موضوع الأرقام ليس جديدًا، وهي قد استهوت الآلاف من الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة.. قديمًا، وحديثًا، كتابة، وتعاملاً.. كل على طريقته. وحين تقترب منها تجد أن لكل رقم حكاية وموضوعا وموقفا ابتداءً من الصفر حتى المليون. وسنقبض في هذا المقال الطريف على الرقم: ثمانية، ولكن قبل المضي في هذا الموضوع أحب أن أذكّر القراء الأعزاء بما جاءت به كتب التاريخ عن الخليفة العباسي المعتصم بالله: محمد بن هارون الرشيد 178 - 227هـ) صاحب الإجابة التاريخية الشهيرة «وامعتصماه» التي فتح بها منطقة عمورية (قرب مدينة أزمير التركية حاليا).
فهذا الخليفة يطلق عليه المؤرخون: الثماني، أو الثامِني، أو المثمن (بفتح الميم الثانية، لا بكسرها - وإلا سيتحول أحد رموزنا التاريخية إلى بائع في إحدى الأسواق)!
ذلك لأن رقم (8) كان يصاحبه في الكثير من جوانب حياته فهوـ بحسب ما يذكره المؤرخون ولد في اليوم (الثامن) من الشهر (الثامن/شعبان) في العام (الثامن) بعد السبعين والمائة الهجرية وهو (ثامن) أولاد هارون الرشيد، ومدة خلافته (ثماني سنين، وثمانية أشهر، وثمانية أيام) وأعتقد لو أنه كان في عصر المعتصم ساعة دقيقة، لأضاف له المؤرخون: (وثماني ساعات، وثماني دقائق، وثماني ثوان!)، كما أنه تولى الخلافة في السنة (الثامنة) عشرة بعد المائة، ومات عن عمر (ثمانية) وأربعين عاما، (لثمان) ليال بقين من شهر ربيع الأول، وبرجه العقرب، وهو (ثامن) البروج، وخلف «ثمانية» أولاد و«ثمان» بنات، وفتح «ثمانية» فتوح، وقتل «ثمانية» أعداء، كما أنه «ثامن» خليفة عباسي أيضا، وترك من الذهب «ثمانية» آلاف دينار، و«ثمانية» عشر مليون درهم، و«ثمانية» آلاف رأس من الخيل ومن الإناث مثلها ومن الجمال، والبغال والقصور مثلها، ومن المماليك «ثمانية» آلاف مملوك، و«ثمانية» آلاف جارية!!
- هل هذا معقول / هل هذا صدفة؟ أم حقيقة? أم أن (ثمانية) استهوت مؤرخ هذا الخليفة فركّب له هذه الثمانيات؟ ودُون التمعن فيما ورد مما قد يكون اعترى الرواية شيء من المبالغة أو ملاحظة أن عملية «تثمين» المعتصم قد «راقت» للمؤرخين.. نجد أن الرقم «ثمانية» من الأرقام الغنية بالكثير من العطاءات المادية والمعنوية إلى جانب أنه ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع.. وأتذكر من ذلك قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ صدق الله العظيم، سورة الحاقة - الآية 17.
ولا ننسى أن هذا العدد هو من الأعداد الزوجية التي لا (كسر) لها، وهذه ميزة إيجابية أخرى..
ولا بأس يا أخي الكريم.. أن تتخيل أنك تملك «ثمانية» ملايين ريال؟!
أعود للثمانية، فأقول إن الذي جاء بهذا الرقم.. هو تلك الحكمة الجميلة التي توقفت عندها في إحدى أوراق التقاويم التي تحيط بي، وكنت أول ما سمعتها حينما كنت فتى، من خالي الحاج «عبدالمحسن الجلواح» رحمه الله الذي كان يرددها كثيرا.. ويالها من حكمة ذات (ثمانية) حتمية.. تأمل:
ثمانية لابد منها على الفتى
ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور، وهم، واجتماع، وفرقة
ويسر، وعسر، ثم سقم، وعافية
ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور، وهم، واجتماع، وفرقة
ويسر، وعسر، ثم سقم، وعافية
فهل تستطيع أن تهرب من أي واحد منها.. أيها القارئ العزيز؟
كل (ثمانية) طيبة وأنتم بخير...
محمد الجلواح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق