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِين   « »الدخان 38«.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق