حتى هذه اللحظات القليلة
التي كان يسرقها بعضنا صغارًا بعيدًا عن حصة دراسية مملة، لم تعد ممكنة. أصبح هناك
الآن رجل آلي «روبوت» مهمته الرئيسية إفساد متعة التلاميذ في اختلاس بعض لحظات
النوم أو الشرود، بمراقبة مستوى التركيز عندهم وتقليد أساليب المدرسين الآدميين في
جذب انتباههم، مع وعد بأن تحقق التجربة نتائج مبهرة في حالة التلاميذ الذين يدرسون
عن بعد، وتحديدًا أنظمة الدراسة عبر الشبكة الإلكترونية "الإنترنت"
الاختراع الجديد يحاول
معالجة النقص الفادح في أنظمة التدريس الإلكترونية، التي تفتقر لمهارات المعلم
الفعلي في جذب انتباه التلميذ إذا شرد أو أبدى ميلاً للنوم، مثل تغيير طبقة الصوت،
أو تغيير ملامح الوجه وحركات الجسم للتدليل على حقائق ما في الدرس المعني. هذه
كلها قدرات يفتقرها المعلم الافتراضي، فلا يمكنه التحايل على تشتت تلاميذه، بل
وليس في قدرته التأكد في الأساس من متابعتهم له.
علماء جامعة «ويستكونسون -
ماديسون» حاولوا دراسة سلوكيات المعلم البشرى ومتابعتها عن كثب، أملاً في تعلم كيف
- تحديدًا - يتسنى له أسر الحضور في فصل الدرس، والسعي لتزويد المعلم الآلي بقدرات
مماثلة. الفكرة تمحورت حول صناعة إنسان آلي تعليمي لديه تقنيات ومهارات خاصة مثل
القدرة على سرد قصة ما خلال لقاء افتراضي عبر شبكة الإنترنت بأحد تلاميذه ثم يبدأ
في طرح أسئلة تكون إجابات التلميذ عنها وسيلة لقياس مدى تركيزه. لكن المسألة لا
تتوقف عند هذا الحد. فالمعلم الآلى مزود بمجسات خاصة لمتابعة القسم الخاص بالتعليم
والتركيز في الدماغ، وإذا ما صدرت مؤشرات تدل على تراجع مستوى التركيز لدى التلميذ
المتلقي، يحفز النظام المعلم الآلي على التعامل مع التلميذ بشكل يحاكي المعلم
البشري ويساعد على جذب انتباهه.
فى إحدى التجارب على النظام
التعليمي الآلي الجديد، شرع المعلم الآلي في سرد قصة قصيرة حول حقيقة الحيوانات
التي تشكل التقويم الصيني وذلك لقياس مستوى التركيز في المتوسط. لاحقا، يبدأ
المعلم الآلي في سرد قصة أخرى لمدة عشر دقائق حول إحدى قصص تراث الحكي الياباني،
وهي غير معروفة في الأغلب، وأثناء عملية السرد يحرص المعلم الآلي على محاكاة
المعلم البشري بتغيير نبرة صوته أو التلويح بيديه أو حتى الإشارة في اتجاه نفسه أو
في اتجاه المستمع، أملاً في استعادة انتباه تلاميذه. التجارب التي أجريت شملت
مجموعة أخرى من التلاميذ لم يلجأ الإنسان الآلي إلى جذب الانتباه أو كان يستخدم
حركات التنبيه بشكل عشوائي. ثم كان اللجوء إلى طرح أسئلة متعددة حول القصة الأولى
عن التقويم الصيني، قبل العودة إلى القصة التراثية اليابانية وطلب بعض الأجوبة حول
تفاصيلها. اتضح أنه في حالة تدخل المعلم الآلي، كانت إجابات التلاميذ أفضل منها
مقارنة بالمجموعة التي لم تنل القدر نفسه من التوجيه. فنجحت المجموعة في تذكر أغلب
تفاصيل القصة والإجابة بدقة على 9 من أصل 14 سؤالاً، فيما لم تتمكن المجموعة
الثانية من إجابة سوى 6 أسئلة.
التجارب الجديدة حازت
اهتمام الجامعات والهيئات التعليمية التي تقدم دورات دراسية عن بعد، والتي اعتبرت
الاختراع بمنزلة فتح تعليمي لا يستهان به. فوجود معلم آلي أكثر قدرة على التفاعل
وتوجيه تلاميذه بمنزلة خطوة لا يستهان بها على هذا الصعيد، خاصة أن الدورات
الدراسية عبر الإنترنت بدأت تلاقي رواجًا ما بعده رواج في الولايات المتحدة، فخلال
أسابيع قليلة من إطلاق دورات دراسية عبر الإنترنت في أربع جامعات، انضم أكثر من
مليون شخص إلى فصوله وحتما سيستفيد أكثرهم من المعلم الآلي الجديد بقدراته
المتطورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق