مقدمة
إن مفهوم التنمية البشرية هو مفهوم مركب من جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات. والتنمية البشرية هي عمليات تحدث نتيجة لتفاعل العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي، وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب. إن التنمية تعنى تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية.
اقتصاد أم ثقافة
إن بناء التنمية يعتمد على إيجاد آليات وبرامج تمكن الناس من أن يصبحوا أكثر إنتاجًا وأوسع مشاركة في عملية التنمية. وإذا كانت التنمية في شقها الأول اقتصادية، فإن الشق الإقتصادي ليس له أن يكتمل أو أن يتحقق وربما أن يستقيم، دون مرجعية نسقية ثقافية تمكن الناس أو تساعدهم على أن يصبحوا أكثر إنتاجية وذوي أدوار متصاعدة في عملية التنمية. فالقضية الكبرى التي تواجهنا في المنطقة العربية، هي أنه لا يكفي القول أننا كأمة، نمتلك المخزون الثقافي والإقتصادي لعملية التنمية، بل الإشكالية التي نواجهها هي كيف السبيل أو ما هي السبل لتوظيف ذلك في عملية التنمية.
معوقات التنمية
من أهم التحديات التي تواجه التنمية البشرية في العالم العربي، الحرمان من الحريات العامة. كما دلت على ذلك المؤشرات التي تعمل على قياس مظاهر متنوعة للحريات المدنية والحقوق السياسية واستقلال الإعلام. فالأنظمة العربية في معظمها بيروقراطية تعمل على خنق الحريات، مما أدى إلى تحجيم ذوي الآراء الحرة والعقول النيرة، القادرين على النهوض بالتنمية إلى الأمام.
كما أن نقص تمكين المرأة يعتبر من أهم معوقات التنمية، حيث تبقى نسبة استخدام طاقات المرأة العربية من خلال المشاركات السياسية والإقتصادية أكثر تدنيًا في العالم. ففي عدد من البلدان العربية تعاني النساء من نقص في المشاركات السياسية ومن عدم المساوات في حقوقهن كمواطنات، وفي الحقوق القانونية. والمرأة في وطننا العربي ما هي إلا جسد ملتهب يبتز المواطن، وملصقات إعلانية تزداد عريًا وعهراً، ومحطات دعائية تفيض فسقًا وفجوراً.
ويواجه العالم العربي فجوة كبيرة في المعرفة. فالعرب غرقى بالماضي، والحاضر عندهم مشغول بعزف سيمفونية التاريخ، والتغني بأمجاد الرواد الأوائل. فالمنطقة العربية برمتها لم تؤسس فيها بعد ثقافة احترام المعرفة، ولم تتحول المعرفة فيها إلى سلطة مرجعية لأصحاب القرار. والعرب يمثلون القلة القليلة في مجالات العلوم البحثية والطب، وفي المجالات الإبداعية والثقافية، وفن الأوبرا والمسرح وغيرها. وهناك شواهد على النقص الشديد في تأليف الكتب وترجمتها. فالعالم العربي كله يترجم سنويًا ما يقارب 330 كتابًا وهو أقل مما تترجمه اليونان لوحدها. أما الكتب المترجمة منذ عصر المأمون حتى الآن فهو بحدود مائة ألف كتاب فقط وهو يوازي تقريبًا ما أنتجته أوروبا في عقد واحد.
اقتراحات وحلول
يمكن أن تكون أولى خطوات التغيير هي في إشاعة قدر واسع من ثقافة الديمقراطية، والقبول بلغة الاختلاف في خطاب الدولة العربية، وممارسة قياداتها السياسية والإدارية، والقبول بالآخر المختلف في نهجها السياسي وبرنامجها العملي، وأن يتولد لدى الدولة ثقافة التعلم من أخطائها وأخطاء الآخرين، كما هو التعلم من نقد الآخر لها والانطلاق من الذات والبدء من حيث انتهى الآخرون.
وللمرأة دور بارزفي التنمية البشرية. لذلك علينا التخلي عن العقلية القديمة التي لا تؤمن بقدرات المرأة، والبدء بتوفير حقوقها المساوية للرجل. والتركيز على الإبداعات العظيمة التي خلفتها العديد من نسائنا الراحلات والمواهب الخلاقة التي تتمتع بها الكثير من نسائنا الحاضرات، والابتعاد عن المتاجرة بالمرأة وتسويقها سلعة لإدارة الندوات، وتصويرها متعة لإثارة الشهوات.
ويتوجب على الأمة العربية الالتفاف على مشاكل المعرفة وضمان تعليم أساسي شامل، وتطوير المناهج الدراسية وطرق التدريس، والاهتمام بالعقول العربية المهاجرة، ومواكبته التكنولوجيا والإنفاق على البحث العلمي. ونحن بحاجة إلى نوع جديد من التعليم يتوافق مع قيم وثقافة التسامح واحترام الثقافات المختلفة والقبول بالآخر المختلف عرقيًا ودينيًا.
ولن ننسى أن للدين علاقة بالتنمية.فعلينا الابتعاد عن التعصب الديني والمهاترات التي لا جدوى منها، وأن نوظف الدين لمنافع عامة تعود بالفائدة على الاقتصاد والسياسة وبالتالي على التنمية البشرية العربية.
خاتمة
هل نحن قادرون على مواكبة العالم؟ وإذا كان الإرث الثقافي قد لعب دور المعجزة في ماليزيا، فلماذا لا ياخذ دوره عندنا نحن العرب؟ نعم نصنع المعجزة حين نأخذ بما قاله رئيس حزب العدالة والتنمية في تركيا "فلنخسر نحن وتربح تركيا". لدينا من القدرات والطاقات ما لا ينضب. فمتى يخرج من بيننا القائد الذي يسخّر هذه الطاقات ويوصلنا إلى مصاف الأوائل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق