تاريخ الحضارة البشرية هو تاريخ ضبط النفس.. لا أتذكر على وجه الدقة من هو قائل هذه العبارة، أو ما يقاربها، لكنني أراها قانونا في مسيرة التطور الإنساني، فلولا ضبط النفس، على مستوى الإنسان الفرد، وعلى مستوى المجتمعات، لظل البشر يوغلون في بيداء عالم من قوانين الغابة، وهمجية القرون.
ضبط النفس هذا، هو سر أسرار التحضر الذي دعت إليه فعاليات شتى على امتداد التاريخ الإنساني، وفي سماء هذه المساعي لمعت تعاليم الأديان نبراسا يضيء ويطور ويبلور مفهوم ضبط النفس، وكان الصوم واحدا من ذرى هذه التعاليم، وهو عبادة تشكل معلما مشتركا أيا كانت الاختلافات بين كل الديانات السماوية، بل الوضعية أيضًا.
وفي شهر رمضان الكريم، تتسامى أمتنا الإسلامية صاعدة في مدارج الروح، بصوم هو قمة من قمم الدعوة إلى ضبط النفس الإنسانية، عبر مسالك الامتناع الموقوت عن الطعام، والتحكم في الشهوات عمومًا، والتحليق في نفحات الوجود الأعلى، والأرقى من معتاد الوجود البشري المثقل بأدران صراعات ومراوغات الحياة اليومية.
الناس يصومون نعم، لكن كثيرين تفلت منهم فلسفة هذا الصوم، فبدلا من الاسترشاد بصيغة ضبط النفس ومد خطوطها باتجاه آفاق تتجانس معها، يداورون ويناورون، ويعوضون بعض الانضباط بانفلات، في المأكل والمشرب، والهدر المادي والنفسي، وهي ازدواجية غريبة ضمن ازدواجيات بلا حصر تنخرط فيها مجتمعاتنا الإسلامية. ولعل الحديث عن الإفراط في الطعام بدلا من الاقتصاد فيه يكون حديثا مكرورا، لهذا نلتفت إلى ملمحين سلبيين، اتسع انتشارهما على أرض هذا الشهر الكريم، وتقع مسئولية هذا الانتشار على الرجال والنساء معا، في البيوت، وخارجها.
وباء الأراجيل
ما إن يجن الليل الرمضاني، ويُتخَم الصائمون والصائمات بالإفطار ومابعده، بكل ما لذ وفاض عن حاجة أي بطون بشرية، حتى تتوهج الأراجيل وتقرقر مياهها وتتنقل المباسم، وبنشوة تافهة تنفث أفواه المؤرجلين والمؤرجلات أدخنة التلوث والموت في رحاب البيوت، وتحت سقوف الخيام الرمضانية، والمقاهي المزركشة بأوراق الزينة والفوانيس المصنوعة في الصين وتتكاثف السحب السوداء التي لا تكتفي بحجب بريق النجوم في سماوات مدننا العربية، بل تخنق هواء الأماكن التي يظنها مرتادوها أماكن للاسترواح.
مباهج مبتذلة، لكنها محشوة أيضا بمتفجرات الموت، وليس في التعبير أية مبالغة علمية، وما الحديث عن أن الشيشة أو الأرجيلة أو الجوزة هي أقل ضررا من السيجارة إلا تخرصات لاتنهض على أية حقائق طبية، بل أية رؤى منطقية عادية، ويكفي مقارنة محارق الجمر فوق رؤوس هذه الأراجيل والشيش والجوز، بلهب السيجارة، فثمة أضعاف مضاعفة لنواتج إشعال سيجارة، وإن كان كلاهما ذميمًا وقاتلاً. أما ما يدعونه "الفلترة" بماء هذه الأنابيق الجهنمية، فهو وهم، يشبه من يغسل شيئا بماء متسخ فلا يزيده إلا اتساخا. أما المباسم، والتي يحدث أن تتنقل من فم إلى فم، فهي وسيلة مواصلات سريعة وعالية الفعالية لنقل الميكروبات من الأفواه إلى البطون والصدور، ولا نكاد نجد جرعة هواء نظيف نتنفسه في شوارعنا الهادرة بالسيارات التي تحرق ما تحرق، وفي بيوتنا التي تتحول إلى مصايد وخزانات للدخان والضباب الدخاني المنبعث من مطابخنا ومن محارق هذه الشوارع.
وليت هذا التشييش والأرجلة والكركرة تكون مسألة شخصية يتحمل ممارسها عواقب مضارها وحده أو وحدها، فالمدخنون والمدخنات يطلقونها ليتنفس وبالها غير المدخنين، بل تتنفسها النباتات والحيوانات التي تشاركنا "ليالينا العامرة"... العامرة بالدخان والضجة!
انتشاء بالسموم والعوادم!
ماذا لو عرف المؤرجلون والمؤرجلات، إضافة للمدخنين والمدخنات، ما يختبئ تحت سحابة النشوة العابرة التافهة التي يظنونها انسجاما مع عبق الليالي الرمضانية، وهي أبعد ماتكون عن ذلك؟ ماذا لو عرفوا أن من بين عشرات المركبات الكيماوية التي تنفثها الأراجيل توجد مواد قاتلة، بل غير معقول تناول البشر لها؟ وقد أحصاها طبيب القلب العربي الكبير الدكتور حسان شمسي باشا، في بحث موثق علميا، بما يعادل ستمائة مادة! ماذا لوعرفوا على سبيل المثال أن من بين المواد الداخلة في صناعة التبغ مواد خطيرة منها: البوتان الذي يستخدم كوقود، وبيتا التي تدخل في صناعة مبيدات حشرات المنسوجات، والاسيتين والأمونيا اللتان تدخلان في صناعة المنظفات؟
ماذا لو عرفوا أنهم يدخنون مع كل ما سبق من سخائم مادة سياينيد الهيدروجين المستخدم في غرف الحرق بالغاز، والميثانول الذي يدخل في صناعة وقود الصواريخ؟ بلى الصواريخ! إضافة لأول أكسيد الكربون الذي يخنق مدننا ضمن الباقة الجهنمية لعوادم السيارات!
إنها عملية انتحار مؤكدة وإن لم تكن عاجلة، وليت الأمر يقف عند الحدود الشخصية للسفه الفردي، أو الإثم الذي يقع وزره على عاتق مرتكبه، فالأرجلة والتشييش والتدخين بمختلف أطيافه المعتمة يشكل عدوانا على الآخرين، صحيا ونفسيا، إضافة للعدوان العام على بيئة الأرض، فمن الثابت علميا أن التدخين السلبي الذي تفرضه أنانية المدخنين على غير المدخنين، إنما هو أكثر ضررا مما يلقاه المدخن من دخانه، فالمدخن عندما ينفث سحائبه الزرقاء أو الصفراء أو السوداء، بنكهة التفاح المحروق أو رماد الورد أو سخام العسل، إنما يعتدي على من حوله من غير المدخنين خاصة الأطفال وكبار السن بميكروباته الشخصية التي يحملها متأقلما معها عبر مواجهة طويلة مع جهازه المناعي، بينما لا تكون الأجهزة المناعية لهؤلاء الضحايا من الفئات الهشة متأهبة لما يبتليها به المدخنون. وليس دخان الأراجيل هو الأذى الوحيد في كثير من سهراتنا الرمضانية، فثمة أذى آخر لايقل إضرارا عن الدخان، وهو كثيرا مايقترن به، ولكنه قادر على الأذى وحده، وفي البيوت هذه المرة؟
قطارات تجري في رءوسنا
لا يأتي رمضان الكريم إلا ويكون هناك جيش من المتأهبين له، بأسلحة فتاكة من مسلسلات تلفزيونية يندر بينها الجميل والمفيد وبرامج هزل ينهض فيها نجوم ونجمات الفيديو كليب بدور مثقفي الأمة ومنوريها وقدوتها. ولا بأس ببعض الهزل أحيانا، فالطفولة جزء من التركيبة النفسية لأي راشد مهما كان وقورا ورصينا. لكن الهزل لايكتفي ببعض الخطاب للطفل فينا، بل يتوحش للاستئثار بكل هذا الخطاب الفضائي الخارق الحارق، والذي يُقعد ملايين البشر في بيوتهم مشدوهين ومشدودين، ومحدثين جريمة غير مرئية في حق أنفسهم وحق الآخرين، وحق الدنيا والدين جميعا، وحق ليالينا المباركة في بعض الهدوء!
ولنتصور مايحدث:
في وقت واحد تقريبا، ودون لحظة للسكون أو السكينة، تنطلق ملايين أجهزة التلفزيون في أرضنا العربية، تتلاعب بألوان صورها، وتضج بصراخ اصواتها التي لا يلذ للغالبية الاستمتاع بما يشاهدونه إلا ومكبرات أصوات تلفزيوناتهم في أوج الجئير أو الجعير. رعب. رعب حقيقي لو توقفنا لحظة لتأمله. حالة انتحار جماعي بطيء بالضوضاء. حالة لاواعية ولا تريد أن تعي، فلو عرفنا أن مقياس ضوضاء جهاز استريو على بعد 15 قدمًا يساوي 70 "ديسبل"، فكم تساوي ضوضاء ملايين أجهزة التلفزيون العاملة في وقت واحد، وعلى مسافات متقاربة؟ شيء يصعب تصوره! فضوضاء قطار أنفاق تبلغ 80 "ديسبل"، ومنشار قطع الأخشاب ضوضاؤه 90 "ديسبل"، وهو مستوى من الضوضاء يؤدي إلى فقد السمع لو استمر 8 ساعات، أما ضوضاء طائرة نفاثة تقلع على بعد 200 قدم فهي 120 "ديسبل". فأي جنون ننزلق إليه ونحن نصم آذاننا عن كل هذه الضوضاء؟ جنون حقيقي يشير إليه مرجع علم النفس البيئي للدكتور فرنسيس أندرو الذي يورد أن باحثين جادين يفترضون أن المستويات المرتفعة من الضوضاء ترتبط بمعدلات أعلى للالتحاق بالمستشفيات النفسية.
وهل هناك أفتك من ضوضاء قطارات أنفاق تنطلق، وطائرات نفاثة تقلع، داخل صناديق أدمغتنا؟! ومتى؟ في ليالي شهر كريم يحيلنا، أو ينبغي أن يحيلنا، إلى التفكر في وحدة الوجود، والشعور بالآخرين، وضرورة ضبط شهوات النفس الفردية كيما يستمر هذا التناغم الكوني العظيم، وتتواصل حضارة الإنسان على الأرض.
أم أننا نحن للهمجية، تحت قناع سهراتنا الرمضانية؟!.
شيخوخة مبكرة
منذ مدة طويلة والعلماء يعرفون أن التدخين يسبب الشيخوخة المبكرة وتجعد الجلد وترهله، ولكن لم يكونوا يعرفون أسباب ذلك. ولكن بحثا حديثا نُشر من مستشفى (جويس) في لندن أشار إلى أن لدى المدخنين معدلات عالية من بروتين خاص يقوم بتفتيت مادة الكولاجين التي تحافظ على مرونة الجلد. وتؤدي المواد الكيماوية التي يحتوي عليها التبغ إلى حدوث أضرار خطيرة في الجلد تجعل المدخنين يبدون أكبر سنا مما هم عليه.
الصوم وينابيع الشباب
من بين مئات الاجتهادات التي حملت إلى البشر الفانين بشارة "ينبوع الشباب" لم يثبت علميًا أن هناك ما يبطئ عملية الشيخوخة إلا تقييد السعرات الحرارية أو الحد منها، ولا شيء يعبر عن هذا التقييد أفضل من الصوم. فقد تبين أن الحد الأقصى للعمر المحتمل لمجموعة من فئران التجارب زاد بنسبة 30 - 40% عندما غذيت بطعام تقل سعراته الحرارية بمعدل الثلث أو النصف عما تغذت به مجموعة أخرى سُمح لها بأن تأكل جيداً فماتت مبكراً عن المجموعة الأولى بنسبة العمر ذاتها وإن في اتجاه النقصان. وقيل في تفسير ذلك إن تقييد السعرات الحرارية يبطئ من العمليات البيولوجية (الحيوية) للشيخوخة، كما أنه يقلل من التعرض للإصابة بالأمراض. ولوحظ أن الحيوانات الأكثر تعميراً هي التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ مولدها، كما أظهرت القوارض التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ منتصف العمر اتجاهًا تعويضيًا للتعمير. ومما ينبغي ذكره هو أن هذا التقييد الطويل للسعرات الحرارية في غذاء حيوانات التجارب قد أطلق أثرين جانبيين هما تقزيم النمو بنسبة موازية للتقييد وتقليل أداء الوظيفة الجنسية. وهذان الأثران الجانبيان السلبيان ينتفيان منطقيا عندما ننتقل من الحديث عن تقييد سعرات حرارية على مدى العمر كله أو نصفه، إلى الحديث عن مجرد تقييد على مدار شهر واحد في السنة كما في صوم رمضان الكريم، أو حتى إتباعه بصوم يومين في الأسبوع بعد ذلك. فلا الأجسام تتقزم ولا الخصوبة تتراجع، لأن الصوم على هذا النحو ينقلنا من الحديث عن التقييد إلى الحديث عن التنظيم، فنبتعد عن موضوع التجويع إلى موضوع الصوم، وتظل نتيجة إبطاء صيرورة الشيخوخة ملموسة وإن بنسبة أقل.
بعض الجوع مضاد للاكتئاب
أكدت دراسة أمريكية أن الجوع يفيد في محاربة الاكتئاب والقلق المصاحبة للتوتر المزمن، وأشارت الدراسة التي نشرتها دورية طبيعة علم الأعصاب إلى دور هرمون الجوع المعروف بجريلين في محاربة الأعراض المصاحبة للتوتر المزمن. وقالت الدراسة إن مستويات هرمون جريلين المعروف بهرمون الجوع والذي يزداد إفرازه عند الإحساس بالجوع، ترتفع في حالات التوتر المزمن ليقلل من الأعراض المصاحبة كالقلق والاكتئاب. وبحسب ما أعلنه الباحثون فإنه عند انقطاع الفرد عن تناول الطعام يتم إفراز هرمون جريلين من الجهاز الهضمي حيث يلعب دورا في إرسال إشارات إلى الدماغ تفيد الإحساس بالجوع وكانت دراسة سابقة ألمحت بأن تثبيط هذا الهرمون قد يساعد على محاربة السمنة من خلال التقليل من كميات الطعام التي يتناولها الأشخاص عند إحساسهم بالجوع.
إلا أن نتائج الدراسة الأخيرة رجحت أن تثبيط هذا الهرمون قد ينطوي على مخاطر صحية ترتبط بالجانب النفسي عند الأشخاص قد يؤدي إلى الاكتئاب والشعور بالقلق.
رفقا بآذان الأطفال
حذر الباحثون في دراسة نشرتها مجلة (بيدياتريكس) من أن تدخين الحوامل أو تعرضهن لدخان السجائر يزيد خطر إصابة أطفالهن بالتهاب الأذن. وأشار الباحثون بعد دراسة (11000) طفل تحت سن الثانية عشرة من العمر أن التدخين السلبي لايزيد خطر إصابتهم بالتهابات الأذن فحسب، بل إن تعرض هؤلاء الأطفال وهم أجنة في بطون أمهاتهم يزيد تعرضهم لالتهابات الأذن، وذلك بسبب تدخين أمهاتهم. وأكدت الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا للتدخين سواء أثناء وجودهم في أرحام أمهاتهم، أو في منازلهم عند تدخين الأبوين قد تعرضوا لالتهابات متكررة في الأذن بنسبة تزيد على (44%) بالمقارنة مع أبناء غير المدخنين.
التدخين يدمر الشبكية
أكد باحثون بريطانيوين أن التدخين مرتبط بتدهور الجزء المسئول عن الإبصار في شبكية العين الذي يحدث مع تقدم السن. وقال سيمون كيري طبيب العيون في مستشفيات بولون في شمال إنجلترا إن زيادة الوعي بارتباط التدخين بالعمى سوف يمد المدخنين بحافز أكبر للإقلاع عن التدخين خاصة أن 90% من الناس غير واعين بأن التدخين ممكن أن يزيد من خطر الإصابة بالعمى.
حتى البويضات تتحلل
أشارت دراسة قام بها باحثون من جامعة بوسطن إلى أن التدخين يمكن أن يسبب العقم عند النساء، إذ أبدت دراسة أجريت على الفئران أن استنشاق المادة الكيميائية السامة في السجائر يمكن أن تسبب فشلا في المبيض.
وقد قام الدكتور (جوناثان تيلي) بدراسة تأثير المواد على إناث الفئران لمدة ست سنوات. ووجد الباحثون حدوث تحلل البويضات وتدميرها خلال ثلاثة أيام من حقن الفئران بالمادة السامة الموجودة في السجائر.
وقد وصف الدكتور تيلي السجائر بـ "القاتل الصامت"، حيث تلحق الضرر بالمبايض وتتلف البويضات دون أن تدري المرأة المدخنة مايحدث عندها. وعندما تكتشف ما أحدث فيها التدخين يكون قد فات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق