·
ياقوت الحموي... بين الجغرافيا وهمجية التتار
أُسِر - أثناء الحروب الصليبية - وبيع
كالعبيد وهو صغير، لذا لقّبوه بـ«الرومي» لأن أصله من الأناضول، لكنه
عُرف بالحموي، نسبة إلى عسكر بن إبراهيم الحموى، التاجر
البغدادي الذي اشتراه.
علَّمه سيدهُ اللغة والنحو والعلوم
الشرعية والحساب، حتى نبغ فيها، وظل مع سيدهِ حتى بلغ العشرين من عمره
فأعتقه، وبدأ ياقوت يكسب عيشه من نسخ الكتب، ثم دعاه سيده السابق
ليكون شريكًا له في تجارته، لما يعرفه عنه من الأمانة والاستقامة، وحين
توفي أوصى لياقوت ببعض ثروته، فاستخدمها في تجارة الكتب، التي جعلته يطوف العالم الإسلامي، يزور خزائن الكتب والمكتبات، باحثًا عن
المؤلفات القيمة، والمخطوطات النادرة، يلتقي بالعلماء والأدباء يأخذ منهم
ويعطي لهم، وفي كل الأحوال يقرأ حتى أصبح العبد السابق
واحدًا من كبار مثقفي عصره.
انتهى به الطواف في الممالك والبلاد
والبلدان إلى الموصل، حيث أقام قليلا قبل أن يرسل إلى صاحب حلب، في
عهد الملك الظاهر (ابن صلاح الدين الأيوبي) يطلب منه زيارة حلب،
وفي حلب عكف على تأليف كتابه «معجم البلدان» وظل بها حتى توفي سنة 626 هجرية، يكشف كتابه عن عالِم جغرافي من الطراز الأول، فهو
يتحدث بدقة العالِم عن الأقاليم التي زارها، يصفها
ويتحدث عن أوضاعها كما لو كنت تراها يا عزيزي، ويتحدث عن
كروية الأرض بطريقة علمية مذهلة، قبل أن يكتشف الغرب ذلك بقرون، ركز ياقوت في كتابه على الجغرافيا، واهتم بضبط نطق أسماء البلدان
والأنهار والمسالك والجبال، مما ساعد التجار على الذهاب
بتجارتهم إلى حيث يريدون، وساعد الحجاج من أقطار الأرض في
الذهاب إلى بيت الله في مكة، والأماكن المقدسة في المدينة والقدس الشريف.
لقد أنقذ ياقوت معارف علماء العرب في
علم الجغرافيا من الضياع، فقد استمد معلوماته من مصادر كثيرة ومتنوعة
ضاع أغلبها، مع ما ضاع من كتب أثناء الغزو التتري، الذي اكتسح
بلاد المسلمين، وألقى مئات الألوف من الكتب في نهري دجلة والفرات، ليجعل منها
جسورًا تعبر الخيول من فوقها، وقد اشتهر ياقوت بدقته فأثبت في كتابه ما يجب إثباته وحذف ما يلزم حذفه، مما يشك فيه حتى تتضح له الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق