قوانين تربية الطفل في اسبارطة
في القرن الثالث قبل الميلاد، كانت اسبارطة هي العاصمة العسكرية للامبراطورية اليونانية. وكانت ذات قوة ترعب الامبراطوريات من حولها. ولمّا كان الإنسان آلة الحرب الوحيدة في ذلك الزمان، كان لِزامًا أن تتم صناعة هذه الآلة منذ الولادة بحزمٍ وعزمٍ، وبأسٍ وبطشٍ.
كان الطفل عندما يولد، تمامًا كجميع الأطفال الاسبارطيين القدماء، يُحمل مباشرة إلى ذوي الشأن والخبرة، فيُفحص مَليًا من كل نواحيه الخَلقية، فإذا كان صغيرًا أو ضعيفًا، مريضًا أو مشوهًا كان يُنقل بعيدًا، ويُرمى في البرية، ليَقضي نحْبه فوق آلاف جماجم الأطفال المُكوّمة منذ أزمنة هناك، ممن لا يليق بالإسبارطيين تربيتهم، لئلا يشكلون عقبة كأداء تعيق زحفهم وتقدمهم وقت الهجوم، وصدهم وردهم عند الدفاع. أمّا إذا توسّموا في الطفل الوافد القوة والبأس، واعتبروه صاعدًا واعدًا، عندئدٍ تتم رعايته حتى يكبر. وما إن يقوى الطفل على المشي حتى يَتعمد بنار المعركة، ويتعلم أن التراجع إلى الوراء مذلة، والاستسلام مستحيل، وأن التضحية والموت في سبيل اسبارطة هما أعظم مجد يمكن أن يحققه مدى حياته.
وفي السابعة من عمره ، كما جرت العادة عند الاسبارطيين، كان الطفل يُنتزع من أمّه، ويُقحم في عالم العنف اللامتناهي. كان يُفبرَك ويُصنع في مجتمع صقلته ثلاثماية عام من الحروب، ليُنتج أعظم محارب في ذلك الزمن. كان يُدرّب على القتال ويُجبر على المصارعة، نهجه الهجوم في المطلق، وواجبه الدفاع عند الحاجة. وكثيرًا ما كان يُقتل أثناء التدريب إذا أساء رد الهجمات. وفي مرحلة تالية من عمره كان يُجوّع حتى الموت أحيانًا ويُجبر على السرقة، ولو اضطر به الأمر للقتل من أجل الحياة فلا مضار عليه. كان يُجلد بالسوط بلا رحمة وبالعصا بلا شفقة، ويتعلم إخفاء الألم والأنين، وكتم الوجع الذي يكوي أضلعه ويلوي فؤاده، بصمتٍ وصبرٍ، وأناةٍ وثبات. وفي المرحلة الأخيرة من مراحل التدريب كان الطفل يُرمى في البرية فوق الثلوج، عاريًا يُقاوم البرد القارس، والجوع اللاذع، أيامًا وليالي، يُعاند القدر، ويُجابه الطبيعة والذئاب الكاسرة، فإما أن يتجمّد الدم في عروقه أو أن ينتهي بين أنياب الذئاب، وإما أن يقهر الصقيع ويصارع الوحوش الضارية، سنة بعد سنة، حتى يكتمل شبابه، ويشتد عوده، فيعود إلى اسبارطة المحارب المنشود، والمقاتل المعهود ليزرع الرعب في قلوب الغازين، والهلع في نفوس الطامعين، يتنفس القتال هواءً، ويرضع الحرب حليبًا، صلبًا وصَلدًا وجَلدًا، لا يلين ولا يستكين. وباختصارٍ شديد إما أن يعود رجلا اسبارطيًا أو لا يعود أبدًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق