من أين تنبع الأحلام؟ وهل ثمة تفسير علمي لها؟ وما أهميتها؟ لقد شرع علماء النفس في العقود الأخيرة في فك شيفرة المخ البشري وإلقاء النور على الأركان المظلمة فيه. فكيف استطاع العلم تأويل الأحلام?
هل حقيقي أن العين هي نافذة الروح، أم أنها الصندوق الخاوي الذي يقذف فيه العقل الباطن بمخلفاته؟ حقيقةً، إن ثمة جدالاً دائرًا بين علماء النفس حول ماهية الأحلام والسبب وراء حدوثها. وفي الوقت نفسه، توصل فريق منهم إلى اكتشاف الكثير عن خبايا النفس البشرية بفضل تفسير الأحلام ؟
في كل ليلة يحلم المرء مرات عدة، وتتراوح مدة الحلم الواحد بين عشر دقائق إلى خمس وأربعين دقيقة. أما أكثر الأحلام وضوحًا فهي التي تحدث في أثناء مرحلة الاختلاج أو حركة العين السريعة (REM) خلال نومنا (وهي الفترة التي ينشط فيها المخ كثيرًا، فتجول العين تحت الجفن في سرعة، كما يحدث ارتخاء تام لعضلات الجسم). وفي هذه المرحلة، ينتابنا حلم جديد كل تسعين دقيقة تقريبًا. وكلما أمعنا في النوم، زادت أحلامنا وضوحًا، لا سيما في تلك الساعة التي تسبق الاستيقاظ. وقد وجد العلماء أنه في أثناء حركة العين السريعة تتكون دفقات كهربائية نابعة من مناطق التفكير والحركة بالمخ، الأمر الذي دفعهم إلى الاعتقاد بأن قشرة المخ تعمل بنشاط كبير في ذلك الوقت لترجمة النبضات العصبية الغريبة وفهمها. ومن هذا المنطلق، خرجت نظرية تقول إن المرء قد يأتيه حلم دموي نتيجة التعرض لمشاهد عنف، وليس العكس.
وجدير بالذكر أن أحلام الطفل في سنوات عمره الأولى تتسم بالبساطة وعدم الانفعالية، على الرغم من شيوع الكوابيس بين الأطفال في هذه المرحلة العمرية. وما إن ينضج الطفل حتى يصيب التعقيد أحلامه التي تتم في إطار درامي، فيجد نفسه وقد صار جزءًا من الحلم. وفي هذه الحالة، تبرز مشاعر كريهة في الأحلام، كالغضب والخوف، هذا غير أن الإثارة الجنسية في الحلم أمر شائع وطبيعي. وبخلاف الاعتقاد السائد بين الناس، فإن معظم الأحلام تكون بالألوان، حتى وإن لم يدرك المرء ذلك. كما أن الموت في الحلم لا يعني بالضرورة موت الحالم في الحياة الواقعية. وعلى الرغم من الدراسات العلمية التي أجريت لاكتشاف ما إذا كانت الأحلام قادرة على التنبؤ بالمستقبل أم لا، فلم يظهر بعد دليل علمي لتأكيد هذا الاعتقاد. وعلينا أن نشير هنا إلى أن أكثر الأشياء التي تميز الأحلام بالغرابة هي عدم قدرة المرء على تذكر تفاصيلها بكل دقة بعد الاستيقاظ، وإن ظلت بعض التفاصيل لحلم أو آخر عالقة بالذهن ما إن يسترد الإنسان وعيه.
تفسير الأحلام
حاول الإنسان أن يفك رموز الأحلام منذ عهد بعيد. ولعل أول السجلات التي تم العثور عليها يعود تاريخها إلى نحو 5000 عام، وكان ذلك في بلاد الرافدين. فالألواح الطينية التي تنتسب إلى الملك الأشوري «أشور بانيبال» في القرن السابع قبل الميلاد تحكي ملحمة «جلجامش» حاكم العراق، الذي نسب الأحلام إلى أمه الآلهة بهدف تفسيرها. أما الفراعنة والإغريق، فقد آمنوا بأن الآلهة تزور النيام في الأحلام، في حين اعتقد الصينيون أن الروح تفارق الجسد عند النوم، وأن الأحلام نابعة من خبرات الروح في ترحالها. ويشتمل التلمود على ما لا يقل عن مائتي إشارة إلى الأحلام، كما أن الكتب الهندية المقدسة التي جُمعت بين عامي 1500 و1000 قبل الميلاد ترى في الأحلام فألاً حسنًا أو نذير شؤم، حسب أفعال النائم في الحلم.
وفي العصور الوسطى، بدأ الناس يفسرون الأحلام انطلاقًا من منظور ديني. فقد رأى العديد من الناس ممن يدينون بالمسيحية أن إبليس هو المسئول الأول عن نشوء الأحلام. وبناءً على ذلك، كان العديد من الأحلام يفسر على نحو خطأ، فصارت تجعل من المرء إما عبدًا تقيًا أو آثمًا شقيًا. لدرجة أن بعض النساء كن يحرقن أحياء بسبب أحلامهن. ومع مطلع القرن العشرين، أضحى العلماء ينظرون إلى علم تحليل الأحلام نظرة مختلفة تمامًا، وذلك حين قدم عالم النفس سيجموند فرويد نظريته في التحليل النفسي للأحلام. فقد رأى فرويد أن ثمة نوعين من الأحلام: أحلام العقل الباطن (التي تحتوي على خيالات وأمان لاواعية)، وأحلام المُتَنَفَس (وهي ذات محتوى سطحي وتمثل أمورًا غير واعية أو كامنة). أما عالم النفس كارل يانج الذي عاصر فترة ظهور فرويد فكانت له نظرية مختلفة؛ إذ رأى أن محتوى الأحلام عبارة عن مجموعة من التجليات التي تساعد المرء على علاج مشاكله العاطفية وهمومه ومخاوفه وصراعاته. ورجح أن الأحلام المتكررة تجسد همومًا نفسية مُهمَلة تعاود الظهور في الأحلام رموزًا وصورًا تعبيرية.
وقد أُجري في السنوات الأخيرة مزيد من الدراسات البحثية التي تتناول مسألة النوم والأحلام. وأكدت إحدى هذه الدراسات التي أجريت في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي، أكدت أن لبعض الأحلام أسبابًا فسيولوجية، وأن الأحلام عمومًا تعتمد على مراحل النوم المختلفة. وأوضح الطبيب النفسي «ستيفن لابيرج» أن الإنسان قادر على البقاء في وضع الاستيقاظ وهو نائم، وهي ظاهرة أطلق عليها اسم (الأحلام الواعية).
ومع أننا لم نعرف الكثير بعد عن عالم الأحلام حتى يومنا هذا، فإن معظم خبراء تحليل الأحلام يتفقون على أن الأحلام تعكس أفكارنا ومشاعرنا الدفينة الكامنة. وجدير بالذكر أن ثمة مواضيع ورموزًا وقوالب شائعة تأتي للكثيرين في أحلامهم ولها معانٍ وتفسيرات متباينة بالنسبة لحالة كل فرد. ومع هذا، لم يزل الجدال دائرًا فيما إذا كان للأحلام تفسير أو معنى، وإن كان الثابت أن كل حلم فريد ومستقل بذاته، وليس له معنى إلا بالنسبة لصاحبه.
أهمية تحليل الأحلام
يعتبر تحليل الأحلام في الوقت الراهن غاية في الأهمية بالنسبة لعلماء وأطباء النفس. فهو وسيلة مفيدة لاكتشاف الذات، فضلاً عن استخدامه في العلاج النفسي للكشف عن الحوادث والصدمات التي تعرض لها الإنسان في الماضي. إن تحليل الأحلام أسلوب ممتع للتعرف على شخصية المرء وذاته الخبيئة، حتى لو لم تكن أحلامه متكررة. فليس عليه سوى الانتباه إلى الرسائل التي يرسلها إليه العقل الباطن. ونضيف هنا كلمات د. ستيفن لابيرج الذي يقول: «تنبع الأحلام من داخلنا. لذا، فهي قادرة على أن تكشف لنا عن أمانينا ومخاوفنا وتطلعاتنا وآرائنا بالعالم المحيط بنا بصفةٍ عامة. لم يزل تحليل الأحلام فنًا أكثر منه علمًا. فنواحي تحليل الأحلام العلمية تشتمل على معرفة بحالة المخ الذي هو أساس عملية الحلم، بالإضافة إلى الأشياء التي تحدد محتوى الأحلام، وأساليب وتقنيات التحكم فيها».
ويقول بوني راسل أحد علماء تحليل الأحلام بولاية كاليفورنيا الأمريكية والذي اهتم بدراسة الأحلام لعشر سنوات: إن كل فرد فينا يأتيه حلم له هدف معين في إطار قصصي درامي، وأن مهمتنا هي اكتشاف القصة والأزمة والحل. ويضيف: «أرى أن الإنسان إذا قمع مشاعره وذكرياته، فإنها تجد لها متنفسًا بطريق آخر. هذا المتنفس هو عالم الأحلام. إن كل حلم يعبر عن رسالة من الواجب إدراكها واستيعابها».أما المحللة النفسية «لورين لورينس» التي تعمل بمدينة نيويورك فتقول: «تمتص الأحلام المشاعر والأفكار من العقل الباطن. أو نستطيع أن نقول إن الأمر أشبه بتحميل ملف من على جهاز الكمبيوتر الذي سنعتبره هنا مخ الإنسان. وتعد عملية تفسير الأحلام بمنزلة فتح لهذا الملف. إننا نقضي نحو عشرين عامًا من عمرنا نيامًا، ونحلم 350000 حلم تقريبًا طوال حياتنا. وكل حلم من هذه الأحلام في غاية الأهمية؛ إذ إنه يكشف لنا عن جانب خفي من شخصيتنا لم نكن نعلم عنه شيئًا».
رموز الأحلام
وقد نجحت لورين لورينس في علاج مئات الحالات بفك رموز الأحلام، حتى أكثرها غرابة وغموضًا. فعلى سبيل المثال، عانت إحدى المراهقات حلما متكررًا، حيث تجد نفسها داخل غرفتها وقد اشتدت عاصفة هوجاء عنيفة في الخارج تراها عبر نافذتين تكسرتا من عنف العاصفة. وخارج الغرفة كان مستوى الماء قد ارتفع كثيرًا وصارت حياتها مهددة بخطر الغرق، فوقفت الفتاة عاجزة حتى عن الفرار. فسّرت لورينس هذا الحلم بقولها إن الفتاة تشعر بالحزن حيال حياتها. وتضيف: «تمثل النافذتان عيون والديها الحارسة، أما العاصفة ومياه الفيضان فرمز لعجزها عن الإفلات من قدرها. في حين ترمز شظايا زجاج النافذة إلى شيء ينبثق من العقل الباطن». وما إن أدركت الفتاة أنها مصابة بالاكتئاب نتيجة تدخل والديها في حياتها، حتى تعلمت أن تتأقلم مع هذا القلق وتغير نمط حياتها، وساعتها انقطع هذا الحلم.
أما مفسر الأحلام تيدياني تول فيقول: «تعكس الأحلام استجابة المرء العاطفية الدفينة لتجاربه في حالة اليقظة والوعي. لهذا السبب، لا يمكن تأويل الحلم إلا بالنظر إليه من خلال ظروف حياة المرء الشخصية. وذلك يشمل ماضيه وسلوكياته وأحقاده وأهواءه ومخاوفه وآلامه. إن شخصية البالغ هي عبارة عن نتاج لتجاربه العاطفية طوال حياته. ومن خلال بوابات الحلم يستطيع العقل الباطن أن يطلعنا على احتياجاتنا. والقرار متروك لنا لاستخدام مفاتيح التفسير في حالة اليقظة». كما يضيف تول أن ثمة ألفين أو ثلاثة آلاف رمز يشيع ظهورها في أحلام الناس جميعًا، مثل الألوان أو الأماكن أو الأفعال أو الجمادات. وأكثر الرموز شيوعًا هي السقوط والطيران وممارسة الغرام والمطاردة. ولكن ما السبب في عدم قدرة المرء عادةً على تذكر أحلامه؟ تجيب لورين لورينس عن ذلك السؤال قائلة: «عندما تكون مستيقظًا، فإنك بذلك تتحدث بلغة عالم الوعي. أما في نومك، فأنت تتحدث بلغة اللاوعي. وبالتالي، يؤدي استيقاظك من نومك إلى فقدان اتصالك بعالم اللاوعي، وتصبح كغريب يحاول التحدث بلغة بلد أخرى. ومن هنا يمسي تذكر الحلم أمرًا صعبًا». والنصيحة التي تقدمها «لورينس» هي كالتالي: «فور استيقاظك من النوم، عليك أن ترقد ساكنًا في فراشك، وأن تغلق عينيك، وتركز على الحلم الذي أيقظك، وتفكر في تفسير له. ثم قم بتدوينه بسرعة على الورق، وارجع إليه من وقت لآخر كي تتعرف على شخصيتك أكثر».
اين هو الدين الاسلامي من كل هدا
ردحذف