الجمعة، 5 أكتوبر 2012

• ثقب الأوزون وأثره على صحة الإنسان والبيئة


          تم اكتشاف أسس الكيمياء الضوئية التي أدت إلى تكوين طبقة الأوزون في أعالى طبقات جو الكرة الأرضية من قبل عالم الفيزياء البريطاني سدني تشابمان عام 1930 فالأوزون يتكون في الجو عندما تسقط الأشعة فوق البنفسجية على جزيئات الأوكسجين  O2، وجزيئة الأوكسجين تتألف من ذرتي أوكسجين. عندما تسقط الأشعة على جزيئات الأوكسجين فإنّ بعض هذه الجزيئات تنفصل إلى ذرتي أوكسجين O. بعد ذلك تتحد كل ذرة أوكسجين متحررة مع جزيء أوكسجين مكونة جزيئة أوزون  O3، وجزيئة الأوزون هذه غير مستقرة مع أنها تعيش طويلاً.

 وعكس هذه العملية يحدث عندما تسقط الأشعة فوق البنفسجية على جزيء الأوزون فإنها تعيد فصله إلى جزيئة أوكسجين وذرة أوكسجين، مكونة بذلك ما يعرف بدورة أوزون أوكسجين. وتتكوّن جزيئات الأوزون بشكل أسرع بكثير من إعادة فصلها فيؤدي هذا الفرق بين سرعة التكوين وسرعة الفصل إلى تكوّن طبقة من جزيئات الأوزون في جونا، وتتركّز الطبقة في منطقة الستراتوسفير من غلافنا الجوي (هذه الطبقة تمتد من ارتفاع 12 كم فوق سطح الأرض إلى ارتفاع 50 كم). وغلافنا الجوي يتألف من ثلاث مناطق رئيسية، حيث تسمى المنطقة التي فوق سطح الأرض مباشرةً باسم التروبوسفير وهي تمتد من سطح الأرض إلى ارتفاع 9 - 12 كم وفيها تطير الطائرات، وبعض قمم جبال هملايا تصل إلى حافة هذه الطبقة. يلي هذه الطبقة طبقة الستراتوسفير وتمتد منها إلى ارتفاع يقرب من 50 كم وفيها يوجد نحو 90% من طبقة الأوزون والتي توجد عند ارتفاعات 20 40 كم، يلي هذه الطبقة طبقة الميزوسفير.
          ومع أن تركيز الأوزون في الجو قليل إلا أنه مهم جداً للحياة على الأرض لأنه يمتص الأشعة فوق البنفسجية القادمة للأرض من الشمس. والأشعة فوق البنفسجية حالها حال الضوء المرئي كونها أشعة كهرومغناطيسية ولكن طاقتها أكبر بكثير من طاقة الضوء المرئي (يسمى مرئي لأن العين تتحسسه فنراه) وأطوالها الموجية أقصر من الأطوال الموجية للضوء المرئي، بهذا تكون تردداتها أكبر فتكون طاقتها أعلى حسب النظرية التي تنص على زيادة طاقة الموجة كلما زاد ترددها. وتتراوح أطوال موجه الضوء المرئي بين 400 و700 نانومتر، والأطوال الموجية للأشعة فوق البنفسجية تقل عن 400 نانومتر. وتصنف الأشعة فوق البنفسجية إلى ثلاثة أصناف حسب الطول الموجي لها. فالصنف A له مديات من 400 315 نانومتر والصنف B من 315 280 نانومتر والصنف C من 280 100 نانومتر. والصنف C أكثرها إيذاءً لأن طاقة أي اشعاع تزداد كلما قل الطول الموجي، ولكن حمداً لله الذي حصن البشرية من هذا الأذى وجعل طبقة الأوزون تمتص الشعاع الساقط من الشمس كلياً أثناء مروره بهذه الطبقة وتخلصنا منه وهو على ارتفاع 20 - 35 كيلومترا. أما الصنف B فيمتص أغلبه ولكن ما يصل الأرض منه يمكن أن يكون مؤذيا جداً للجلد وهو المسبب الرئيس لحروق الشمس والجرعات الزائدة منه قد تتسبب بسرطان الجلد، كذلك قد يتسبب بعتمة عدسة العين أو ما يعرف بالماء الأبيض. والصنف A يصل أغلبه للأرض وهو أقل ضرراً من الصنفين الآخرين، ولكنه قد يسبب أذى جينيا.
          وأول اكتشاف لوجود ثقب أو ترقق في طبقة الأوزون فوق منطقة القطب الجنوبي كان عام 1985 عندما اكتشف عالم بريطاني كان يعمل ضمن بعثة بحثية هناك ترققا بمقدار 40%. وقد أكد ذلك باحثو الطيران الفضائي في مركز غودارد في ناسا عندما راجعوا بياناتهم، ومنذ ذلك الحين فإن العلماء يعتمدون في قياساتهم على أجهزة بحثية طورها هذا المركز لهذا الغرض ولأغراض بيئية.
أسباب ترقق طبقة الأوزون
          تترقق طبقة الأوزون بسبب الجذور الحرة الموجودة في الجو مثل أوكسيد النتريك NO والهيدروكسيل OH وذرات الكلور Cl والبروم B، ومع أنّ هذه الجذور متوافرة طبيعياً في جونا بشكل متوازن إلا أن كمياتها ازدادت في السنين الأخيرة بسبب النشاطات الصناعية للإنسان وخصوصاً غاز الفريون المستعمل في أجهزة التبريد والتجميد والتكييف والمستعملة بكثرة في المباني والمركبات. كل جذر من هذه الجذور له القابلية من خلال سلسلة تفاعلات متسلسلة على تحطيم أكثر من مائة ألف جزيئة أوزون، لذلك إذا استمر هذا التحطيم لجزيئات الأوزون فإنّ طبقة الحماية من الأشعة فوق البنفسحية التي وضعها الله في أعالي الجو ستترقق أكثر وتسبب أذى كبيرا لبني البشر. وفي عام 1973 ابتدأ العالمان فرانك رولاند وماريو مولينا من جامعة كاليفورنيا بدراسة تأثيرات غاز الفريون في الجو فوجدا أن جزيئاته تبقى مستقرة بما فيه الكفاية لتصل إلى أواسط طبقة الستراتوسفير فتتحطم بفعل الأشعة فوق البنفسجية ويتحرر عن ذلك ذرات كلور تقوم بتحطيم جزيئات الأوزون. تبع ذلك عمل كبير وهائل في هذا الاتجاه من قبل الكثير من العلماء، وكان ختام ذلك أن حصل هذان العالمان على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1995.
          وتبلغ معدلات النقصان في تركيز الأوزون في نصف الكرة الشمالي نحو 4 % لكل عقد من الزمان، وتزيد نسبة النقصان فوق القطبين الشمالي والجنوبي متسببة بما يعرف بثقب الأوزون لكن حجم هذا الثقب فوق القطب الجنوبي أكبر بكثير من حجمه فوق القطب الشمالي.
سبب حدوث ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي
          يجب أن نلاحظ أنّ معنى الثقب الذي نتكلم عنه هو بمعنى حفرة مثل الحفرة التي نحفرها في الأرض وليس بمعنى الثقب في غشاء. وكلمة ثقب ليس لها معنى عند التكلم عن غاز فمثلاً لو بعجت الهواء الذي أمامك فلن تتسبب بحدوث ثقب، فالأوضح أن نصف حال طبقة الأوزون المترققة بثوب صوف بالٍ حيث أصبح سمك النسيج في مناطق من هذا الثوب رقيقاً جداً بحيث يمكننا أن نرى من خلاله، وعندما تصل نسبة الترقق إلى 100 % فهنا فقط يكون الكلام عن ثقب في النسيج. أرجو أن يكون القارئ إذن مدركا لمعنى ثقب الأوزون عند كلامنا عن ذلك فيما تبقّى من المقال.
          عندما يذكر موضوع ثقب الأوزون فإن أكثرنا يعرف أنّ موضع هذا الثقب هو فوق القطب الجنوبي ولكن الأغلبية العظمى من هذه الأكثرية لا تعرف سبب تمركز هذا الثقب فوق القطب الجنوبي، وكان هذا الثقب قد تمّ اكتشافه من قبل علماء بريطانيين عام 1985 كما ذكرنا. لابد من وجود سبب لوجود هذا الثقب في تلك المنطقة بالذات، نعم هناك سبب ففي كل شتاء قطبي تتكون دوامة من هواء بارد جدا فوق المنطقة. والدوامة عبارة عن كتلة هوائية مركزها راكد لكنه محاط برياح غربية قوية تتحرك بشكل دائري حول المركز الراكد. وبسبب غياب الشمس عن المنطقة في الشتاء وهبوط درجات الحرارة إلى سبعينات ما تحت الصفر، فإنّ غيوما جليدية تتشكل نتيجة البرد الشديد. وعندما تشرق الشمس في الربيع فإنّ الضوء الساقط على الغيوم الجليدية ينشط أكاسيد النتروجين المتجمد داخل جسيمات الجليد ليبعث الكلور، والكلور يسارع في نضوب جزيئات الأوزون من المنطقة فيتسبب ذلك بترقيق طبقة الأوزون. من هذا نفهم أن أكبر ترقق يحدث في الربيع القطبي الذي يدوم نحو شهرين وتكون نسبة الترقق خلال هذين الشهرين بحدود 60 % وفي مركز الثقب تصل هذه النسبة إلى أكثر من 75 %، وفي شهر أكتوبر 1993 وصلت النسبة إلى 100% واختفى الأوزون من المنطقة تماماً. وحجم الثقب كبير بشكل مقلق فهو في حجم قارة أوربا أو أمريكا الجنوبية، وأكبر حجم بلغه الثقب لحد الآن كان عام 1996 حيث تجاوز حجمه حجم أمريكا الشمالية. 
كيف يقاس ثقب الأوزون؟
          يقاس ثقب الأوزون بوحدة قياس تسمى وحدة دوبسن Dobson Unit ووحدة دوبسون تمثل عدد جزيئات الأوزون الحر اللازمة لتكوين طبقة أوزون سمكها 0.01 ملمتر من هذا الغاز عند درجة حرارة الصفر المئوي وضغط جوي واحد. ولأخذ فكرة عما تعنيه هذه الوحدة فجو الأرض في حالته الطبيعية له قياس أوزوني قدره 300 وحدة دوبسن، وهذا مكافئ لطبقة أوزون سمكها 3 ملم حول الكرة الأرضية بأجمعها. أما القياس في منطقة ما والواجب الوصول له ليقال إن هناك ثقب أوزون في هذه المنطقة فهو 220 وحدة دوبسن فما دون. 
بروتوكول مونتريال
          أحس العالم بفداحة تأثير ثقب الأوزون على البشرية وبقية الكائنات الحية فقرر أن يعقد بين الدول اتفاقية لمنع نشر أو تصنيع مسببات الظاهرة، فقرر أن يلزم الدول من خلال اتفاقية تعقدها وتشرف على تنفيذها هيئة الأمم المتحدة. فتحت الاتفاقية في سبتمبر 1987 وأصبحت ملزمة في يناير 1989. وخصصت الأمم المتحدة مبالغ مالية لمساعدة الدول الفقيرة الموقعة على الاتفاقية على تطوير بدائل للمواد التي تستعملها وتسبب تأثيرا سلبيا على طبقة الأوزون. والأمم المتحدة مهتمة جداً بالموضوع إلى درجة أنها حددت في العام 1994 يوم 16 سبتمبر من كل عام ليكون » يوم الأوزون العالمي » تخليداً لتوقيع بروتوكول مونتريال في مثل ذلك اليوم من عام 1987.

تابعونا على الفيس بوك
www.facebook.com/awladuna
إقرأ أيضًا

  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق