الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

• الطاقة الشمسية ... بين الهدر والاستغلال



         عند الحديث عن مصادر الطاقة المتجددة، كبديل لمصادرها التقليدية غير المتجددة والآخذة في النضوب، يكثر الحديث عن الطاقة الشمسية - بصفة خاصة - في بلادنا العربية التي تتمتع بإمكانات هائلة للإفادة منها. فما هي طبيعة هذه الطاقة وكيف يمكننا استغلالها؟

         الشمس مصدر هائل للطاقة، التي تصلنا منها في صورة إشعاع. ومما يُعتقد، أن واحدًا في الألف فحسب من 75000 تريليون كيلووات/ساعة من طاقة الشمس التي تصل للأرض كافية للوفاء باحتياجات كوكب الأرض.
         والشمس عبارة عن كرة مادية من الغازات الساخنة، يصل قطرها إلى 1390000 كيلومتر، وتبعد عن الأرض في المتوسط بمسافة 150 مليون كيلومتر. وتدور الشمس حول محورها بمعدل مرة كل أربعة أسابيع على وجه التقريب. ولكنها لا تدور كجسم صلب متماسك، ففي حين يتم خطها الاستوائي دورته في 27 يومًا، تستغرق مناطقها القطبية زهاء 30 يومًا لكل دورة.
         وللشمس درجة حرارة فعّالة - كجسم أسود - مقدارها 5762 على مقياس كلفن، ودرجة حرارة أجزائها الباطنية تتراوح ما بين ثمانية ملايين وأربعين مليون درجة على ذات المقياس. وكثافتها هناك، قدر كثافة الماء مائة مرة.
         والشمس في واقع الحال بمنزلة مفاعل اندماجي دائب العمل، يحتفظ بمكوناته الغازية بفعل قوى الجاذبية. وخلال عملية الاندماج، تقترن نوى أربع ذرّات من الهيدروجين لتكون نواة ذرة هليوم واحدة، وتتولد بذلك طاقة بباطن الكرة الشمسية عند درجة حرارة تبلغ عدة ملايين درجة مئوية، فتنتقل إلى سطح الشمس، ومن ثمّ تشع في الفضاء.
         وتُقدر نسبة الطاقة المتولدة في النطاق من مركز الشمس حتى 23 في المائة من نصف قطرها بحوالي 90 في المائة من إجمالي الطاقة، وهو النطاق الذي يحتوي على 40 في المائة من كتلة الشمس. وعلى بُعد 70 في المائة من نصف القطر، تهبط درجة الحرارة إلى 130000 درجة كلفن، وتهبط الكثافة إلى 70 كيلوجراما لكل متر مكعب. ومن هناك وحتى سطح الشمس الخارجي تبدأ أهمية تيارات الحمل، في حين تهبط درجة الحرارة إلى نحو 5000 درجة كلفن.
         والطبقة الخارجية من منطقة تيارات الحمل تسمى بالكرة الضوئية (الفوتوسفير) Photosphere. وطبقة الفوتوسفير معتمة أساسًا، إذ إن الغازات التي تكونها شديدة التأيّن، وبمقدورها أن تمتص (أو تطلق) نطاقًا كاملاً من الإشعاع، والفوتوسفير هو مصدر أغلب الإشعاع الشمسي.
         وتوجد أعلى الفوتوسفير طبقة من الغازات أكثر برودة، يمتد عمقها إلى عدة مئات من الكيلومترات يُطلق عليها الطبقة العاكسة، وتقع خارجها طبقة تُسمى بالكرة اللونية (الكروموسفير) Chromosphere عرضها زهاء 10000 كيلومتر، وهي طبقة غازية تزيد درجة حرارتها يسيرًا عن درجة حرارة الفوتوسفير، وكثافتها أقل. وإلى الخارج من كل هذه الطبقات هناك الهالة الشمسية Corona ذات الكثافة القليلة للغاية، ودرجة حرارتها مليون درجة كلفن. والإشعاع الشمسي هو محصّلة إشعاع الطبقات المتعددة ذي الأطوال الموجية المختلفة. وقد تم، بوسائل متعددة، قياس الإشعاع الشمسي خارج الغلاف الجوي للأرض وتحديد توزيعه الطيفي. ويميل محور دوران الأرض (أي الخط المستقيم الواصل بين قطبيها) بزاوية مقدارها 23.5 درجة عن مستوى دوران الأرض حول الشمس. وهذا الميل عن الوضع العمودي على مستوى المدار يجعل نصف الكرة الشمالي مائلاً ناحية الشمس صيفًا، وبعيدًا عنها شتاء، مما يُحدث التغيرات الفصلية على سطح الأرض.
         ومقدار الإشعاع الشمسي الواصل لنقطة ما على سطح الأرض، هو دالة في الشكل الهندسي للسطح المستقبل ووضعه بالنسبة للشمس، وفي الزوايا الهندسية المتعددة التي يحددها موقعه وفي ترتيب اليوم من السنة. وتقل كمية الطاقة الشمسية المتاحة على سطح الأرض بصورة محسوسة عن تلك التي تصل إلى طبقات جوها العليا، ويتحدد مدى النقص في طاقة الشمس عند وصولها سطح الأرض أساسًا بحالة الجو من حيث القدرة على الإبصار خلاله. ويؤثر تركيب الجو في الإشعاع الشمسي من خلال عمليتين: الامتصاص، والتشتت.
         وتعتمد كمية الامتصاص والتشتت التي تحدث لمكون ما من الطيف الشمسي على تركيب الجو، وكذلك على الطول الموجي لذلك المكون، وفي نطاقات معينة من الطيف يغلب التشتت على الطاقة الشمسية. في حين يكون امتصاص تلك الطاقة هو الأساس لدى نطاقات أخرى.
         ويعنينا الإشعاع الذي يتراوح طوله الموجي ما بين 0.3 و3 ميكرونات، وهو النطاق من الطيف الذي يضم معظم الطاقة التي تشعّها الشمس.
         وعلى أية حال فإن طبيعة الإشعاع القادم من خارج الأرض وتأثير الغلاف الجوي في إضعافه، وتأثير زاوية توجه السطح المُستقبِل كلها عوامل لها أهميتها في استيعاب بيانات الإشعاع الشمسي واستخداماته.
         وبالوسع استغلال طاقة الشمس بثلاثة سبل:
1)    تحويلها إلى طاقة حرارية.
2)    تحويلها إلى كهرباء.
3)    التمثيل الضوئي.
الطاقة الحرارية
         يمكن الحصول على الطاقة الحرارية باستخدام مجمع شمسي. ولقد دخل عدد كبير من تطبيقات استغلال طاقة الشمس الحرارية النطاق التجاري، وخصوصًا تلك التي تلزمها طاقة حرارية محدودة، ويتضمن ذلك أجهزة الطهي، ومنظومات تسخين الماء شمسيّا، وتجفيف المحاصيل الزراعية، والتبريد، وضخ المياه، والمعالجة الموسمية للأخشاب، وتحلية المياه المالحة. ويتواصل العمل في الوقت الراهن لتطوير إنتاج مجمعات شمسية ذات جدوى اقتصادية في درجات الحرارة المختلفة. والمنظومات الحرارية الشمسية التي تعمل في درجات الحرارة مابين 60 و380 درجة مئوية تُستخدم اليوم في الأغراض المنزلية والصناعية المتنوعة، كالتسخين وتوليد القوى. فلدى منظومات تسخين المياه بالشمس إمكانات عريضة لتوفير الكهرباء التي تُستهلك في القطاعات المنزلية والتجارية، وتوفير النفط المستهلك في القطاع الصناعي من أجل التزويد بالماء الساخن.
التأثير الشمسي الكهروضوئي
         في المنظومات الشمسية الكهروضوئية، تُولّد الكهرباء رأسًا من الطاقة الشمسية، حيث تعمل على أساس الظاهرة الكهروضوئية. فعندما يسقط الضوء على مواد معينة، مثل السليكون، تُستثار الإلكترونات وتفلت من المعدن، وتتجمع هذه الإلكترونات لدى معدن آخر عبر الأسلاك في شكل تيار كهربي منتظم. والوحدة الأساسية في المنظومة الشمسية الكهروضوئية هي الخلية الشمسية، وهي عبارة عن مجموعة رقائق من معدن ذي قدرة على ابتعاث الإلكترونات.
         ويمكن استعمال مثل هذه المنظومات في تزويد المناطق الريفية والنائية التي لم تدخلها شبكة الكهرباء في الاستخدامات المتعددة التي تلزمها قدرات محدودة، مثل الإنارة، وضخ المياه، وتشغيل إشارات السكك الحديدية؛ وفي منظومات شبكات الاتصال بأقاليم الريف؛ وفي تنقية المياه لأغراض الشرب والري وإمداد المعدات الإلكترونية بالطاقة؛ وفي خطوط الإرسال التلفزيوني.
         وتتميز المنظومات الكهروضوئية بسهولة إقامتها وصيانتها، وخلوّها من الضوضاء والتلوّث، وطول عمرها التشغيلي، مما يزكّي استعمالها في المناطق النائية والمعزولة أو تلك التي يتعذر الوصول إليها. والأمر الرئيس الوحيد الذي يحد من انتشار المنظومات الشمسية الكهروضوئية، هو ارتفاع الاستثمارات المالية الابتدائية. وأهم المكونات المكلفة هي رقائق السليكون، التي يحتاج الأمر لاستيرادها.
التمثيل الضوئي
         التمثيل الضوئي هو ظاهرة التحول الكيميائي لثاني أكسيد الكربون والماء إلى مواد كربوهيدراتية في وجود ضوء الشمس ومادة الكلوروفيل (اليخضور) في النبات. وهو أحد أعلى الوسائل كفاءة في الطبيعة لتحويل طاقة الشمس إلى صورة صالحة للتخزين، حيث ثبت أن نسبة تصل إلى 30 في المائة من الضوء الممتص في الطحالب ورتب النباتات العليا - في ظل ظروف مواتية وعبر فترات زمنية قصيرة ومع شدة إضاءة منخفضة نسبيًّا - تتحول إلى طاقة كيميائية يمكن الإفادة منها.
         إن الإفادة من مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية في بلادنا التي تتمتع بقسط وافر منها، تتطلب وضع برامج ومخططات لاستغلالها وإيلائها عناية خاصة، ومد جسور التعاون مع منظمات المجتمعات المحلية لتلبية احتياجاتهم ذات الحجم المحدود من القدرة، مما يتيح قدرًا من الرفاهية لقطاعات عديدة من المجتمع المحروم منها.

إقرأ أيضًا





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق