خرافات للمواليد والوالدات
يقال إن الخرافة فاكهة الخريف، فهي غريبة ومثيرة في آن، وعندما نتأمل خرافات الشعوب لحماية الوالدات والمواليد، نستغرب فنتسلى، لكننا نستثار منفعلين بكل هذه المتاريس والتعاويذ والمخاوف والرجاءات، التي تعكس مدى حرص النوع البشري على استمرار الحياة في ذراريه، وهي فطرة عميقة يحوطها بسطاء البشر وبدائيوهم بالأخيلة والأفانين. ولنا أن ننفعل بهذه الفطرة، ونتوق إلى مزيد لاحتضان صغارنا... حبات عيوننا.
يشيع في المجتمعات القبلية أن الوالدة والمولود أكثر تعرضا لأذى الأرواح والأشباح والشياطين من الأشخاص العاديين. ولهذا يجري العرف باتخاذ احتياطات معينة لاستبعاد الأذى والضرر عنهما. وبالرغم من اختلاف هذه الاحتياطات تبعًا للمجتمعات، فثمة الكثير من التشابه بين عادات الشعوب في هذا الخصوص.
لدى السانسي (في الهند): عند الوضع لا يسمح لأي امرأة غريبة بالدخول إلى البيت، حتى لا تقوم بعمل سحري يؤذي المرأة والطفل.. وهم يعتقدون أن الأرواح الشريرة تهاجم في هذا الوقت الأم والطفل الوليد، ولهذا يحرقون البخور. وهم يعتقدون أن رائحته تطرد الأرواح الشريرة. وفي هذا الوقت الحرج، يوعد الأسلاف المقدسون والمعبودات - ذكورًا وإناثا - بالأضاحي والهدايا، إذا جاءت ولادة الطفل سهلة، وبقي الطفل على قيد الحياة.
الحرص على المشيمة
وعند ولادة الطفل، تقوم القابلة بمسحه بدقيق أو بتراب جاف، ثم تلفه في ثياب قديمة أو خرق. وبعد تجفيف الطفل المبتل، تضعه على مرتبة ناعمة، وتقطع خصلة من شعره بالمقص، وتربطها بقطعة من القماش. وتعلق في سقف البيت. ويتم ذلك من أجل حماية الطفل من الشياطين والأشباح حتى لا تهاجم الطفل حديث الولادة. وهم يفعلون هذا كهجوم مضاد على الشياطين، حيث إنهم يعتقدون أن الطفل بقص شعره يكون قد هوجم بالفعل. وتعالج المشيمة بحرص شديد. فبعد ولادة الطفل لا ينبغي إضاعة ولو دقيقة واحدة. إذ لا ينبغي أن يأكل أحد الحيوانات المشيمة، أو يأخذها بعيدًا، كذلك لا ينبغي أن تقع بين يدي امرأة غريبة، وبخاصة إذا كانت عاقرًا. ويدفن الحبل السري والمشيمة في أحد أركان البيت، وتدك الأرض فوقهما. فهم يعتقدون أن الأرض إذا دكّت جيدًا سوف يبقى الطفل والوالدة في صحة جيدة وسلام. وفي اعتقادهم أنه إذا أكلت امرأة عاقر المشيمة والحبل السري سوف يمرض الطفل والأم، وسوف ينتهي الأمر بهما إلى الموت، وعلى العكس تصبح المرأة العاقر قادرة على الإنجاب.
وثمة اعتقاد بأنه كلما ازداد عمق الحفرة، التي يدفن فيها الحبل السري والمشيمة، بعدت المسافة بين ولادة هذا الطفل والذي يليه.
ويخشى أبناء قبائل الكوجرات (في الهند) دائمًا من السحر والأشباح على سلامة الأم والمولود. والعادة الشائعة، هي أن تحتفظ الأم بسكين أو منجل صغير تحت رأسها على السرير. فهناك اعتقاد شائع بأن الأشباح لا تقترب من الأشياء المصنوعة من الحديد. وفي بعض قبائل الكوجرات يضعون حماية للطفل من العين، علامات من هباب المصباح فوق العينين، أو الأذنين، أو الجبهة.
ولدى البعض الآخر، تتم حماية الأطفال من العين عن طريق حبل من الجلد، أو قلادة من الخرز الأسود أو الأحمر، يوضع حول الرقبة، وببقع سوداء من الهباب الأسود المخلوط بالزيت.
وفي بعض الأحيان عندما يخشون موت الأطفال تبذل محاولات عدة لحماية حياة كل مولود جديد. فيغير اسمه ويختار له اسم غير جذاب لكي لا يلتفت إليه السحرة.
وإذا كان ثمة اعتقاد في أن الأسرة بكاملها مصابة بلعنة الحياة القصيرة، فإنهم يتوقعون أن تطول الحياة بالطفل إذا بيع وانقطعت كل صلة للأسرة به. وإذا كان ثمة سوء حظ أو تأثيرات سيئة من الأشباح أو السحرة على الأب أو الأم، عمدوا إلى بيع الطفل وتنتقل ملكيته بمقتضى عقد بيع فعلي، حيث يوضع المولود في سلة من البامبو أمام حفر السباخ كما لو كان منبوذًا. ثم تأتي عمة الطفل من البيت تصرخ والطفل بين يديها في السلة قائلة اشتروا هذا الطفل. ويتقدم أحد المشترين ويحدد ثمنًا معينًا، ويؤخذ الطفل إلى البيت الجديد. وبعد مضي بعض الوقت تأتي الأم وترد الثمن وتسترد الطفل، ويعتقدون أن انتقال الملكية، خلال الفترة الانتقالية، قد أدى إلى إبعاد تأثير العين، ومن ثم ضمن للطفل حياة صحية وطويلة.
مناطق محرّمة
ولدى بعض قبائل شرق إفريقيا إذا مات الطفل، ذبح حيوان من أجل وليمة عامة. وفي بعض القبائل، تقوم الأم بعمل تكفيري. فتجلس خارج القرية، وتدهن بالزبد والدقيق، وتتعرض لسخرية الناس المحيطين بها، الذين يتصايحون مستهزئين بها، ساخرين منها، آتين بحركات تهجمية. وللحماية من هذه المصيبة من عادة «الواسارامو» وقبائل أخرى، أن ينذروا عدم قص شعر الطفل حتى يصير رجلاً. وتحمل الأم عددًا من التعاويذ. قطعًا من الخشب مربوطة بحبل من جلد الثعبان حول رقبتها، وحبات من الخرز ذات أشكال مختلفة حول رأسها. وعندما تحمل طفلها الذي نادرًا ما تتركه بمفرده، تحمل في يدها ما يطلق عليه اسم كيرانجوزي (مرشد أو حارس) في صورة عصوين طول كل منهما بضع بوصات مربوطتين بشرائط من الخرز الملون. وهذا الشيء الذي يعده الطبيب يوضع بالليل تحت رأس الطفل، ويستمر ذلك حتى يتجاوز المراحل الأولى من حياته. والغرض من هذا الكيرانجوزي حماية الطفل من الأرواح الشريرة.
ولدى الأنوك (في جنوب السودان): يلف حبل حول بيت المرأة في اليوم الذي تلد فيه. ولمدة ثلاثين يومًا، لا يسمح لامرأة حامل أو زوجها بالدخول إلى هذه المنطقة. وإذا فرض وخولف هذا الحظر، اجتمعت النساء وذبحن شاة كأضحية حتى لا يصاب الطفل حديث الولادة بأذى. لكن إذا مات الطفل خلال ثلاثين يومًا من ولادته أو خلال بضعة شهور بعد ذلك، وجب على المرأة الحامل (أو على زوجها)، التي دخلت المنطقة المحرمة، تسليم طفلها فور ولادته إلى المرأة التي مات وليدها. وبعد ثلاثين يومًا يزال السور، ومن الممكن للجميع الاقتراب من البيت الذي ولد فيه الطفل.
وفي اليمن، كانت هناك عادة قديمة بأن تغطي الوالدة رأسها، ولا تسير إلا والحذاء في قدميها. وإذا ذهبت إلى الحمام، حملت سكينًا أو قطعة من الحديد لطرد الجن والأرواح الشريرة.
ولا يتأخر ختن الطفل طويلاً، وقبل الختان لا يمكن أن يبقى الطفل وحيدًا في الغرفة خوفًا عليه من الجن. والاعتقاد السائد أن الختان تطهير له وتنفير للجن منه. ويبقى الطفل أربعين يومًا بعد ولادته تحت رقابة شديدة. فيغطون رأسه باللبدة (اللجعة)، ويدهنون جسمه بسليط الجلجل (دهن السمسم) والتراب والقطران، وأحيانًا يعطونه قليلاً من العنبر مع اللبن والعسل. وإذا أصيب بحمى يمسحون قدميه بعصير الليمون، كما يستمر البخور منتشرًا في أنحاء البيت طوال هذه المدة. ويخشى أهل الطفل النجاسة. فلا يسمحون لأحد برؤية الطفل في حال الجنابة أو العادة الشهرية
ولا تقتصر هذه المعتقدات على المجتمعات القبلية، وإنما نجدها أيضًا لدى بعض المجتمعات المدنية القديمة. ففي فارس الساسانية: كان على الوالد الذي يولد له طفل أن يعلن شكره لله بمراسم دينية معينة ويبذل الصدقات. ولكن هذه الواجبات كانت أقل شأنًا في ولادة بنت منها حين ولادة ابن. ثم تأتي تسمية الطفل. فالتسمية بأسماء الوثنيين تعتبر اثمًا كبيرًا.
ومن الواجب حماية الطفل الصغير من عين السوء، وأن يحترز من أن تقرب الطفل حائض. ذلك لأن «النجاسة» التي أصابت هذه المرأة تسبب للطفل سوء الحظ. وكانوا يطردون الشياطين بالنار، وذلك بالإضاءة، لاسيما في الليالي الثلاث، التي تلي الولادة، وكانوا يعطون الطفل عصارة نبات الهوما ويذيقونه زبدة الربيع. وينبغي أن تكون العناية بالطفل من الرضاعة واللفة وغير ذلك، طبقًا للعادة. وكان لحلق شعر رأسه أول مرة قواعد عقدية أيضًا.
الله يعطيك العافية
ردحذف