من الحقائق البسيطة في مسيرة تطور الكائنات الحية
أن الانتقاء الطبيعي يعمل على الاختلافات الوراثية التي يتم توريثها من الآباء إلى
الأبناء.
ويؤدي ذلك التنوع الجيني (الوراثي) إلى تحسين فرص
حياة الذرية لفترة مناسبة تتكاثر خلالها لكي تمرر تلك الصفات الوراثية إلى نسلها،
وبعد فترة من الزمن، إلى كل أفراد نوعها، إلا أن الشيخوخة والتقدم في العمر يبدآن
مع الكائن الحي بعد ولادته وخروجه إلى الحياة، ولذلك فلا تأثير لهما أثناء عملية
إنتاج الذرية، كما لا يواجهان ضغوطا تطورية تجعلها تغير من طبيعتها، وقد أنتجت
الكثير من الأبحاث التي جرت وراء الكشف عن آلية عمل الشيخوخة، والبحث عن وسيلة
للسيطرة عليها أو التحكم فيها، العديد من النظريات حولها، منها نظرية التقادم المخطط Planned Obsolescence، وهو التعبير الذي استخدم
في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين لكي يصف المنتجات الاستهلاكية
ويحدد لها صلاحيتها لفترة من الزمن يجب بعدها البدء في إحلالها وتجديدها، ربما
تشجيعا على الاستهلاك وخلق طلب مستمر على تلك المنتجات، وترى نظرية التقادم المخطط
أن الوقت الذي تنتهي فيه صلاحية الجسم البشري مرهون بموروثات داخل كل خلية قادرة
على إيقاف نموها عند وقت ما، وكجزء مهم من التدليل على هذه النظرية، فقد أجرى عالم
الأحياء الأمريكي ليونارد هايفليك عام 1961، مع زملاء له، تجربة وضعوا فيها خلايا
من أجنة بشرية في حضانات خاصة وفرت لها كل التغذية وعوامل الحياة التي تحتاجها
وتحميها من كل التأثيرات الضارة، وفي هذه الظروف المثالية بدأت الخلايا في النمو
والانقسام، حتى وصلت إلى نحو خمسين انقساما توقفت بعدها.
أما الأدلة فتتراكم حتى الآن لصالح نظرية الحادث
التراكمي
Accumulated Accident، حيث يري العلماء كل خلية
حية كمصنع كيميائي معقد يجعلها تقوم بمهمتها ووظيفتها، وتؤثر على تلك الخلايا كل
الملوثات التي تتعرض لها، وتعمل الخلايا جاهدة للحفاظ على حياتها، وحين تضعف آليات
الدفاع داخلها تكون الشيخوخة والموت مصيرها. وتركز الأبحاث الحديثة حول الشيخوخة
عند البشر على فهم التفاعلات الكيميائية التي تساعد على الشيخوخة، وأنواع الدفاعات
الجينية التي تقاوم ذلك، وترى تلك الدراسات أن الأكثر ضررًا هو مجموعة من المواد
الكيميائية تعرف بالجذور الحرة Free Radicals، وهي
نتيجة ثانوية طبيعية لعملية التمثيل الغذائي الأساسية وبعض العمليات الأخرى داخل
جسم الكائن الحي، وعندما تتحرر الجذور الحرة داخل الخلية فإنها تحطم الجزيئات
اللازمة للخلية لكي تصلح نفسها، وفي بعض الحالات قد تدمر الحمض النووي (DNA) نفسه، ويقدم الباحثون دليلاً واضحًا على مدى تأثير
الجذور الحرة في الشيخوخة، في الحيوانات التي ترتفع فيها معدلات التمثيل الغذائي،
وبالتالي ترتفع معدلات إنتاج الجذور الحرة، فيقل فيها إنتاج المواد الكيميائية
المقاومة للجذور الحرة، فتكون حياتها أقصر نسبيًا من غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق