الأحد، 5 أغسطس 2012

مسلسل عمر بن الخطاب.... نقد وتحليل


تجسيد شخصية عمر بن الخطاب وظهور الصحابة فى مسلسل «عمر» يمنحه ثراء وجاذبية
حسب تصريحات المخرج حاتم علي وافق الأزهر على مسلسل عمر بن الخطاب شفاهة لكنه تردد حينما وصل الأمر إلى التصريحات النهائية. إن الحملات التى نادت بمنع عرض مسلسل «عمر» أثارت جدلا كبيرًا بسبب فتوى تحريم تجسيد شخصيات الأنبياء وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة، وقد اجتهدت بعض المواقع الإلكترونية بالحشد لمقاطعة مشاهدة العمل، وامتلأ فضاء «يوتيوب» و«تويتر» و«فيسبوك» بالمؤيدين والمعارضين للعمل، وتجاوز العمل الجدل والعقبات وبدأ عرضه على قناة «MBC» فإذا بنا أمام عمل يكسر نمطية الأعمال الدينية التقليدية التى يغلب عليها السطحية والخطابة الزاعقة والحوار المعلّب والتصوير الساذج للكفار كحفنة من الأشرار بوجوه قبيحة وطباع غليظة وثياب سوداء، تقابلها صورة المؤمنين الملائكية بملابسهم البيضاء. يقدم مسلسل «عمر» أهل مكة مؤمنين وكفارًا بشرًا تتقلب نفوسهم بين الخير والشر. شخصية عمر بن الخطاب يجسدها الممثل السورى ثامر إسماعيل وهو اختيار موفَّق معبِّر عن قوة وحزم شخصية الفاروق، وإن كان يلفت النظر أن صوته يبدو كما لو كان مدبلجًا فهو يبدو صوت شيخ لا يتناسب مع صغر سنه، وحين يخطب في الناس بصوت عالٍ يبدو صوته مخنوقًا. ظهر أيضًا أبو بكر الصديق بتجسيد غسان مسعود ولكنه يبدو أكبر سنًا من عمره الحقيقي.  وظهر على بن أبى طالب صبيًا وفتىً لكنه لم يأخذ حقه من فروسيته المعهودة، ويتوالى ظهور الشخصيات التى لم تُجسَّد دراميًا قط قبل ذلك. من الملاحظات الأخرى بعض القفزات الزمنية الملتبسة، فظهر المسلمون يقيمون الصلاة بعد نزول الوحى بمشاهد قليلة رغم أنه معروف تاريخيًا أن الصلاة فُرضت فى أثناء رحلة الإسراء والمعراج، وحدث هذا بعد السنة الثالثة من البعثة النبوية. لكن تبقى أهم الملاحظات هو تصوير المعارك وإدارتها فلا تزال ركيكة جدًا ولا زلنا نحن العرب بحاجة إلى أشواط لنصل إلى مصاف العالمية. هذا ويقف تليفزيون قطر وتليفزيون «MBC» وراء هذا الإنتاج الضخم الذى قد يكون وراءه نوع من المنافسة السياسية حتى لا تنفرد إيران بإنتاج ورواية التاريخ الدينى بأعمال درامية شديدة الجاذبية، هو لا شك أيضًا يحمل قبسًا من نور التاريخ يكشف أزمة الحاضر المتمثل فى اندلاع الثورات العربية نتيجة غياب العدل. تأخذك مشاهد مسلسل «عمر» الذى كتبه د.وليد سيف إلى عمق التاريخ الإسلامى الأول بعيدًا عن نمطية المسلسل التاريخى السطحي المليء بالخطب والمواعظ الجافة. هناك فرق بين المسلسل الديني التاريخي التقليدي المنفر، ومسلسل يجذبك منذ اللحظة الأولى حتى لو اختلفت على بعض تفاصيله أو تمنيت أن يكون أكثر تحررًا من الوصاية الدينية التى قد تغل يد المبدع، ولكن رغم ذلك فلا يمكن إنكار أن العمل بالمتاح لكاتبه ومخرجه ونجومه قدموا صورة بديعة ورؤية عميقة لشخصية الفاروق وبداية الإسلام. الإنتاج تتضح ضخامته في بعض الأرقام منها صنع 1700 سيف، والاستعانة بـ1500 حصان، و3800 جمل، وسك 10000 عملة معدنية، وصناعة عدد ضخم من الدروع والسهام والأقواس والملابس، وجيش من الفنيين، تظهر مكة القديمة على الشاشة كأنها قطعة تتجسد من التاريخ، مكة رغم أنها ديكور بُني فى صحراء المغرب فإنه بإتقانه حمل ثراءً بتفاصيل بصرية منحت الصورة شكل اللوحة الفنية، الإضاءة منحت العمل أجواءً من الجلال والروحانية تسيطر على الأحداث التى تحكى سيرة حياة الشاب عمر بن الخطاب راعِى الإبل متّقد الذكاء الذى يتمسك بالحق والعدل وسط مجتمع شديد القسوة يتمسك بالعصبية القبلية. تصدمك كلمات الخليفة العادل وأنت تقارن بين واقعنا اليوم حيث يحتفظ الحاكم بالفاسدين والفاشلين فى مناصبهم بحجة الحفاظ على الدولة من انهيار مزعوم، يخطئ من يشاهد المسلسل لمجرد الحنين الدينى والتاريخى، فمن بين ثنايا مشاهد العمل تبرز لمحات تفرض على العقل المقارنة بين الماضى والحاضر، يقول الفاروق وهو يحكم دولة الإسلام الناشئة ويسعى لبنائها بأساس من العدل لمواطنين اشتكوا إليه حكامهم وولاتهم بقوله: «إن تبديل الوالى أيسر من تبديل الرعية، فأهون شىء أُصلِح به قومًا، أن أبدلهم أميرًا مكان أمير» إنه على استعداد لتغيير حاكم كل يوم على أن يحتفظ بحاكم ظالم ساعة واحدة، فى جملة واحدة بليغة يعبر عن مدى عدله، فهو على استعداد للتراجع عن قراره مرارًا وتكرارًا حتى يوفَّق فى اختيار من يعدل فى الحكم، وأيضًا قوله: «لا تضربوا الناس فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفّروهم».






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق